أشتاق إلى الحبر: ماء الكتابة الأول. منذ البداية فضّلته على سواه. رأيت فيه براءة النبع التي تتناغم مع براءة الشعر ذاته في ذلك الوقت. نعم: الحبر ما يجعلني أقل إحساساً بهشاشة الكتابة. ومع أن القلم الرصاص أو الجاف، أو لوحة المفاتيح مؤخراً، ليست سوى أدوات، إلا إن أداة عن أداة تفرق.
أشتاق إلى الحبر، لأنني هجرته منذ سنوات طويلة، ولحقت مثل غيري بالتكنولوجيا. أكتب عبرها جميع ما أكتب، بما فيه الشعر. الأمر الذي استهجنه بعضٌ من أصحابي الشعراء الإسبان الشباب. فمعظمهم يكتب الشعر إلى اللحظة على ورق، ثم ينقله للشاشة. أما كتابته مباشرة رقمياً، فالشاشة تخون، والشاشة تغري بالخفّة المتولّدة عن السهولة.
مع ذلك ما زلت مواظباً على كتابة الشعر بلوحة المفاتيح، إلا في حالات نادرة، حين أكون في مشوار خارجي، نزهة، مشي بلا غاية وكيفما يتفق. فقط عندئذ أكتب في دفتر مفكرة، ثم أنسخه على الشاشة.
أشتاق إلى الحبر. وهو محض اشتياق نوستالجي عابر، بدليل أنني لا أقوم من أمام الشاشة، لأشتري دواة حبر من السوق، أو أفكّر جدياً بالعودة إلى الورق.
انتصرت التكنولوجيا، وانكفأت في خسارتي الرقمية.
هذا هو الحال!