لم تكفّ قيادة جبهة النصرة (فتح الشام لاحقاً) يوماً عن التفكير بعقلية التغلب أو ممارسته، لكنها كانت براغماتية بما يكفي لعدم الوقوع في حرب مع جميع الفصائل في وقت واحد، وبالتالي استطاعت أن تؤجل الصدام مع بعضها مدة طويلة، وتحيد بعضها الآخر حتى الآن، وتتحالف مع بعض ثالث، ناهيك عن اختراقها صفوف حركة أحرار الشام، كبرى الفصائل الثورية ما جعل النصرة تبدو دوماً صاحبة الصوت الأعلى واليد الطولى في المناطق المحررة، ولا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار الحضور المكثف لها في الهيئات الشرعية والقضائية المحلية في المدن والبلدات المحررة.
وقد استعملت تحالفها واختراقها لفصائل أخرى كورقة أخيرة لفرض قرارها على سائر الفصائل، فمنذ شهور وقادتها وشرعيوها ومشايخ مستقلون علناً تابعون لها سراً مثل الشيخ عبد الله المحيسني يضغطون على قيادات كبرى الفصائل الثورية في الشمال السوري، مثل أحرار الشام وصقور الشام للدخول في مشروع اندماج مخطط سلفاً ومصمم لجعل قيادة النصرة قيادة لعموم الفصائل بدلاً من الاندماج الحقيقي الذي لا يبالي بمصلحة حزبية أو فصائلية، وبعد اعتراض معظم الفصائل ومماطلتها في الرد على مثل هذا المشروع غير العادل اختارت فتح الشام أن تشرع باستعمال القوة انسجاماً مع إيمانها بمنهج التغلب.
فبدأت داخل أحياء حلب عندما كانت محاصرة بأولى خطوات التغلب واستعمال القوة، من خلال تسليط حركة نور الدين الزنكي - التي بايعت الجبهة قبل مدة غير معلومة، وشاركتها عمليات خطف الأجانب وتلقي ملايين الدولارات مقابل الإفراج عنهم - على تجمع فاستقم كما أمرت، فقامت الزنكي باقتحام المقر الرئيسي له في حلب وسلب ذخيرته، وهو عمل شاركت فيه كتائب أبو عمارة وأدارتها وأشرفت عليها جبهة فتح الشام، والهدف المعلن اعتقال أشخاص متهمين بالمشاركة في عمليات اغتيال لقادة في حركة الزنكي وكتائب أبوعمارة، لكن المحرك الحقيقي للعدوان هو كالعادة الرغبة في قضم الفصائل أولاً بأول حسبما تتيحه الظروف، ولا سيما أن فتح الشام أتبعت ذلك بالعدوان على مقرات لجيش الإسلام وفيلق الشام في حلب دون سبب يذكر.
ولم تتوقف جبهة فتح الشام عن اعتداءاتها المباشرة أو عبر الوكلاء على تجمع فاستقم كما أمرت إلا عندما أعلن التجمع انضمامه إلى حركة أحرار الشام، وهو الفصيل الذي لم يحن موعد المفاصلة معه بعد في نظر قادة جبهة فتح الشام.
وبعد طي ملف حلب بخروج المحاصرين من المقاتلين والمدنيين إلى ريف حلب الغربي مع نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، توجهت بندقية جبهة فتح الشام هذه المرة نحو جيش المجاهدين، وهو عبارة عن تكتل لكتائب اتحدت بداية عام 2014 لقتال تنظيم داعش وطرده من حلب، وشنت سلسلة هجمات على مقراته في حلب وإدلب وسلبت معداته وممتلكاته ولاحقت قادته ما أدى إلى إنهاء أحد أكثر الفصائل الثورية إيذاء لقوات الأسد والمليشيات الموالية له في الشمال السوري، وكل ذلك تحت غطاء عدم قبول الفصائل الاندماج الطوعي مع جبهة فتح الشام من ناحية، وذهاب ممثلي الفصائل إلى محادثات أستانة من ناحية أخرى، ورغم أن الجبهة أبدت تخوفها من أن تتفق الفصائل مع النظام وروسيا في أستانة على قتالها إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل إن المحادثات برمتها لم تؤد إلى أي تقدم نتيجة الخداع الذي تمارسه روسيا وعدم جدية اتفاق وقف إطلاق النار.
