حولت مدينة البصرة، جنوبي العراق، إلى ساحةٍ لاستهداف الناشطين في الحراك المدني والفاعلين في التظاهرات والاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح. فخلال أسبوع واحد، تعرّض 4 ناشطين للاغتيال، هم أسامة الشحماني وفلاح الحساني وريهام يعقوب، وناشطة رابعة لم يعلن عن اسمها بعد، بينما لا يزال كلّ من عباس صبحي وفهد الزيدي ولوديا ريمون في المستشفيات، بعدما تعرضوا لإصابات بالغة جرّاء محاولات اغتيال استهدفتهم أيضاً.
وبينما تتوجّه أصابع الاتهام بالوقوف وراء هذه العمليات إلى مليشيات موالية لإيران، من المنتظر أن تبدأ قوات الأمن العراقية خلال الساعات القليلة المقبلة، تطبيق خطّة أمنية جديدة في المدينة، ترتكز على تقسيمها إلى أقسام عدة، لتنتشر فيها المزيد من قوات الأمن ووحدات الاستخبارات، بهدف مواجهة عمليات الاغتيال المتصاعدة. وتأتي الخطة الجديدة، بعد ساعات من زيارة وزير الداخلية عثمان الغانمي إلى محافظة البصرة، حيث عقد اجتماعات عدة مع قائد الشرطة الجديد عباس ناجي، ومسؤولين أمنيين، لبحث سبل مواجهة عمليات الاغتيال.
وتحدث مسؤولان في ديوان محافظة البصرة، لـ"العربي الجديد"، هاتفياً، عن معلومات لدى قوات الشرطة تؤكد وجود قائمة بأسماء ناشطين في الحراك المدني مهددين بالتصفية، ويشتركون جميعهم في كونهم ناشطين "علمانيين" (لا تحركهم أفكار دينية)، أو من الداعين للدولة المدنية. وأضاف مصدر أن القائمة تضم أكثر من 20 ناشطاً، قُتل منهم 4 لغاية الآن، بينهم أسامة الشحماني وريهام يعقوب، موضحاً أن المسلحين الذين يقفون وراء الاغتيالات ينتمون لمليشيا مسلحة نافذة في بغداد والبصرة ومدن جنوبية عدة، ويمكن القول إنها ذاتها المسؤولة عن مقتل ناشطين ومدونين في بغداد ومدن أخرى خلال الفترة الماضية. وبحسب المصدر، فقد تكون هذه المليشيا تعمل تمهيداً لمواجهة التظاهرات المرتقبة التي دعا إليها الناشطون في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل (الذكرى السنوية الأولى للحراك).
وأكد المسؤول أن جهاز الأمن الوطني ومديرية الاستخبارات العسكرية يشاركان في الخطة الجديدة، ضمن جهد استخباري ودعم مفتوح بهدف السيطرة على أمن البصرة، ملمحاً إلى أن التصعيد الحالي مرتبط أيضاً بطرد المليشيات من موانئ البصرة ومنافذها الحدودية، بشكل أفقدها مورداً مالياً مهماً منذ سيطرة الجيش العراقي عليها، الشهر الماضي، معرباً عن اعتقاده بأن ذلك "قد يكون رد فعل منهم".
وجود قائمة تضم أسماء من النشطاء، مهددين بالتصفية، قتل منهم أربعة حتى الآن
وترتفع في الشارع العراقي، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، الاتهامات للمليشيات المرتبطة بإيران، والمعروفة بـ"الولائية"، بالوقوف وراء عمليات الاغتيال. هذه المليشيات هي مجموعة من الفصائل المسلحة المعروفة في البلاد، والتي لديها مقرات، وتُعامل معاملة الأجهزة النظامية مثل الجيش والشرطة، على اعتبار أنها منضوية في إطار "هيئة الحشد الشعبي"، التي بات لها قانون وتعمل على ضوئه. وسبق أن اتُهمت هذه المليشيات بعمليات تصفية المحتجين في ساحة التحرير ببغداد وميادين الاحتجاج في مدن وسط وجنوب البلاد، كما أنها متهمة باغتيال عدد من الناشطين والصحافيين، منهم الصحافي من البصرة أحمد عبد الصمد، والخبير الأمني هشام الهاشمي.
وأقر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، بدر الزيادي، بأن البصرة تشهد انفلاتاً أمنياً واضحاً، مع تنفيذ جماعات عمليات اغتيال بدمٍ بارد تستهدف المحتجين والناشطين في وضح النهار، وفي الشوارع وأمام المواطنين. واعتبر أن هذه الجماعات غير المعروفة إلى حد الآن، والتي لا تخشى حتى كاميرات المراقبة، تتحدى النظام الأمني والدولة بشكلٍ سافر. وأضاف الزيادي، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "زيارة وزير الداخلية عثمان الغانمي برفقة عددٍ من قادة الملف الأمني في البلاد، تضمنت العمل على بلوغ خطة أمنية جديدة، غير الخطة التي كان معمولاً بها من قبل قائد شرطة البصرة المقال رشيد فليح".
