لدي يقين راسخ أن سذاجة الثوار، في كل بلدان الربيع العربي، كانت سبباً في أشكال الانقلاب المتباينة على الثورات في بلدانهم.
لم يعد كثير ممن شاركوا في الحراك الثوري العربي يجرؤون على الحديث عن انتصاره مثلما كان الحال قبل أربع سنوات، حيث ألحقت الثورات المضادة بثورات الشعوب ضرراً بالغاً، وتركت من شاركوا فيها يتجرّعون مرارة الهزيمة، حتى وإن كان أغلبهم لازال يتمسك بالأمل.
سمحت سذاجة الثوار للأنظمة القديمة بإعادة ترتيب صفوفها التي تشتتت بفعل الثورات المتلاحقة، حتى أنها استطاعت ضمّ عدد من الثوار ممن لديهم استعداد للعمل مع المنتصر، والذين لا تعنيهم إلا المكاسب الشخصية، الواقع أن تلك السذاجة المفرطة انتهت إلى كوارث في معظم بلدان الربيع العربي.
يزعم البعض أن السذاجة ليست جريمة، وربما هم صادقون في زعمهم، لكن لننظر إلى ما نجم عن تلك السذاجة، ضاعت أرواح ودمرت مدن وتبدد أمل في مستقبل واعد، أليست تلك الكوارث التي نراها يومياً دافعاً إلى اعتبار السذاجة التي أدت إليها جريمة؟
يغضب بعض الأصدقاء عند الحديث عن مدى سذاجتنا، يرون أن في ذلك ممارسة لجلد الذات، هم يرون أن المؤامرة كانت أكبر من الثورة، وأن السذاجة ليست السبب الرئيس في الفشل.
لا أختلف معهم كثيرا في حجم المؤامرة، وإن كنت أواصل التركيز على السذاجة، ليس جلداً للذات وإنما أملاً في عدم تكرارها إن قامت ثورات أخرى، أظن أنها باتت قريبة منا وعلينا الاستعداد لها.
يتركز خلافنا الأساسي دائماً حول طريقة التعامل مع هؤلاء المزروعين داخل تجمعاتنا وحراكنا، سواء هؤلاء الذين يواصلون التفكير بنفس السذاجة المفرطة التي أودت بنا إلى ما نحن فيه، أو أولئك الانتهازيون.
لا نختلف في أن هناك من ينخرون جدارنا مثل السوس، وأن هؤلاء لا رغبة لهم في الثورة ولا التحرر، وإنما بعضهم موجه لتدميرنا أو تثبيطنا، وبعضهم يبحث عن الشهرة أو المال، وغيرها من المكاسب الشخصية.
لكننا نختلف حد الصراع على أسلوب التعاطي مع هؤلاء، فأنا من فريق يؤمن بضرورة عزل هؤلاء قبل فضحهم، بينما آخرون يرون ضرورة استقطابهم وترويضهم للاستفادة منهم قدر المستطاع.
وبينما فريقي يرى خطورة بقاء هؤلاء بيننا، خاصة أن لدينا من المصاعب والمعوقات ما يمنعنا من تضييع الوقت فيما يسببونه من مشكلات وأزمات مفتعلة على الأغلب؛ يرى الآخرون أن معاداتهم لن تكسبنا الزخم الذي نحتاج له لتقوية قضيتنا ودعم معسكرنا، وأن شيئا من الحكمة قد يطوعهم ويجعلهم فاعلين لا معوقين.
تظل إشكالية التعاطي مع الانتهازيين قائمة، وإن اتفقنا دائماً على الحذر منهم.
اقرأ أيضاً: ولكنكم تحبون الكاذبين