ارحمي قلباً ذابَ في هواكِ
الصداقة عنصر أساسي في الحياة، وكما هو متعارف فلا أحد يستطيع العيش من دون أصدقاء، فإن هؤلاء هم المحفز لك لتخطي العثرات، وهم المحفز الداعم على الإصرار والتقدم، هكذا علمنا معلمنا، يوما ما حدثني صاحبنا أن قلبه تعلق بفتاة وأحبها حبا حتى الثمالة، ولم يظهر الحب لها، فما زال يكتمه، حتى فاض قلبه وعيناه، فلم يستطع التحمل والكتمان أكثر من ذلك، كان يحدثني، وقلبه ينعصر ألما وشوقا. وكنت أقول في نفسي: هنيئا لمن باتت في قلبه، وبعدما أنهى حديثه، أراد نصا يكون رسالة تحتوي على ضمانة وتعهد في الحب، فعملت جاهدا لأسعد قلبه وأروي ظمأه بكتابة نص كما أراد، فكان محتوى النص:
أيّ عزيزتي، سأبدأ حديثي بقول الشاعر:
"أخفيتُ حبَّكمُ فأخفاني أسىً حتى — لعَمري، كِدتُ عني أختَفي
وكَتَمْتُهُ عَنّي، فلو أبدَيْتُهُ — لَوَجَدْتُهُ أخفى منَ اللُّطْفِ الخَفي" فيا عزيزتي، إنّي أحبكِ حُبًّا وأكتمه ولو تحوّلَ هذا الحبّ إلى ظلٍ لأظلكِ، وبنيت لكِ بين هذه الضلوعِ التي تحيط جسدي منزلًا ليكون هناكَ موطنكِ، إنّ حُبكِ في قلبي أصبحَ مُدنًا يَهدّ آخرها بالشوقِ أولها فإنّي أشتاقكِ، فأنتِ أحسنتِ صيد قلبي بعينيكِ اللتين كلما كنت واقفا أمام جمالهما شعرت بأن قلبي يريد الخروج من جدران صدري من شدة التوتر والارتباك، فلستُ أنا يا قمري تحتَ تأثيرِ مُخدّرٍ، ولا في حالة تيّهٍ من أمري، فأنا أعي ما أقول، فكلما أنظر إلى وجهكِ تتعطر أوقاتي، وتتزينُ أيامي، أتعلمين أنني كلما أنظر لعينيكِ أشعر بالموت، ولكن، سرعان ما يختفي ذلك الشعور؛ لأن عينيكِ أعتبرهما جنتي، وفي الجنة هناك الخلود، فلا خوف إذن، إن عينيكِ وطنٌ وأحب أن أكون من ساكنيه الدائمين ومن الذين لا يبدلون أوطانهم أبدا، أي عزيزتي، كلما رأيتك أظنك أنتِ الشمس والقمر؛ فأنت الشمس في التأثير، وأنت القمر في التصوير، فتلك نورها من وجهكِ وذلك ضوؤه من مبسمك، والذي هو أبهى من العقد الفريد، وكلما مرّ بيت الشعر هذا من أمامي تذكرتك، يقول الشاعر: "جمعتْ لبهجتك المحاسنُ كلُّها — والحسنُ في كلّ الأنامِ مقسمُ" أتعلمين أي عزيزتي، عندما أراكِ أشعر بأنك تروين ظمئي كمسلم، ثم أسمع صوتك الذي صحته كحديث البخاري، فأتعجب من منطقك الذي يفوق السّيرة الذاتية، فيزداد تعلقي بك.
يا عزيزتي، إنّ الزهدَ ليس مربوطًا بالزهدِ عنِ الدُّنيا فقط، كما كان إسماعيل بن قاسم الملقب بأبي العتاهية يفعل، فهناكَ نوعٌ من الزهدِ مُقتضى معناه أن تَزهدَ عن جميع نساء الدنيا من أجلِ فتاةٍ واحدة تفني حياتك في إسعادها، أي حبيبتي، إني أعدك بأن أرتبط بك كارتباط المثل السائر بابن الأثير، فسأكون المثل وأنتِ أثيرها، وكارتباط الألفية بابن عقيل، فأنا الألفية وأنتِ عقيلها، أعدك بأن أهتم بك كما اهتم الجاحظ بكتبه، أي عزيزتي، في الحي الذي نقيم فيه كان هناك خمس عشرة فتاة، ومنهن كما حدثني أحدهم: خمسة أطول منكِ وثلاثة أقصر منكِ وست كنّ في نفس طولك، وواحدة يقال إنها تفوقت في حسنها على البقية، لكن قلبي كان يراهن رجالا، فلا أحد منهنّ تستحق أن يقال لها فتاة غيرك، فقلبي لا يبصر إلا فتاة واحدة وهي أنت، يا عزيزتي، ربما لم أعبر عن مشاعري كما كان يخيل في نفسي أن أعبر عنها، ومن ثم تأكدي أنني ما زلت أضمر حبك في قلبي، والذي يكنّه هذا القلب من حب لك هو أعظم مما قيل أو كتب، وتأكدي يقينا لا يحتويه شك أن هذا الحب حتما سيفيض يوما ما، أو كما قال الشاعر: "قد فاض حبكِ في الأضلاع وامتلأت مني الجوانحُ من لقياكِ آمالا"
وبعد فترة قصيرة، قال صاحبنا: كنت دائما ما أنظر إلى الوراء وكان التيه يسيطر على أركان نفسي، فيزداد كمدي ويتضاعف ألم قلبي، أما الآن، فإن الأيام تصبح جميلة عندما تشرق الشمس بعد ظلام دامس، فلن أنسى تاريخا أسعدت قلبي أحداثه، ولن أنسى من أدخل كل هذه السعادة على قلبي وذلك التاريخ.