28 أكتوبر 2024
اتفاق غزة قفز في المجهول
لن يكون اتفاق التهدئة المتوقع إنجازه بين حركة حماس والكيان الصهيوني سوى قفز نحو مجهولٍ نعلمه، ونترك بين يديه مصائرنا ومقاديرنا. هو خطوة مجهولة، إن تمت، نحو معلوم سبق وأن جربناه، واكتوينا بنيرانه منذ اتفاق أوسلو المشؤوم. ومهما تكن المبررات التي تساق لتمرير هذا الاتفاق في وعينا الجمعي، فإنها لا تختلف كثيراً عن التي روجها، في حينه، دعاة اتفاق أوسلو الذي ما زلنا نعاني من مرارته وتداعياته السلبية.
قيل إننا اضطررنا لتوقيع اتفاق أوسلو، نتيجة للحصار العربي الخانق على منظمة التحرير الفلسطينية في أعقاب حرب الخليج، وهو ما هدد بتراجع دور المنظمة في حينه، بل وباختفائها من الساحة السياسية، على الرغم من خروج الشعب الفلسطيني منتصراً على آلة القمع الصهيونية في الانتفاضة الأولى. واليوم، يقال إن هدف الاتفاق رفع الحصار عن غزة التي خرجت منتصرة في الحرب الأخيرة عليها، وتم إجهاض النتائج السياسية لهذا الانتصار، وتجميد المفاوضات غير المباشرة التي عقدت أولى جلساتها في القاهرة، وكان يفترض بها أن تتابع موضوعات رفع الحصار الذي ازدادت قسوته، في ظل تواطؤ مصري فلسطيني إسرائيلي، بل وإحكام الحصار حول غزة، بالإقفال المستمر للمنفذ العربي الوحيد المتاح عبر رفح، وفشل اتفاقات المصالحة، وتعثر حكومة الوحدة الوطنية، وفشلها في حل الملفات العالقة، وربط إعادة الإعمار بتجريد غزة من سلاح المقاومة، بذريعة عدم السماح إلا بوجود سلاح واحد فيها، هو سلاح السلطة الوطنية الغائبة عنها، وبحجة أن وجود سلاح للمقاومة فيها يمهد لحرب أخرى، تعيد هدم ما تعمر.
قد يكون مفهوماً سعي حركة حماس لرفع الحصار عن غزة، وتخفيف المعاناة عن السكان فيها، وهي تبرر سعيها المنفرد، ومفاوضاتها غير المباشرة مع الكيان الصهيوني، بقيام الآخرين سابقا بمثل ما تحاول القيام به الآن، وبعجز الأطراف الأخرى، العربية أو الفلسطينية، وعدم رغبتها الجدية في المساهمة في رفع الحصار، وربما تمنياتهم الدفينة بأن يبقى الحصار قائماً، طالما لم تستجب حركة حماس للضغوط المفروضة عليها، بل لعلها تعتقد أنها عبر هذا الاتفاق ستضمن اعترافا دولياً، وتعزز من سلطتها وقوتها في القطاع، وفي النظام السياسي الفلسطيني برمته.
يتحدث الاتفاق، كما تقول مصادر مختلفة، عن هدنة تستمر بين 7 إلى 10 سنوات، وممر مائي بين غزة وشمال قبرص (الجزء التركي). والغريب أن الوسيط الدولي لهذه الصفقة هو رئيس الوزراء البريطاني الأسبق والعراب السابق للرباعية الدولية، توني بلير، وقد قام بوساطته تلك بعد انتهاء مهامه في الرباعية. ويتضمن الاتفاق إقامة نقطة أمنية بمشاركة إسرائيلية، وربما أطراف أخرى، في شمال قبرص، تكون مهمتها التدقيق في الركاب والبضائع. ولم تتسرب، حتى اللحظة، تفاصيل ذلك، وإن كان يعتقد أنها ستكون مشابهة للإجراءات الإسرائيلية على المعابر الأخرى، مع فارق أن هذا المعبر سيقام على أرض قبرص التركية.
وفي موازاة جهود توني بلير التي أكدتها مصادر إسرائيلية وتركية، وتصريحات لقادة من حماس، كلها تصب في قرب التوصل إلى اتفاق، هنالك جهود أخرى يبذلها وسيط ألماني، لإنجاز صفقة تبادل، يتم بموجبها إطلاق سراح أسرى فلسطينيين في مقابل إعادة الجنود الصهاينة الذين تم أسرهم، أو الاحتفاظ بجثثهم في الحرب الأخيرة، بما يوحي أن ثمة صفقة شاملة، يجري الإعداد لها، بل إن صديقا قادماً من غزة حدثني عن ترتيبات تمت بجوار الشريط الحدودي، إذ تم شق طريق ترابي موازٍ للشريط الحدودي، يمتد بين رفح وبيت حانون، وهو طريق كانت اليابان، في أعقاب اتفاق أوسلو، قد عرضت بناءه، إلا أن إسرائيل رفضت ذلك في حينه لأسباب أمنية. أما الآن، فتستخدم هذا الطريق سيارات دفع رباعي عسكرية، تراقب الحدود بانتظام، وتمنع إطلاق الصواريخ المنفلتة، بما يوحي بأن ثمة ترتيبات بدأ العمل بها فعلاً.
