لا تزال تداعيات الوضع الأمني في ليبيا تلقي بظلالها على الاقتصاد التونسي، منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، وقد زادت موجات هروب الليبيين والعمالة التونسية والمصرية من الجحيم الليبي في تعقيد الأمور، ولا سيما في محافظات الجنوب التونسي.
وتشهد المعابر الحدودية في كل من مدينتي "الذهيبة" و"رأس الجدير" بين الحين والآخر حالة
احتقان، نتيجة إصرار بارونات التهريب على تجاوز الحدود الجمركية بالقوة، وهو ما يضطر الحكومة التونسية إلى تشديد الخناق على تدفق السلع بين البلدين بما في ذلك الشركات الحاصلة على رخص تصدير.
وزاد هذا الإجراء من تعميق الأزمة الاقتصادية في الجانبين، وخاصة من الجانب التونسي، الذي تأثر بشكل كبير من الوضع العام في ليبيا، وبالأخص من الانهيار الاقتصادي هناك، وكذلك تواصل موجة اللجوء بالآلاف هروبا نحو تونس، وهو ما يزيد من الضغط على الاقتصاد التونسي بشكل مباشر.
وحسب الأرقام الرسمية لوزارة التجارة، تراجعت المبادلات التجارية الثنائية بين تونس وليبيا بأكثر من 75% نتيجة التوقف الكامل لأنشطة أكثر من مائة مؤسسة تونسية كانت تعمل بصفة كلية مع السوق الليبية.
كما قامت أكثر من ألف شركة بإعادة برامجها التصديرية والإنتاجية، التي كانت موجّهة في العادة نحو طرابلس بسبب الأوضاع الأمنية.
وقال رئيس الغرفة التجارية التونسية الليبية، علي الذوادي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن التراجع المسجّل في التبادل التجاري بين البلدين قد يتجاوز الـ 150 مليون دولار شهرياً، مشيرا إلى أن قطاعات السياحة والصناعة والصحة تعد من أكثر القطاعات الأكثر تضرراً.
وأضاف الذوادي، أن تدهور الوضع الأمني في ليبيا، أثر بشكل كبير على مئات الشركات التونسية، لافتا إلى أن المؤسسات الاقتصادية التي تتعامل مع السوق الليبية تبلغ حوالي 1300 شركة.
وأشار إلى أن الاقتصاد التونسي متضرر بشكل كبير من عدم الاستقرار في ليبيا، وغياب إدارة قادرة على تسيير المبادلات التجارية.
وذكر أن إغلاق الموانئ والمطارات وتدميرها بصفة تكاد تكون كلية، قلّص بشكل كبير التجارة والمبادلات الرسمية بين البلدين لصالح التهريب الذي بقي يشكل الخط الناشط من الجهتين.
ويتحمل الاقتصاد التونسي مئات الآلاف من اللاجئين والعمالة ممن فقدوا مواطن عملهم في ليبيا، بالإضافة إلى قرابة مليوني ليبي يقيمون في تونس منذ ثورة فبراير/شباط 2011، وهو ما يزيد من تأزّم الوضع الاقتصادي في تونس حسب الخبير الاقتصادي، معز الجودي، الذي أشار إلى إقامة قرابة مليوني ليبي.
وقال الجودي لـ "العربي الجديد"، إن الأرقام الرسمية أكدت تراجع القدرة الإنتاجية في تونس
على امتداد السنوات الثلاث الماضية، كما أدى وجود مليون ليبي في زيادة الطلب على حساب العرض، ما نتج عنه ارتفاع في نسبة تضخم أسعار المستهلكين.
ووفق المصرف المركزي التونسي نهاية الأسبوع الماضي، فإن معدل التضخم ارتفع إلى 5.5% في يناير/كانون الثاني 2015، مقابل 4.8% في ديسمبر/كانون الأول 2014.
وتوقع الجودي، عدم تراجع التضخم، ومواصلة الضغط على صندوق الدعم، بسبب استهلاك الوافدين الأجانب للمواد المدعومة، مقترحا أن يقوم الليبيون والمقيمون بدفع الضرائب مثل التونسيين، خاصة وأن فاتورة الدعم ارتفعت بنسبة 10% بسبب التدفق الكبير لليبيين على تونس.
وبلغت قيمة الدعم في 2010 حوالي 950 مليون دينار (489 مليون دولار)، لتصل حاليا إلى ستة مليارات دينار (3 مليارات دولار)، وهو رقم ضخم حسب الجودي.
لكن المختص في المخاطر المالية، الدكتور مراد الخطاب، أشار إلى عدم اعتبار الليبيين لاجئين، وإنما هم سياح، مضيفا أن "وجودهم ليس له تأثير سلبي على صندوق الدعم، خاصة أنهم من مستهلكي المواد الفاخرة وغير المدعمة"، دون أن ينكر مساهمتهم في ارتفاع نسبة التضخم.
وقال الخطاب إن الوجود الليبي يؤثر بشكل أكبر في سوق العقارات وتزايد سماسرة العقارات والإيجارات، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار المساكن بنسبة 30% وتضاعف سعر الإيجار في أغلب المحافظات.
وأشار إلى ضرورة اتخاذ الحكومة لإجراءات صارمة حتى لا يتم بيع المساكن التونسية لليبيين والأجانب عموما، فيما يحرم منها التونسي نتيجة تضخم الأسعار.
ولفت إلى أن إغلاق الحدود بين تونس وليبيا يمكن أن يتسبب في كارثة اقتصادية كبرى، موضحا أن 30% من المعاملات بين تصدير واستيراد في تونس تتم مع ليبيا.
وتعد ليبيا الشريك الخامس لتونس بعد فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا، والشريك الأول مغاربيا. وكانت تونس تعلّق آمالا كبيرة على ليبيا كمتنفس الاقتصادي منذ عشرات السنوات، حيث كانت ليبيا تستورد 5% من المنتجات التونسية وهو ما يشكل 35.4% من إجمالي الناتج المحلي التونسي على مدار الأعوام الممتدة بين 2008 و2013.
كما كانت ليبيا تمد تونس بأكثر من 25% من احتياجاتها من الوقود، بأسعار تفضيلية، فيما
توقف العمل بتلك الأسعار بعد الثورة الليبية وأصبحت تونس تعامل كأي دولة أخرى.
وأثرت الأوضاع في ليبيا بشكل كبير على الميزان التجاري التونسي الذي تفاقم عجزه ليصل إلى مستوى يبعث على القلق بعد أن وصل إلى 1.8 مليار دينار (930 مليون دولار).
ويتسم المشهد الاقتصادي التونسي، بالاختناق، ووفق التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2014، الصادر في فبراير/شباط الماضي، فإن تونس من بين سبع دول عربية تخطت الحدود الآمنة للدين العام الذي ينبغي ألا يتجاوز نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن بلغت نسبة الدين العام فيها 72.4%.
ولجأت تونس في يناير/كانون الثاني الماضي إلى إصدار سندات بقيمة مليار دينار (514.8 مليون دولار) وهي أدوات للاقتراض من السوق المالية، كما وافق صندوق النقد الدولي في 2012 على قرض لتونس بقيمة 1.74 مليار دولار.
اقرأ أيضاً: تونس: مطالبات عمالية بزيادة كبيرة في الرواتب والحكومة عاجزة