لم تصبر جبهة الجولاني حتى ينجلي غبار أستانة، فقامت باستعجال قتال فصيل صقور الشام أحد أقدم فصائل الجيش الحر على الإطلاق، محاولة استغلال ذريعة محادثات أستانة إلى أقصى درجة ممكنة، وبالفعل هاجمت كل معاقل صقور الشام في جبل الزاوية بريف إدلب والسجن المركزي في المدينة الذي كان يدار من قبل هذا الفصيل، ولم تنته هجمات الجبهة التي ألحقت أذى كبيراً بصقور الشام إلا بعدما وضعت حركة أحرار الشام ثقلها وأعلنت ضم جيش المجاهدين وصقور الشام إلى صفوفها، كما أعلنت عن مبادرة جديدة للاندماج ولكن بشروط مختلفة عن تلك التي طرحتها جبهة الجولاني، الأمر الذي رفضته الجبهة دون تردد ما يكشف عن زيف جميع الذرائع المختلفة التي استخدمتها في عدوانها على الفصائل الأخرى.
وبعدما يئست جبهة الجولاني من حمل الفصائل الكبرى على الاندماج معها وتحت إمرتها تارة بالترغيب وغالباً بالترهيب، اتجهت نحو الكشف عن معظم أوراق قوتها ونفوذها، فقامت بإعلان انضمام حركة الزنكي وفصائل أخرى صغرى إليها تحت مسمى "هيئة تحرير الشام" وأسندت قيادة التشكيل الجديد إلى أبو جابر الشيخ، قائد أحرار الشام السابق الذي كان يقود عملية انشقاق داخل الحركة تحت اسم جيش الأحرار للضغط على قيادة حركته، وعلى رأسها أبو عمار العمر كي ترضخ لشروط جبهة الجولاني المتعلقة بالاندماج.
لا أحد يستطيع توقع بقية مسار التغلب في منهج أبو محمد الجولاني، بيد أن نهايته معروفة، وهي صناعة عصابة تستبد بحكم الناس وتضرب بعضهم ببعض، على طريقة أسلافهم من الطغاة، ما لم تغير الجبهة من أفكارها أو تضطر للاصطدام بكامل الصف الثوري في سورية، وهو ما نجحت حتى الآن في تجنبه، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت قادرة على تجنبه طوال الوقت.
اقرأ أيضاً: اقتتال ثوار سورية.. "التغلب هو الداء" (1 - 3)
وقد استعملت تحالفها واختراقها لفصائل أخرى كورقة أخيرة لفرض قرارها على سائر الفصائل، فمنذ شهور وقادتها وشرعيوها ومشايخ مستقلون علناً تابعون لها سراً مثل الشيخ عبد الله المحيسني يضغطون على قيادات كبرى الفصائل الثورية في الشمال السوري، مثل أحرار الشام وصقور الشام للدخول في مشروع اندماج مخطط سلفاً ومصمم لجعل قيادة النصرة قيادة لعموم الفصائل بدلاً من الاندماج الحقيقي الذي لا يبالي بمصلحة حزبية أو فصائلية، وبعد اعتراض معظم الفصائل ومماطلتها في الرد على مثل هذا المشروع غير العادل اختارت فتح الشام أن تشرع باستعمال القوة انسجاماً مع إيمانها بمنهج التغلب.
فبدأت داخل أحياء حلب عندما كانت محاصرة بأولى خطوات التغلب واستعمال القوة، من خلال تسليط حركة نور الدين الزنكي - التي بايعت الجبهة قبل مدة غير معلومة، وشاركتها عمليات خطف الأجانب وتلقي ملايين الدولارات مقابل الإفراج عنهم - على تجمع فاستقم كما أمرت، فقامت الزنكي باقتحام المقر الرئيسي له في حلب وسلب ذخيرته، وهو عمل شاركت فيه كتائب أبو عمارة وأدارتها وأشرفت عليها جبهة فتح الشام، والهدف المعلن اعتقال أشخاص متهمين بالمشاركة في عمليات اغتيال لقادة في حركة الزنكي وكتائب أبوعمارة، لكن المحرك الحقيقي للعدوان هو كالعادة الرغبة في قضم الفصائل أولاً بأول حسبما تتيحه الظروف، ولا سيما أن فتح الشام أتبعت ذلك بالعدوان على مقرات لجيش الإسلام وفيلق الشام في حلب دون سبب يذكر.
