كشفت الدائرة الاستخباراتية الموالية للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، النقاب عن مولودها الحزبي الجديد "مستقبل مصر"، والذي انبثق من حزب "مستقبل وطن"، بعد دعوة السيسي الأحزاب إلى الاندماج في مؤتمر الشباب الأخير، والتي سبقها حديث رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، عن أهمية تدشين حزبين للغالبية والمعارضة للعب دور الظهير السياسي للدولة (النظام).
وأدى جهاز الاستخبارات الحربية دوراً كبيراً في تشكيل حزب "مستقبل وطن"، تجاوز مرحلة دعمه أو توجيهه، إلى إنشائه، وتمويله، وتوفير مقار له في المحافظات، منذ تأسيسه في أعقاب انتخابات الولاية الأولى للسيسي عام 2014، والذي كان في الأصل جبهة تحمل الاسم نفسه، أسستها الاستخبارات ككيان شبابي لدعم الأخير في انتخابات ولايته الأولى، بحسب شهادة مسؤول الشباب السابق بحملة السيسي، حازم عبد العظيم.
وبدأت الدائرة الاستخباراتية للسيسي في بلورة رؤيته بشأن "تدجين" الأحزاب، وإدخالها في طوع مؤسسة الرئاسة، وهو ما ظهر جلياً مع حزب "الوفد"، أحد أقدم الأحزاب الليبرالية في البلاد، الذي أعلن رئيسه بهاء الدين أبو شقة، عن أهمية تشكيل كيان للمعارضة "الوطنية" التي تبغي مصلحة الوطن، بعدما عين المتحدث السابق باسم الجيش، العميد محمد سمير، في منصب مساعد رئيس الحزب لشؤون الشباب.
وانضم قرابة المائة برلماني سواء من ائتلاف الغالبية (دعم مصر)، أو من حزب الأكثرية (المصريين الأحرار)، إلى حزب "مستقبل وطن" في صورته الجديدة، على رأسهم رئيس الهيئة البرلمانية السابق للمصريين الأحرار، علاء عابد، ونائب رئيس ائتلاف الغالبية، كريم درويش، ورئيس لجنة التضامن الاجتماعي، وصاحب قانون "الجمعيات الأهلية" المرفوض دولياً، عبد الهادي القصبي، علاوة على نائب رئيس حزب "الوفد" المستقيل أخيراً، حسام الخولي.
وبحسب مصدر نيابي بارز في ائتلاف "دعم مصر"، فإن انسحاب العشرات من أعضاء الائتلاف وانضمامهم إلى الكيان الجديد جاء بمباركة رئيس الائتلاف، محمد زكي السويدي، في ضوء التعليمات الاستخباراتية التي يتلقاها هو وغيره من قيادات البرلمان، بغرض تشكيل كيان حزبي "قوي" من داخل النظام، لحين الفصل في الإشكالية القانونية المتعلقة بتحول الائتلاف إلى حزب حاكم.
وتبحث اللجنة القانونية داخل الائتلاف، برئاسة النائب حسن بسيوني، إمكانية تعديل المادة السادسة من قانون مجلس النواب، لارتباطها بتحديد مصير الحزبيين والمستقلين تحت مظلة "دعم مصر"، كونها تشترط لاستمرار العضوية النيابية "احتفاظ النائب بالصفة التي انتخب على أساسها، والتصويت على إسقاط عضويته بغالبية الثلثين، في حال تغيير انتمائه الحزبي، أو التحول إلى مستقل، أو صار المستقل حزبياً".
ويُتطلب لإتمام إجراء إسقاط العضوية تقديم طلب من الحزب، الذي انتخب على أساس انتماء النائب له لمقعده البرلماني، واشتراط موافقة ثلثي عدد أعضاء البرلمان، وهو الأمر الذي يصعب تحققه بعد انضمام هذا العدد الكبير من النواب إلى الهيئة البرلمانية للحزب، التي كانت تضم في السابق 50 نائباً، وهو ما يعني اقترابه من نسبة "الثلث المعطل"، مع الأخذ في الاعتبار حالة "التوأمة" بين الحزب وائتلاف الغالبية.
وكان رئيس حزب "مستقبل وطن"، النائب أشرف رشاد، قد أعلن مساء أمس الأربعاء، اندماج حملة "معاك من أجل مصر" مع حزبه في كيان سياسي موحد، في حفل إفطار بأحد الفنادق الفاخرة في منطقة التجمع الخامس، شرق القاهرة، مصرحاً بأن "الأحزاب المنغلقة على مؤسسيها واهية المستقبل، وعليها فتح الأبواب أمام الجميع، وعدم العودة إلى الوراء، أو الوقوف على أسماء أو أشخاص، بل السير وفق منهجية وطنية تُعلي قيم الانتماء".