سيستقبل أهل هذا الاتفاق بالترحاب على المدى القصير، وسيخفف من عبء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالقطاع، وتتيح له منفذاً يطل منه على العالم الخارجي، بعد حصار دام أكثر من ثماني سنوات، إلا أن إسرائيل ستبقى المستفيد الأكبر منه، فهي تسعى إلى فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، تمهيدا للاستفراد بالضفة الغربية، وإخراج حركة حماس من معادلة المقاومة، وتكريس الانقسام الفلسطيني حقيقة واقعة ومستمرة، واستمرار للسياسة الإسرائيلية والغربية في التعامل مع القضية الفلسطينية بالقطعة، وعدم الاهتمام بالوصول إلى حل شامل وعادل لها، كما أنه سيعيد العلاقات التركية الإسرائيلية إلى سابق عهدها، إذ يفترض بتركيا أن تكون أحد الضامنين للاتفاق، وأن تقوم بدور اقتصادي أكثر نشاطا في غزة.
لكن، ما الذي يضمن استمرار الاتفاق، إن تم على المديين، المتوسط والبعيد. إسرائيل تسيطر على مياه البحر المتوسط، وتستطيع أن توقف هذا الممر المائي، أو تعدل شروطها، وتحكم قبضتها عليه متى تشاء. ومن يضمن استقرار الوضع في غزة، إذا ما التهبت الضفة الغربية، وهي تقاوم الأخطبوط الاستيطاني الممتد كالسرطان، يوما بعد يوم. من يضمن ألا يواجه هذا الاتفاق مصير اتفاق أوسلو، ويتخلى عنه العدو عندما تسنح له الظروف، ونكون قد فقدنا وحدة نسيجنا الوطني، وسنوات من وقف التصدي للمخطط الصهيوني، واهتزاز ثقة العالم بنا.
يقول بعضهم إن التاريخ يكرر نفسه، وما حدث على أيدي فتح في اتفاق أوسلو تكرره حماس اليوم، أو هي على وشك أن تفعل ذلك. وإن حدث ذلك فهي مسؤولية حماس، أولاً وأخيراً، ومسؤولية الذين شقوا طريق التنازلات للعدو، واستساغوا لعبة المفاوضات معه، وساهموا، بشكل أو بآخر، في إحكام الحصار على غزة. المشكلة الكبرى تكمن في أن التاريخ إذا كرر نفسه، فإن أحداثه تأتي في المرة الثانية، على شكل ملهاة سوداء.
قيل إننا اضطررنا لتوقيع اتفاق أوسلو، نتيجة للحصار العربي الخانق على منظمة التحرير الفلسطينية في أعقاب حرب الخليج، وهو ما هدد بتراجع دور المنظمة في حينه، بل وباختفائها من الساحة السياسية، على الرغم من خروج الشعب الفلسطيني منتصراً على آلة القمع الصهيونية في الانتفاضة الأولى. واليوم، يقال إن هدف الاتفاق رفع الحصار عن غزة التي خرجت منتصرة في الحرب الأخيرة عليها، وتم إجهاض النتائج السياسية لهذا الانتصار، وتجميد المفاوضات غير المباشرة التي عقدت أولى جلساتها في القاهرة، وكان يفترض بها أن تتابع موضوعات رفع الحصار الذي ازدادت قسوته، في ظل تواطؤ مصري فلسطيني إسرائيلي، بل وإحكام الحصار حول غزة، بالإقفال المستمر للمنفذ العربي الوحيد المتاح عبر رفح، وفشل اتفاقات المصالحة، وتعثر حكومة الوحدة الوطنية، وفشلها في حل الملفات العالقة، وربط إعادة الإعمار بتجريد غزة من سلاح المقاومة، بذريعة عدم السماح إلا بوجود سلاح واحد فيها، هو سلاح السلطة الوطنية الغائبة عنها، وبحجة أن وجود سلاح للمقاومة فيها يمهد لحرب أخرى، تعيد هدم ما تعمر.
قد يكون مفهوماً سعي حركة حماس لرفع الحصار عن غزة، وتخفيف المعاناة عن السكان فيها، وهي تبرر سعيها المنفرد، ومفاوضاتها غير المباشرة مع الكيان الصهيوني، بقيام الآخرين سابقا بمثل ما تحاول القيام به الآن، وبعجز الأطراف الأخرى، العربية أو الفلسطينية، وعدم رغبتها الجدية في المساهمة في رفع الحصار، وربما تمنياتهم الدفينة بأن يبقى الحصار قائماً، طالما لم تستجب حركة حماس للضغوط المفروضة عليها، بل لعلها تعتقد أنها عبر هذا الاتفاق ستضمن اعترافا دولياً، وتعزز من سلطتها وقوتها في القطاع، وفي النظام السياسي الفلسطيني برمته.
