تقدّم الأكراد خطوة أخرى في تنظيم الاستفتاء المتعلق بـ"تقرير مصير إقليم كردستان"، الذي يُتوقع أن يصبّ في مصلحة مؤيدي الانفصال عن بغداد، وأصدر برلمان الإقليم، في هذا الصدد، قانوناً يمهّد لتأسيس "مفوضية الانتخابات والاستفتاء" المكلفة بتنظيم الاستفتاء.
وأقرّ نواب البرلمان الكردي بعد مناقشات خلال الأسبوع الماضي، بأغلبية الاصوات، مشروع قانون تأسيس "هيئة الانتخابات للإقليم".
ويشترط القانون الانتهاء من تأسيسها في غضون 90 يوماً، ومن شأنه تسهيل عملية تنظيم استفتاء عام في الاقليم حول الاستقلال، وضمّ المناطق محل النزاع مع بغداد مثل كركوك الغنية بالنفط. وبعد اصدار البرلمان للقانون المذكور، ستقوم الحكومة بتشكيل المفوضية وتسمية هيكلها، ثم يجري تحديد موعد الاستفتاء، وهو سيكون مقسماً على موضوعين؛ استفتاء حول انضمام المناطق المتنازع عليها، مثل كركوك، الى كردستان، وسؤال ثان للسكان عما إذا كانوا يؤيدون استقلال كردستان أم بقاءه ضمن العراق.
وقالت رئيس اللجنة القانونية في البرلمان، فالا فريد، إن "مشروع تأسيس مفوضية الانتخابات في كردستان، حصل على أصوات غالبية أعضاء البرلمان، وهو يتألف من 22 مادة، واستغرق اقراره يومين".
وأشارت فريد، إلى أن "الإسراع بوضع قانون تأسيس مفوضية الانتخابات، جاء بتوصية من رئيس الإقليم، مسعود بارزاني، عندما زار البرلمان خلال الشهر الماضي".
ويريد الأكراد "قوننة" عملية ضمّ المناطق المتنازع عليها بينهم وبين بغداد، والتي قامت بها قوات "البيشمركة"، بعد انهيار الجيش العراقي في الشمال، عندما يوافق سكان تلك المناطق على الانضمام الى الإقليم".
وينصّ قانون "المفوضية" على "اشراك ممثلي الأقليات، مثل التركمان والمسيحيين في مجلس مفوضيها".
ولولا القانون الجديد، وتأسيس المفوضية، لكان على الأكراد اقناع "المفوضية العراقية للانتخابات"، والتي تخضع لسلطات الحكومة العراقية، بتنظيم الاستفتاء، وهذا من الصعب حصوله.
لكن بتأسيس مفوضيتهم الخاصة، سيتعيّن عليهم، فقط، اقناع جهات دولية بمراقبة عملية الاستفتاء لضمان الشفافية.
وبحسب مصادر كردية مطلعة، من المقرر اجراء عمليتي الاستفتاء العام حول ضم كركوك، واستقلال إقليم كردستان خلال العام الجاري، وعلى مرحلتين؛ إجراء استفتاء على انضمام المناطق المتنازع عليها، مثل كركوك، إلى كردستان، واستفتاء ثانٍ في التوقيت نفسه على استقلال كردستان والانفصال عن العراق.
وسبقت الخطوة القانونية للبرلمان الكردي، تحركات لحكومة الاقليم على دول العالم، والأوساط المؤثرة في أوروبا، بهدف عرض رغبة الاستقلال الكردية واقناعها بتأييد الفكرة.
معارضون للاستقلال الكردي
لم يحصل الأكراد، حتى الآن، على موقف مؤيد لاستقلال كردستان العراق، سوى من اسرائيل، والتي رحب رئيسها السابق، شمعون بيريز، ورئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، بالفكرة، أما معارضو المشروع، فجبهة واسعة من الدول، تتقدمهم إيران، الحكومة العراقية، جامعة الدول العربية، ومصر، وقد أعلنت مواقفها رسمياً برفض استقلال كردستان.
وسبق لمساعد وزير الخارجية الايراني، حسين أمير عبد اللهيان، أن "حذّر مباشرة من خطوة الاستقلال". فيما كتبت صحيفة "جمهوري اسلامي" الإيرانية في افتتاحيتها، لعدد يوم الاثنين 21 يوليو/ تموز الماضي، بعنوان "اللعب بالنار على أرض العقلاء"، أثنت فيه الصحيفة على مواقف الرئيس العراقي، جلال الطالباني، وذكرت أنه "يرى أن الانفصال عن العراق يعني خنقاً للأكراد"، بالرغم من استدراكها أنه "ظلّ يرفع، وكرئيس حزب، شعار حق تقرير المصير للأكراد".