ولم تتوقف جبهة فتح الشام عن اعتداءاتها المباشرة أو عبر الوكلاء على تجمع فاستقم كما أمرت إلا عندما أعلن التجمع انضمامه إلى حركة أحرار الشام، وهو الفصيل الذي لم يحن موعد المفاصلة معه بعد في نظر قادة جبهة فتح الشام.
وبعد طي ملف حلب بخروج المحاصرين من المقاتلين والمدنيين إلى ريف حلب الغربي مع نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، توجهت بندقية جبهة فتح الشام هذه المرة نحو جيش المجاهدين، وهو عبارة عن تكتل لكتائب اتحدت بداية عام 2014 لقتال تنظيم داعش وطرده من حلب، وشنت سلسلة هجمات على مقراته في حلب وإدلب وسلبت معداته وممتلكاته ولاحقت قادته ما أدى إلى إنهاء أحد أكثر الفصائل الثورية إيذاء لقوات الأسد والمليشيات الموالية له في الشمال السوري، وكل ذلك تحت غطاء عدم قبول الفصائل الاندماج الطوعي مع جبهة فتح الشام من ناحية، وذهاب ممثلي الفصائل إلى محادثات أستانة من ناحية أخرى، ورغم أن الجبهة أبدت تخوفها من أن تتفق الفصائل مع النظام وروسيا في أستانة على قتالها إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل إن المحادثات برمتها لم تؤد إلى أي تقدم نتيجة الخداع الذي تمارسه روسيا وعدم جدية اتفاق وقف إطلاق النار.
لم تصبر جبهة الجولاني حتى ينجلي غبار أستانة، فقامت باستعجال قتال فصيل صقور الشام أحد أقدم فصائل الجيش الحر على الإطلاق، محاولة استغلال ذريعة محادثات أستانة إلى أقصى درجة ممكنة، وبالفعل هاجمت كل معاقل صقور الشام في جبل الزاوية بريف إدلب والسجن المركزي في المدينة الذي كان يدار من قبل هذا الفصيل، ولم تنته هجمات الجبهة التي ألحقت أذى كبيراً بصقور الشام إلا بعدما وضعت حركة أحرار الشام ثقلها وأعلنت ضم جيش المجاهدين وصقور الشام إلى صفوفها، كما أعلنت عن مبادرة جديدة للاندماج ولكن بشروط مختلفة عن تلك التي طرحتها جبهة الجولاني، الأمر الذي رفضته الجبهة دون تردد ما يكشف عن زيف جميع الذرائع المختلفة التي استخدمتها في عدوانها على الفصائل الأخرى.
وبعدما يئست جبهة الجولاني من حمل الفصائل الكبرى على الاندماج معها وتحت إمرتها تارة بالترغيب وغالباً بالترهيب، اتجهت نحو الكشف عن معظم أوراق قوتها ونفوذها، فقامت بإعلان انضمام حركة الزنكي وفصائل أخرى صغرى إليها تحت مسمى "هيئة تحرير الشام" وأسندت قيادة التشكيل الجديد إلى أبو جابر الشيخ، قائد أحرار الشام السابق الذي كان يقود عملية انشقاق داخل الحركة تحت اسم جيش الأحرار للضغط على قيادة حركته، وعلى رأسها أبو عمار العمر كي ترضخ لشروط جبهة الجولاني المتعلقة بالاندماج.
لا أحد يستطيع توقع بقية مسار التغلب في منهج أبو محمد الجولاني، بيد أن نهايته معروفة، وهي صناعة عصابة تستبد بحكم الناس وتضرب بعضهم ببعض، على طريقة أسلافهم من الطغاة، ما لم تغير الجبهة من أفكارها أو تضطر للاصطدام بكامل الصف الثوري في سورية، وهو ما نجحت حتى الآن في تجنبه، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت قادرة على تجنبه طوال الوقت.
اقرأ أيضاً: اقتتال ثوار سورية.. "التغلب هو الداء" (1 - 3)