يتحدث الاتفاق، كما تقول مصادر مختلفة، عن هدنة تستمر بين 7 إلى 10 سنوات، وممر مائي بين غزة وشمال قبرص (الجزء التركي). والغريب أن الوسيط الدولي لهذه الصفقة هو رئيس الوزراء البريطاني الأسبق والعراب السابق للرباعية الدولية، توني بلير، وقد قام بوساطته تلك بعد انتهاء مهامه في الرباعية. ويتضمن الاتفاق إقامة نقطة أمنية بمشاركة إسرائيلية، وربما أطراف أخرى، في شمال قبرص، تكون مهمتها التدقيق في الركاب والبضائع. ولم تتسرب، حتى اللحظة، تفاصيل ذلك، وإن كان يعتقد أنها ستكون مشابهة للإجراءات الإسرائيلية على المعابر الأخرى، مع فارق أن هذا المعبر سيقام على أرض قبرص التركية.
وفي موازاة جهود توني بلير التي أكدتها مصادر إسرائيلية وتركية، وتصريحات لقادة من حماس، كلها تصب في قرب التوصل إلى اتفاق، هنالك جهود أخرى يبذلها وسيط ألماني، لإنجاز صفقة تبادل، يتم بموجبها إطلاق سراح أسرى فلسطينيين في مقابل إعادة الجنود الصهاينة الذين تم أسرهم، أو الاحتفاظ بجثثهم في الحرب الأخيرة، بما يوحي أن ثمة صفقة شاملة، يجري الإعداد لها، بل إن صديقا قادماً من غزة حدثني عن ترتيبات تمت بجوار الشريط الحدودي، إذ تم شق طريق ترابي موازٍ للشريط الحدودي، يمتد بين رفح وبيت حانون، وهو طريق كانت اليابان، في أعقاب اتفاق أوسلو، قد عرضت بناءه، إلا أن إسرائيل رفضت ذلك في حينه لأسباب أمنية. أما الآن، فتستخدم هذا الطريق سيارات دفع رباعي عسكرية، تراقب الحدود بانتظام، وتمنع إطلاق الصواريخ المنفلتة، بما يوحي بأن ثمة ترتيبات بدأ العمل بها فعلاً.
سيستقبل أهل هذا الاتفاق بالترحاب على المدى القصير، وسيخفف من عبء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالقطاع، وتتيح له منفذاً يطل منه على العالم الخارجي، بعد حصار دام أكثر من ثماني سنوات، إلا أن إسرائيل ستبقى المستفيد الأكبر منه، فهي تسعى إلى فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، تمهيدا للاستفراد بالضفة الغربية، وإخراج حركة حماس من معادلة المقاومة، وتكريس الانقسام الفلسطيني حقيقة واقعة ومستمرة، واستمرار للسياسة الإسرائيلية والغربية في التعامل مع القضية الفلسطينية بالقطعة، وعدم الاهتمام بالوصول إلى حل شامل وعادل لها، كما أنه سيعيد العلاقات التركية الإسرائيلية إلى سابق عهدها، إذ يفترض بتركيا أن تكون أحد الضامنين للاتفاق، وأن تقوم بدور اقتصادي أكثر نشاطا في غزة.
لكن، ما الذي يضمن استمرار الاتفاق، إن تم على المديين، المتوسط والبعيد. إسرائيل تسيطر على مياه البحر المتوسط، وتستطيع أن توقف هذا الممر المائي، أو تعدل شروطها، وتحكم قبضتها عليه متى تشاء. ومن يضمن استقرار الوضع في غزة، إذا ما التهبت الضفة الغربية، وهي تقاوم الأخطبوط الاستيطاني الممتد كالسرطان، يوما بعد يوم. من يضمن ألا يواجه هذا الاتفاق مصير اتفاق أوسلو، ويتخلى عنه العدو عندما تسنح له الظروف، ونكون قد فقدنا وحدة نسيجنا الوطني، وسنوات من وقف التصدي للمخطط الصهيوني، واهتزاز ثقة العالم بنا.
يقول بعضهم إن التاريخ يكرر نفسه، وما حدث على أيدي فتح في اتفاق أوسلو تكرره حماس اليوم، أو هي على وشك أن تفعل ذلك. وإن حدث ذلك فهي مسؤولية حماس، أولاً وأخيراً، ومسؤولية الذين شقوا طريق التنازلات للعدو، واستساغوا لعبة المفاوضات معه، وساهموا، بشكل أو بآخر، في إحكام الحصار على غزة. المشكلة الكبرى تكمن في أن التاريخ إذا كرر نفسه، فإن أحداثه تأتي في المرة الثانية، على شكل ملهاة سوداء.