وفي بيان لها، أحصت مفوضية حقوق الإنسان العراقية عمليات الاغتيال التي جرت في عموم العراق خلال الشهر الحالي، مبينة أنها "بلغت 9 حالات في محافظات البصرة وذي قار وميسان"، ومعتبرة ذلك "انتهاكاً صارخاً لحق الحياة والأمن والأمان للمواطن". ووجهت المفوضية طلباً لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بالحفاظ على حياة الناشطين والمتظاهرين، منتقدة تقاعس "الأجهزة الأمنية عن ممارسة دورها الدستوري في حماية المواطنين".
وكانت المفوضية قد حذّرت في وقت سابق من عودة ظاهرة اغتيال الناشطين المدنيين في البلاد. وأكدت المفوضية في بيان، على تحذيراتها السابقة من عودة ظاهرة اغتيال الناشطين، والتي تشير "إلى ضعف في الأجهزة الاستخبارية ونقص في المعلومة الأمنية، بعد تسجيل اغتيال الناشط المدني تحسين أسامة في محافظة البصرة". ورأى البيان أن "عدم الكشف عن الكثير من الاغتيالات السابقة، ومنها جريمة اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي، شجّع عصابات تكميم الأفواه وحرية الرأي لاستئناف جرائمهم"، مُحمّلاً الحكومة والأجهزة الأمنية "مسؤولية الالتزام بضمان أمن المواطنين بشكل عام والناشطين المدنيين على وجه الخصوص".
غالبية المتورطين ينتمون إلى جهات تعمل مع الدولة أو لصالحها، والتي تمثل قوة أقوى من الدولة
من جهته، أشار عضو تنسيقية تظاهرات البصرة، علي الوائلي، إلى أن "القتلة سيواصلون جرائمهم طالما أن القوات الأمنية لا تصل إليهم ولا تحاسبهم"، مؤكداً أن "غالبية المتورطين في عمليات الاغتيال ينتمون إلى جهات تعمل مع الدولة أو لصالحها، والتي تمثل قوة أقوى من الدولة". وأوضح الوائلي أنه "نحن في البصرة، نحتاج إلى إخلاء المدينة من مقرات الفصائل المسلحة والشرطة الاتحادية والرد السريع، وتسليم الملف الأمني إلى الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب".
أما الناشط والمتظاهر البارز علي سامي، فقد كشف لـ"العربي الجديد"، عن تعرضه إلى تهديدٍ بالقتل، بعد اغتيال الناشط تحسين أسامة الشحماني، وذلك من قبل جهة مسلحة معروفة، طلبت منه "مغادرة مدينة البصرة مع الكف عن استعمال مواقع التواصل الاجتماعي لأغراض تخريبية، أو القتل". ولفت سامي إلى أن "عملية اغتيال الناشط تحسين أسامة نفذها مسلحون كانوا على متن عربة من نوع تويوتا"، مضيفاً أنه "على الرغم من أن صور العربة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لأيام، وتداولها ناشطون في محاولة للتعرف عليها ومالكها، إلا أنها عادت من جديد لتغتال الطبيبة رهام يعقوب"، معتبراً أن ذلك "يشكل دليلاً على أن هذه الجهة قوية ومخيفة بالنسبة للحكومة، وبالتالي فإن هذه الحكومة التي تخشى تعقّب عربة تحوي قتلة، لا تمثلنا ولا نريدها".
وعقب اغتيال رهام يعقوب، تداول ناشطون تقريراً نشر سابقاً في وكالة "مهر" الإيرانية، اتهم بعض الناشطين العراقيين بالعمالة للولايات المتحدة والتعامل مع القنصلية الأميركية، وكانت من ضمنهم يعقوب، التي انخرطت في الاحتجاجات التي انطلقت في البصرة في العام 2018، ثم عاودت مشاركتها في احتجاجات أكتوبر الماضي. وكتب ناشطون على مواقع التواصل سلسلة طويلة من التدوينات، التي أكدت أن التحريض الإيراني ضد ناشطي العراق، هو السبب وراء اغتيالهم.
وتعليقاً على ذلك، رأى السياسي العراقي المستقل، ليث شبر، لـ"العربي الجديد"، أن "الفصائل المسلحة تمر بأصعب مراحلها، فإلى جانب الضغوط الدولية التي تُمارس على إيران، والتي تسببت بقلة تمويلها، واغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، فقد أثرت عليهم كثيراً قرارات حكومة الكاظمي، ومنها تحديد موعد الانتخابات المبكرة".