وبدأت طهران خطوات جادّة على أكثر من جبهة، للوقوف بوجه المشروع الكردي، فقد نفّذ جيشها مناورة عسكرية كبيرة على الحدود مع كردستان، وأرسلت وفوداً عدة للقاء القادة الأكراد، وآخرهم كان مساعد مستشار الأمن القومي، أمير مقدم، ووجهت لهم دعوات إلى زيارة إيران، وذلك لثنيهم عن مشروع الاستقلال.
وسعى الايرانيون، عن طريق حليفهم رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، الى تطبيق اجراءات عقابية صارمة ضد كردستان، فقد منع ارسال ميزانية الإقليم ورواتب موظفي الدولة الأكراد منذ مطلع العام الجاري. كما أوقف شحنة الأدوية المخصصة للإقليم، ومنع رحلات الشحن الجوي، التي كانت تأتي الى مطارات الإقليم من قطر، الامارات، وتركيا. كما تواجه ايران بكل قوة فكرة "تمكن الإقليم من تصدير نفطه بشكل مستقلّ".
ويُعدّ الانقسام في البيت الداخلي الكردي، الذي يبقى لإيران الدور الأكبر فيه، التحدّي الأكبر أمام مسألة الاستقلال. فالخريطة السياسية تتوزّع على ثلاث قوى سياسية أساسية في الإقليم: حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" بقيادة طالباني، الحليف القوي لإيران، الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، الذي يقوده مسعود بارزاني، والذي يقود جهود الاستقلال، وحركة "التغيير"، التي انشقّت في الأساس عن حزب طالباني، وتقف في الوسط بين الاستقلال وضده.
وكلما دفع بارزاني وحزبه نحو الاستقلال خطوة الى الأمام، حاولت إيران بواسطة المالكي، وحليفها الكردي (حزب الطالباني)، عرقلة المشروع وإعادته خطوة الى الوراء.
لكن، وفي حال لم يتمكن الأكراد من نيل الاستقلال الكامل، فربما يلجأون الى مساومة المعارضين، على تحقيق المزيد من المكاسب وزيادة لصلاحياتهم الحالية، كأن تجري المساومة على التراجع عن الاستقلال، في مقابل ضم كركوك لإقليمهم، وتصدير النفط بشكل مستقلّ عن بغداد.
ويسمح الدستور العراقي بأن يكون لإقليم كردستان مفوضية انتخابات خاصة به، لكن بسبب الخلافات في الدورة البرلمانية السابقة، وتجاذب السلطة والمعارضة في الإقليم، لم يُصادق البرلمان على قانون استحداث مفوضية انتخابات خاصة بالإقليم. زال المانع الآن، لا بل إن رئاسة البرلمان باتت في عهدة معارض سابق، لذلك تمّ اصدار القانون الخاص باستحداث تلك المفوضية.
وقال مستشار البرلمان الكردي، ريبين رسول، لــ"العربي الجديد"، إن "بارزاني، سرّع من اجراءات اصدار قانون تأسيس هيئة الانتخابات والاستفتاء، وبسبب الظروف الراهنة يجري ربط اصدار القانون وهو اجراء قانون واداري بموضوع الاستقلال".
وأضاف أن "على الإقليم أن يتخذ خطوات على مختلف الأصعدة، في مسألة الاستقلال، منها خطوات في المجالات القانونية، السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، والدبلوماسية".
واعتبر أن "الأكراد اكتشفوا بعد تعامل الحكومة العراقية الحالية، أنهم غير قادرين على العيش ضمن الدولة العراقية وتحت حكم الآخرين، وهم لا يريدون العودة الى بغداد في كل شيء، ومنها عند اجراء انتخابات محلية أو استفتاء، لذلك من المهم لهم تأسيس مفوضية انتخابات خاصة بهم".
واختتم أن "المضي في الاجراءات التمهيدية لاستقلال كردستان يلقى الدعم الجماهيري، ومن المهم انجاز كل شيء سواء تم الاعلان عن الاستقلال اليوم أو بعد سنتين، وعندها تكون مقوّمات الاستقلال قد نضجت أكثر".
ورأى أنه "وبعد سيطرة المسلحين على مناطق عديدة في شمال العراق، وارتفاع صوت السُنّة المطالب بإقليم فيدرالي، فإن العراق يتجه إما ليتحول الى تطبيق النظام الفيدرالي بشكل حقيقي، وتأسيس أكثر من منطقة فيدرالية، أو من المحتمل ان يتجه الى نظام الكونفدراليات، وأياً كانت النتيجة، فالأكراد سيستفيدون".