اعتداء لفظيّ. ربّما يعترض بعضنا على المصطلح، مشيراً إلى مبالغة في توصيف ذلك السلوك الذي يستهدفنا، ويميل أكثر إلى "إساءة لفظيّة". بماذا تختلف الإساءة عن الاعتداء؟ قد يجيب أحدهم: "الاعتداء" يعني تهجّماً عنيفاً وظالماً يطاول الشخص المعتدى عليه. وماذا عن الإساءة؟ يتريّث قليلاً، لا بل يتردّد قبل أن يقول: ذلك الفعل أخفّ وطأة من الاعتداء. لكنّ الإساءة كذلك عنيفة! ألا تنطوي على ظلم وإذلال وانتقاص من قيمة الشخص المُساء إليه؟!
اعتداء لفظيّ. إساءة لفظيّة. عنف لفظيّ. ثلاثة مصطلحات لسلوك واحد يرتكبه معتدٍ بحقّ معتدى عليه. وذلك لا يعني فعلاً محدّداً يعمد فيه الفاعل إلى الصراخ على المفعول به. ذلك "السلوك المشين" قد تختلف أشكاله، أمّا نتيجته فمسّ بكرامة الضحيّة وزعزعة ثقتها بنفسها. ويصنّف بعض هؤلاء الذين يحاولون الغوص في النفس البشريّة ذلك السلوك بأنّه أشدّ أنواع العنف سوءاً. وتشير دراسات في السياق إلى أنّ ذلك الاعتداء يتسبّب في إصابة ضحاياه بالقلق، وهو أمر لا يثيره أحد. وفي حين لا يأتي ضحايا الاعتداء اللفظيّ بأيّ ردّ فعل في غالب الأحيان، على الرغم من استهداف كرامتهم، ينشغل المعنيّون الناشطون في الشأن العام بقضايا يعدّونها "أكثر أهميّة"، لا سيّما العنف الجسديّ وغيره.
القلق. هو حالة نفسيّة أكبر من مجرّد مفردة تُستخدَم كيفما اتّفق، وتتكرّر في أحيان كثيرة إلى جانب "مخاوف". هو، بالإضافة إلى كونه انفعالاً من انفعالات الإنسان الكثيرة، قد يتفاقم ليصير اضطراباً يستدعي علاجاً متكاملاً، نفسيّاً ودوائيّاً. والأشخاص الذين يتعرّضون إلى اعتداء لفظيّ دائم، مهدّدون بذلك الاضطراب. أمر يؤكّده هؤلاء الذين يحاولون الغوص بالنفس البشريّة. وتوضح الكاتبة الأميركيّة والخبيرة في مجال الوقاية من الاعتداءات والتنمّر، شيري غوردون، أنّ "الاعتداء اللفظيّ ليس واضحاً مثلما هي أشكال الاعتداء الأخرى، من قبيل الاعتداء الجسديّ والاعتداء الجنسيّ. هو يصعب تحديده، غير أنّ ذلك لا يعني أنّه أقلّ واقعيّة من سواه". وتؤكّد غوردون أنّ ذلك الاعتداء "يدفع الضحايا إلى التساؤل عن أنفسهم. في الواقع، ليس غريباً أن يشعر ضحايا الاعتداء اللفظيّ بأنّهم ليسوا أهلاً بالثقة وحمقى وعديمي قيمة. في النهاية، المعتدي لفظياً عليهم هو الذي يحدّد تعريفهم".
وتختلف هويّات مرتكبي الاعتداء اللفظيّ. لعلّ الأبرز من بينهم الآباء والأمّهات والأزواج والزوجات والمديرون وأرباب العمل، وبمستوى أقلّ المدرّسون والأساتذة ومدرّبو الرياضة ومعلّمو الموسيقى... وثمّة آخرون بالتأكيد. هؤلاء جميعاً يتسبّبون في أذيّة كبرى، لا تطبع الصغار فحسب - مثلما يظنّ بعضنا - إنّما كذلك البالغين. الأثر هو نفسه، لا يقتصر على القلق فحسب. وللحديث تتمّة.