اجتماع الفصائل الفلسطينية... الحل في الحل
يمكن القول إن التقييم العام لاجتماع الفصائل إيجابي جداً، من جهة اجتماع كافة ممثلي الطيف السياسي الفلسطيني في الداخل والشتات، ومن جهة التوافق على قضيتين بالغتي الأهمية وهما: إنهاء الانقسام وتشكيل قيادة موحدة لقيادة المقاومة الشعبية في الضفة والقطاع.
بعد آخر رمزي، وهو حضور الشتات الفلسطيني في اجتماع تاريخي بهذا الحجم وفي هذا التوقيت، حيث أبدع وأجاد، كما ترفع القبعة للسيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والذي أفرد الجزء الأول من كلمته للحديث عن مخيمات لبنان وما تعانيه، وأصر هنية على تذكير الدولة اللبنانية - رغم فضلها في احتضان الاجتماع - بدورها في تخفيف معاناة فلسطينيي لبنان.
جملة أساب تؤكد تميز هذا الاجتماع عما سبقه، وإمكانية اعتباره محطة أولى في طريق تصحيح المسار الوطني الفلسطيني، وتجعل المراقب يتفاءل بثقة:
الأول: حضور عباس شخصياً وكافة قيادات الصف الأول في الفصائل وتحملهم الاستماع لبعضهم البعض.
الثاني: هو الصراحة البالغة التي تحدثت بها كل الأطراف، وثالث أسباب التفاؤل هو تحديد سقف زمني لإنهاء الانقسام، أما رابعها فهو الاتفاق على تأسيس قيادة موحدة في الضفة والقطاع لإدارة المقاومة الشاملة ضد الاحتلال وهو أمر بالغ الأهمية وركيزة أساسية في المشروع الوطني المنشود.
إن وحدة الفلسطينيين المنشودة اليوم هي حاجة عربية أولاً، قبل أن تكون فلسطينية، فعندما انقسم الفلسطينيون، تاه العرب حتى دخلوا جحر الضب، وعندما انشغل الفلسطينيون عن القدس، باعها بعض العرب
لكن وفي سبيل إنجاز المشروع الوطني المنشود، ينبغي أن يكون في قلب هذه الجهود إقرار بفشل أوسلو، والتحلل من كل التزاماته، تحللاً عملياً وليس لفظياً، بمعنى إيقاف التنسيق الأمني، والتفاهم الحمساوي الفتحاوي على حل السلطتين في الضفة والقطاع تدريجياً، أو تغيير وظيفتهما والذي سيقود بالضرورة لحلها إسرائيلياً. لا ندعو لاعتبار المقاومة المسلحة خياراً وحيداً، لأن هذا الخيار جربه الفلسطينيون في انتفاضة الأقصى 2001 وكانت الخسائر فيه فادحة، ولكن ندعو لقيادة فلسطينية تقود السلطة والشعب الفلسطيني نحو اشتباك ومواجهة شاملة مع الاحتلال، بالنضال السلمي، عبر التظاهرات، والاعتصامات، والاشتباك على الحدود والمقاطعة، ولا يستثنى من ذلك طبعاً أي شكل آخر من أشكال المقاومة.
مصطلح "المقاومة الشعبية الشاملة"، لعل أبو مازن تطرق إليه لأول مرة في هذا الاجتماع، وهو تطور مهم، فالرجل الذي عرف بنبذه للمقاومة وتبنيه للحل عبر المفاوضات بدأ يعيد حساباته، وهذا مؤشر جيد، وينبغي التوقف عند دعوته تلك لتشكيل قيادة موحدة للمقاومة الشعبية، واعتبار ذلك هدفاً جوهرياً يجب أن يتوافق عليه الفرقاء، وهو يعني باختصار تغيير وظيفة السلطة من التنسيق الأمني، إلى قيادة المواجهة الشاملة مع المحتل، والعودة لمروية أننا شعب تحت الاحتلال يريد التحرر وبناء دولته المستقلة.
كان الفلسطينيون يجتمعون في السابق مع العرب لمواجهة مشاريع إسرائيل ومخططاتها، لكنهم اليوم باتوا يجتمعون لمواجهة مشاريع بعض العرب المتحالفين معها، وهو الأمر بالغ الخطورة الذي أشار إليه الرئيس عباس ووصف التطبيع الأخير بين دولة الإمارات ودولة الاحتلال بـ"بطعنة خنجر مسمومة"، فيما ذهب إسماعيل هنية في كلمته إلى أبعد من ذلك بالتحذير باعتبار أن صفقة القرن تهدف لبناء تحالف إقليمي، "يسمح لإسرائيل باختراق المنطقة العربية عبر التطبيع".
تقديري أن الأمر أبعد من تصفية القضية الفلسطينية، إذ إن مشروع التطبيع الذي تقوده دولة الإمارات العربية المتحدة وباتت رأس حربة فيه والذي يدعو لتقبل إسرائيل ككيان طبيعي والتحالف معه بدلاً من اعتباره مشروعاً صهيونياً معادياً، هو مشروع بالغ الخطورة ويهدد الأمن القومي الجمعي العربي، وهو خلل مركزي في قلب الأمة العربية، فالعجز المؤقت عن مواجهة العدو لا يعني الارتماء في أحضانه، فأدبيات هذا المشروع وممارساته منذ 72 عاماً تؤكد بكل وضوح أن المستهدف هو الأمة العربية، وليس الشعب الفلسطيني فقط.
إن وحدة الفلسطينيين المنشودة اليوم هي حاجة عربية أولاً، قبل أن تكون فلسطينية، فعندما انقسم الفلسطينيون، تاه العرب حتى دخلوا جحر الضب، وعندما انشغل الفلسطينيون عن القدس، باعها بعض العرب.
أخيراً، لن يجد ترامب ولا زوج ابنته ولا حليفهما نتنياهو قيادة فلسطينية خائنة، ففي يونيو/ حزيران 2002 طالب جورج بوش الابن بتشكيل قيادة فلسطينية جديدة، استشهد أبو عمار ولم يبع، وفي سبتمبر/ أيلول 2020 يطالب جاريد كوشنير بقيادة جديدة توقع على الخيانة ولن يجد.
رحل بوش وبقيت فلسطين رغم كل ما جرى، ورغم كل ما يجري سيرحل كوشنر ووالد زوجته ويبقى الشعب الفلسطيني وفلسطين.