من كان القانون والسلاح بيده، فمن يستطيع أن يجادله بمنطق القانون وواقعية الاقتصاد. هكذا النظام السوري باختصار، فهو يسخّر كل ما في سورية وتحتها وعليها، لخدمة بقائه واستمرار تدفق المال لتمويل حربه، أما السوريون وحقوقهم، أو حتى قدرتهم على البقاء، في واقع القصف والموت اليومي والغلاء، فهو آخر اهتمامه..اللهم إن اهتم.
من تناقضات الاقتصاد السوري المزمنة، أن نظام الأسد، يمنع استيراد الألبسة المستعملة "البالة" لكنها "بسطات" ومحال بيعها منتشرة وتبيع الألبسة والأحذية للسوريين، وبمحال - أحياناً - مرخصة أصولاً، بعضها مجاور لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية.
أما كيف تدخل تلك الكميات الهائلة من الألبسة الأوروبية المستعملة، وعبر مرفأي اللاذقية وطرطوس، فذلك شأن الممانعين، الذين يضعون "تسعيرة" لكل ممنوع، بما يتناسب مع المصالح "الوطنية العليا".
قصارى القول: استطاع بعض الصناعيين الممانعين منع قرار السماح باستيراد "البالة" الذي ناقشه مجلس شعب الأسد أخيراً، والمبررات، أن الألبسة المستعملة تؤثر على الإنتاج الوطني، وتضع إنتاجهم أمام منافسة عرجاء غير عادلة.
لكنْ أولئك الصناعيون، ضغطوا على المشرّع السوري، أيضاً ضمن مبدأ المصالح الوطنية العليا، فسمع لهم باستيراد الآلات المستعملة ليحولوا المنشآت إلى سكراب، واستيراد المحولات الكهربائية المستعملة، ليبيعوا "الأمبير" للسوريين بأسعار سياحية، مستغلين انقطاع الكهرباء لزهاء عشرين ساعة، حتى في العاصمة دمشق.
أما قدرة السوريين على شراء الألبسة السورية، كيفية التسعير وهامش الربح، بما يناسب الصناعي ووزارة التموين، فذلك شأن خاص ولا علاقة للمصالح الوطنية به، فذرائع ارتفاع تكاليف الإنتاج الصناعي جاهزة، ومحدودية المنشآت المنتجة في واقع شلل أكثر من 80% من الصناعة السورية وخروجها عن العمل، يضمنان إلزامية المستهلك بالشراء وتضمن نفاد السلع بالأسعار التي يرتئيها الصناعيون الواقفون مع الأسد، في حربه الكونية على الإرهاب.
فالنظام الذي تخلى عن "السيادة" وفتح أجواءه للطيران ليقصف أراضيه، وفتحت الحدود رغماً عنه بعد سيطرة الثوار عليها، وفتحت على اقتصاده باب جهنم فزادت خسائر الحرب عن 200 مليار، يفضل إغلاق الباب على "البالة" رغم أن اقتصاده وبقطاعات جميعها دخل خانة "البالة".