وتأسست حملة "معاك من أجل مصر" لدعم السيسي في الانتخابات الرئاسية المنقضية، تحت إشراف رجل الحزب الوطني "المنحل"، محمد هيبة، الذي يشغل منصب الأمين العام للحملة، بعد أن كان أميناً للشباب في حزب الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وأحد الناجين من المسؤولية الجنائية عن موقعة "الجمل"، بوصفه متورطاً في حشد "البلطجية" للاعتداء على المتظاهرين السلميين إبان ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
وعن هذا الاندماج، قال رشاد إن "مستقبل وطن" بات كياناً قوياً لخدمة الدولة المصرية، انطلاقاً من المسؤولية الوطنية للأحزاب، وأملاً في سيادة قيم الوحدة، والائتلاف بين الكل، لمصلحة مصر وشعبها، مشيراً إلى أن حزب "مستقبل مصر" الجديد سيتفهم تحولات المرحلة الراهنة، واحتياج الوطن لكل سواعد أبنائه، والسعي لتنفيذ ما تحدث عنه رئيس الجمهورية من ضرورة الاندماج، وتقوية الحياة الحزبية.
وأضاف رشاد أن "الحزب أبوابه مفتوحة أمام جميع القوى السياسية الراغبة في الانضمام إليه، في إطار الدور الوطني، والمهمة القومية للأحزاب، والحركات الوطنية، بشأن الانفتاح على قضايا الوطن، والعمل بإخلاص من أجل بلدها"، معتبراً أن الدور الوطني يحتم على الأحزاب، وأصحاب القيم الوطنية، فتح أبوابهم لكل أبناء الوطن، بحسب تعبيره.
بدوره، قال المنسق العام للحملة، محمد منظور، إن الاندماج يستهدف تحقيق المصلحة الوطنية العامة، وتوسيع القاعدة الشعبية للحزب في الشارع المصري، من أجل تشكيل غالبية برلمانية في مجلس النواب المقبل، والمساهمة في تشكيل جزء من الحكومة، في ظل عدم وجود قاعدة جماهيرية لأغلب الأحزاب القائمة، وفقدانها التأثير الفعال عند ممارسة العمل السياسي.
وأعاد حزب "مستقبل وطن" تشكيل أمانته المركزية، عقب اندماجه بالحملة الداعمة للسيسي، بحيث تضمن التشكيل أشرف رشاد كرئيس للحزب، مع وجود 4 نواب له، هم: منسق الحملة، محمد منظور، وأعضاء البرلمان أشرف عثمان، وعلاء عابد، وعبد الهادي القصبي، فضلاً عن اختيار النائب كريم درويش في منصب الأمين العام المساعد للشؤون الخارجية، إلى جانب محمد الجارحي الأمين العام المساعد لشؤون اللجان المتخصصة.
وتولى أمانة التنظيم المحامي عصام هلال، وأمانة العضوية شريف الجابري، وأمانة التقييم والمتابعة محمد عبد السلام، وأمانة الشؤون البرلمانية سيد نور، وأمانة شؤون المجالس المحلية النائب فخري طايل، وأمانة الشباب أحمد صبري، وأمانة العمل الجماهيري محمد عمار، وأمانة المواطنة آبرام عبد المسيح، وأمانة الإعلام الإعلامية دينا عبد الكريم، وأمانة المهنيين النائب محمود سعد.
كما تولى أمانة السياسات والتخطيط الاستراتيجي النائب عبد الحميد الدمرداش، وأمانة ذوي الإعاقة النائب أشرف مرعي، وأمانة العلاقات الخارجية النائب طارق الخولي، وأمانة المرأة النائب رشا رمضان، وأمانة الفلاحين وجيه عيساوي، وأمانة العمال سيد نصر، وأمانة قطاع الأعمال محمود الشامي، وأمانة المصريين بالخارج النائب شريف فخري، في حين ضمت الأمانة العامة للحزب النواب "أحمد فؤاد أباظة، ومحمد كمال مرعي، وعماد سعد حمودة، شادية خضير، ومحمد سليم، وسحر صدقي".
في موازاة ذلك، نفى حزب "الحركة الوطنية المصرية"، الذي يترأسه رئيس الوزراء الأسبق، الفريق أحمد شفيق، اندماجه بحزب "مستقبل وطن"، مؤكدا أن ما نُشر من تصريحات في هذا الصدد "عارٍ تماماً عن الصحة"، وأنه يرفض الاندماج شكلاً وموضوعاً، وسبق وأعلن مراراً موقفه من فكرة "الانصهار" و"الذوبان" في كيانات أخرى، لا تتطابق مع توجهات الحزب السياسية المستقبلية، سواء على المدى القريب أو البعيد.
وتستهدف دائرة السيسي الاستخباراتية من تكوين الحزب بناء ظهير شعبي في المحافظات، وتولي مسؤولية الحشد والتربيط في الانتخابات المقبلة، سواء المحلية أو النيابية أو الرئاسية، فضلاً عن محاولة تحسين صورة السيسي، بعد انهيار شعبيته لدى المواطنين على وقع قرارات رفع الأسعار المتوالية، منذ حصول مصر على الشريحة الأولى لقرض "صندوق النقد الدولي" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016.