احتجاجات الحسيمة... بقعة الزيت تتمدّد

13 يونيو 2017
(في مدينة الحسيمة الشمالية، تصوير: فاضل سنة)
+ الخط -


مرحلة جديدة من الاحتجاجات يشهدها الريف المغربي بعدما امتدت بقعة الزيت لتشمل مدناً وقرى وبلدات محيطة بمدينة الحسيمة منها إمزورن وميضار والناظور. وبعد أن شنت السلطات الأمنية المغربية حملة اعتقالات واسعة شملت أكثر من 100 محتج اندلعت مواجهات عنيفة بين القوات العمومية والمتظاهرين أسفرت عن عشرات الجرحى ليصل بذلك التوتر في المنطقة إلى ذروته بعدما كان يتوقع الجميع أن تحدث بوادر انفراج قبل بدء فصل الصيف.


مواجهات عنيفة
اتقدت شرارة الاحتجاج، حينما شنّت قوّات الأمن حملة اعتقالات غير مسبوقة استهدفت كل قيادات الحراك الشعبي بمن فيهم سيليا الزياني التي توصف بـ"بلبلة الحراك" ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد بل إن الأمن قام بمداهمات كثيرة من أجل اعتقال النشطاء. وبينما تستمرّ الاحتجاجات في أماكن مختلفة من الريف فإن المعتقلين يواجهون تهمًا ثقيلة جدًا تصل عقوبتها استناداً إلى القانون الجنائي المغربي إلى المؤبّد على رأسها تلقي تمويلات خارجية لزعزعة استقرار الدولة.

غير أن الذي لم يكن متوقعًا هو لجوء قوّات الأمن إلى استعمال العنف، وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع وسط أحياء سكنية لتفريق المتظاهرين، والذين يلتحقون بحي سيدي عابد لتنفيذ احتجاجات ليلية شعارها الوحيد: لا حوار ولا عودة إلى المنازل من دون إطلاق سراح المعتقلين، في حين أن لائحة الاعتقال ما تزال مفتوحة، إذ ألقت الشرطة القبض على أكثر من خمسة أشخاص مساء أمس.

فصول التوتر وصلت ببلدة إمزورن، غير البعيدة عن المركز الحضري لمدينة الحسيمة، إلى أقصاها، إذ اشتعل فتيل المواجهات التي استمرّت إلى وقت متأخّر جدًا من ليلة أمس وأدّت إلى جرح عشرين رجل أمن، وفق الرواية الرسمية، فيما قالت مصادر "جيل" إن حصيلة المحتجين كبيرة جدًا ولا يمكن أن تعلن حصيلة رسمية ما داموا غير قادرين على زيارة المستشفيات لتلقي العلاج خشية اعتقالهم. ونقل الصحافي رضوان السكاكي (القاطن بإمزورن) بعض أجواء التدخّل الأمني قائلًا: "الغازات المسيلة للدموع لم تستثن ولو رقعة من سماء إمزورن.

تأثر الجميع وتأثرنا، بما في ذلك أطفال ونساء وشيوخ فضلوا استنشاق هواء نقي عند عتبة باب منزلهم، خصوصا مع الجو الحار الذي تعرفه المنطقة، لكن هذه الغازات نالت من الجميع... من الجميع".

ووسط أجواء متأثرة بحملة الاعتقالات أعلن النشطاء أنهم لن يتوقفوا عن الاحتجاج حتى إطلاق سراح المعتقلين، في مقدمتهم ناصر الزفزافي قائد الحراك الشعبي الذي بدأ بمجرد مقتل السماك محسن فكري طحنًا في شاحنة للأزبال.


بقعة الزيت
وإذا كانت الدولة تتخوّف من التحاق الريفيين المقيمين بالخارج إلى صفوف المتظاهرين بالتزامن مع عودة المهاجرين في فصل الصيف، فإن عدوى الاحتجاجات انتقلت بسرعة إلى مدن كثيرة منها الدار البيضاء والرباط وتازة ومكناس والقنيطرة التي خرجت للتضامن مع المطالب الاقتصادية والاجتماعية التي تؤطر احتجاجات الحسيمة.

دعوة الاحتجاج يوم الأحد في مسيرة وطنية تثير مخاوف لدى أوساط حكومية، خاصة أن جماعة العدل والإحسان المحظورة أعلنت عبر بلاغ رسمي مشاركتها في الاحتجاج وهي المرّة الأولى التي يعود فيها حواريو "عبد السلام ياسين" إلى الشارع بعد انسحابهم من مظاهرات حركة عشرين فبراير سنة 2011.


النفق المسدود
عائلات المعتقلين تشكّل وجهًا آخر من المأساة الإنسانية لأجواء الاحتقان فبالرغم من اعتقال النشطاء بمدينة الحسيمة، إلا أن جزءا كبيرًا منهم يتابع بمدينة الدار البيضاء البعيدة عن الحسيمة بحوالي عشر ساعات بسبب ما سماه القضاء بالاحترازات الأمنية. وتضطر العائلات إلى قطع مسافة طويلة لزيارة أبنائها المعتقلين، والذين يواجه عدد كبير منهم تهمًا ثقيلة جدًا.

هذه المعركة القانونية أججت الأوضاع بشكل كبير جدًا أمام مطالب ملحة بإطلاق سراحهم قبل بداية أي حوار لتحقيق مطالب المحتجّين. ولعل مقاطعة المتظاهرين للصلاة في المساجد واستمرار الاحتجاجات رغم اعتقال كل قيادات الحراك، مؤشرات واضحة بأن العلاقة بين الرباط والحسيمة آلت إلى النفق المسدود.

مصادر خاصة لـ"جيل" أكدت أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو هيئة حقوقية استشارية تابعة للدولة، كانت قد شرعت فعليًا في قيادة وساطة بين الدولة والمحتجين قبل أن تنهار بشكل فعلي بتدشين حملة الاعتقالات.

المساهمون