احذروا غضب الشباب
حينما كانت كل الدراسات والتحليلات العامة تصل إلى أن الشباب العربي يعيش حالة لامبالاة بالشأن العام، خصوصاً السياسي، ويواجه القضايا العامة بانصراف تام، ذهل العالم أجمع بالثورات الشبابية في البلدان العربية، والفكرة الشبابية المبتكرة في إخراج الثورات باستعمال وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة بهذا الشكل المبدع. السؤال المحير لماذا أخطأت التحليلات في قراءة الواقع الشبابي بهذا الشكل؟ الإجابة بسيطة من منظور جدلية التاريخ، يقع مفكرون ومحللون كثيرون في خطأ، حينما يفسرون انصراف الشعب ولامبالاته، والشباب شريحة حيوية في الشعب، يفسرونها على أنها نوع من الخنوع والتسطيح الفكري، لكنها أقوى مؤشر دال على مقاومة النظم الحاكمة ومعارضتها، وتعتبر فترة أفول ونفاذ رصيد النظام لدى الشعب.
أما ما يدعو إلى الاستغراب والتساؤل، كيف لم تستصحب الأحزاب، بمختلف أطيافها، الشباب العربي مبدع الثورة، ولم يشركوهم في الحكومات المنتخبة، بعدما سقطت الأنظمة الاستبدادية في بلدان الربيع العربي؟ ولماذا تعاملت الأحزاب مع الشباب بانتهازية شديدة؟ بعد أن قام بهذا العمل الجبار، في حين رضخت كل الأحزاب، بشكل أو آخر، لاستبداد الحكام. والغريب والعجيب أن الانقلابيين في مصر، والآن في ليبيا، استغلوا الشباب وقوداً للثورة المضادة. أما في مصر، بعد أن قام الشباب بفكرة إبداعية، لحشد الشارع المصري، سرعان ما ركب الموجة العسكر، ومن معه من المنتفعين، وركلوا الشباب خارجاً، فلا تسمع الآن لهم صوتاً ولا ركزاً. ويبدو واضحاً الاستعلاء في التعامل مع المجهود الشبابي الفذ، وكأن لسان حالهم يقول (امشي يا ولد العب بعيد الموضوع دا أكبر منك).
يبدو واضحاً أن الأحزاب، بل والعسكر، انتهزوا عدم انتظام الشباب العربي في تكتلات، لذلك أخرجوهم من المشهد السياسي صفر اليدين، ولكن إبعاد الشباب فيه قصر نظر كبير، باعتبار أن المستقبل للشباب، وشباب بهذا الإبداع كان يجب أن تتقاتل عليه الأحزاب التقليدية التي أصابتها العلل والتكلس، وهي في ظل الشمولية، فالشباب بالتأكيد سوف يضخ آفاقاً ومعانياً جديدة، تعجز الأحزاب عن رؤيتها، وهي مدثرة بثوب بالٍ، لا يتماشى وهذا العصر الذي انهارت فيه حوائط المعلوماتية، وتفتح فيه الأثير بهذا الشكل اللامحدود.
هناك نقطة مهمة، يتناساها الجميع، وهي منطق الحداثة الذي يفرض نفسه، وبقوة في المنطقة العربية والإفريقية، وكل من يقاوم هذا المد سوف (تدهسه) عجلة التاريخ، عاجلاً أو آجلاً، ولذلك، من يعتقد أنه بالانقلابات، أو بتخويف الشعب من الديمقراطية، ليصادر الحريات، ويقبض على مقاليد السلطة هذه أوهام. وسوف يستفيق على واقع يتحكم فيه منطق التطور التاريخي، لأن ثورة الشعب مفصل مهم نقش في الذاكرة الجماعية للأمة، وأكيد سوف يعيد الشعب الكرة، مرة أخرى، وهنا يتبدى أهمية الشباب في صناعة المستقبل، لأنه سوف يحاول استعادة ثورته المجهضة، وكما يقول المثل (لا بد من صنعاء وإن طال السفر)، ومن حصافة الرأي أن تنسق الأحزاب الديمقراطية الرافضة للانقلاب مع الشباب الذي يحاول استعادة ثورته، تنسيقا استراتيجياً حقيقياً، يشمل ما بعد الثورة، وليس تكتيكياً مرحلياً، لأنه في حال تخلت الأحزاب، مرة أخرى، عن الشباب ليس مستبعداً، أن يغضب و يثور على الجميع، وهو أساسا يعتبرهم (موضة قديمة)، ولا نقول هذا افتراضاً، أو تخيلاً، ولكن هذا من عبر التاريخ ودروسه. حدث هذا إبان الثورة الفرنسية، حينما صارت مثل القطة التي تأكل صغارها، فشق نابليون طريقاً ثلاثاً، ومعه الشباب الذي مل من الفريقين المتقاتلين، ودانت له فرنسا، والتي جعل منها إمبراطورية. هناك مثال حديث، وهي حركة طالبان، وهم طلبة المدارس الإسلامية في باكستان التي يئست من أمراء الحرب في أفغانستان، فشقت الطريق الثالث في محاربة الكل، بدعم من دول إسلامية، ولكن، في النهاية، هزمت بارونات الحرب في أفغانستان، واستلمت الحكم، ليفرض السؤال نفسه هل يتكرر هذا المشهد الآن في بلدان الربيع العربي التي سرقت، واغتصبت ثوراتها؟... الإجابة، نعم، خصوصاً في البلدان التي تحول الصراع فيها إلى صراع مسلح. إذا طال القتال أصيب الشعب وشبابه باليأس.
وفي حالة مصر، والتي يعجب المراقب كيف سقطت في براثن الانقلاب، على الرغم أن المجتمع المدني فيها قوي، لا يقل عن تونس، لأن إحدى أهم ركائز الديمقراطية مجتمع مدني قوي، يتحمل عبء التحول الديمقراطي، حتى يتسلل كثقافة عامة في المجتمع، قلنا في مصر الحالة تختلف بعض الشيء، لأنها أكيد سوف تفيق سريعاً من الوهم الإعلامي المضلل، وتعي أنها استبدلت الذي هو أدنى (الانقلاب) بالذي هو خير (الديمقراطية). ...ولكن، على الأحزاب القيام بمراجعات، وعملية نقد ذاتي شفاف، حتى تسد الذرائع لأي ثورة مضادة، والأهم أن تستصحب الشباب صناع الثورة، بحيث يكون له دور مستقبلي وألا ترميه مثل شيء بالٍ استنفذ أغراضه، ففي هذه الحالة، احذروا غضبة الشباب الذي من السهل عليه أن يشق طريقاً ثالثاً.