08 ابريل 2017
الأخبار الكاذبة من حلب
أياً كانت الأخبار التي تأتينا من حلب فهي كاذبة، ولا يمكن لها، مهما اقتربت من الواقع، أن تكون صحيحة أو حقيقية، إذ لا يمكن لنشرة أخبار أو تقرير لوكالة أنباء، ولا لأي كلماتٍ في العالم، أن تصف ما يجري هناك بشكل حقيقي.
كيف لعدسة كاميرا أو كلمات مصفوفة بجانب بعضها أن توصل إلينا مشاعر طفل يعيش الآن في ريف حلب الشرقي؟ وأي أفكارٍ تمر في رأسه، فيما يملأ الكون صوت الطائرة ثم صوت ما تلقيه من براميل أو صواريخ أو قنابل؟ وكيف لتقريرٍ يصف كمية التدمير أن يجعلنا نعرف كم تعب صاحب البيت المتهدّم حين بنى بيته، وكم تشارك وعائلته الأحلام والآمال، وهم يضيفون حجراً بعد حجر؟
ما يجري في حلب اليوم ليس مجرّد حملة عسكرية شرسة وقاسية، تشترك فيها قوى عديدة ومتشعبة، بعضها بخوض العمليات بشكل مباشر، ويزجّون فيها بكل إمكاناتهم التدميرية، وبعضها بالتجاهل والإهمال، والتنصل من الوعود والمسؤوليات، بل هو فصل من فصول التاريخ ستدرسه الأجيال القادمة.
الأمم المتحدة التي تستخدم في العادة عبارات ثابتة وجافة ومكرّرة، صارت نكتة في كل أنحاء العالم، مثل التعبير عن القلق، والتحذير من خطورة الوضع، والتأكيد على ضرورة الوصول إلى حلّ سياسي، حتى تلك المنظمة المقيدة بكليشاتها الثابتة غيّرت لغتها، وهي تصف الوضع في حلب بأنه "المخيف".
والقصة ليست معركة من معارك عديدة، يتحقق فيها انتصارٌ لهذا الطرف أو ذاك، بل هي معركة كاشفة، ستنبه من لم ينتبه بعد إلى أن كل ما سمعه السوريون من العالم في ست سنوات مجرد كلام، وليس أبعد من ذلك.
وأن الحقيقة هي ما يجري على الأرض الآن، أي قصص الناس اليومية الذين يعانون معاناةً غير مسبوقة، وهم يرون مدينتهم تتدمر، وأحلامهم تتحطم، وأبناءهم ينزفون. أو يتركون كل شيء خلفهم، ويغادرون تاركين كل شيء وراءهم.
تقول التقديرات الأممية إن 80 ألف مواطن غادروا مناطقهم في أحياء حلب الشرقية، منذ بدء الحملة الحالية على هذه المناطق، والعدد مرشح للازدياد، سيما وأن هؤلاء الفارّين قد غادروا تحت ظروف خطرة للغاية، حيث لا يوجد معابر آمنة، بالمعنى المتعارف عليه، في حالات كهذه، ولم يستطيعوا المغاردة سابقاً في الأيام التي تم فيه توافق روسي أميركي (وإن كان اتفاقاً هشّاً لم يرتق إلى مستوى الاتفاق التام) بسبب منع جبهة النصرة لهم من المغادرة. وهم، بالتالي، واقعون بين فكي كماشة، والآن في ظروف المعركة غامروا بكل شيء وخرجوا.
وتشير التصريحات الصادرة عن الأطراف الدولية، أخيراً، إلى أن هناك استئنافاً للتفاوض السياسي قد يفضي إلى السماح بممرّات مؤقتة، تسمح بخروج من تبقوا من السكان المدنيين، ما يعني إفراغ منطقة أخرى من سكانها، ستنضم إلى قائمة المدن والمناطق السرية التي أفرعت من السكان في سنوات الحرب، والفارق هذه المرة هو العدد الكبير من السكان الذين يسكنون مناطق حلب الشرقية، والأهم أن لا خيار أمامهم، وأن الأبواب موصدة في وجوههم، فلا تركيا قادرة أو راغبة باستقبالهم، ولا مناطق حلب الأخرى مؤهلة لاستيعابهم، وهي غير مناسبة وغير كافية لعيش من هم فيها، وهي خاليةٌ من أي عاملٍ من عوامل الحياة البشرية، لا سيما الأمان.
يمكن للمتابع أن يشاهد ما يشاء من نشرات الأخبار، ويقرأ ما يشاء من التقارير الصحافية، ويستمع قدر ما يريد للمحللين السياسيين، لكنه لن يستطيع بالتأكيد ملامسة الواقع الحقيقي، ولا تخيّل الظروف والمشاعر التي يعيشها أولئك الرازحون تحت النيران، ولا الاستماع لآلامهم، ولا تخيل المستقبل الذي ينتظر أبناءهم.
كل الحكاية فيما يجري في حلب اليوم هو طفلٌ فتح عينيه على الدنيا، ليرى أنها قذائف وصواريخ وبراميل متفجرة وأشلاء بشرية متناثرة، وليرى الموت والظلم والقسوة، ومصير هذا الطفل وخياراته في الحياة هو ما يهم العالم، لأنه لا شك ستكون لديه كل الأسباب التي ستحوّله إلى قنبلة موقوتة غاضبة من هذا العالم ونظامه بالكامل، وجاهزة للانفجار في وجه هذا العالم بالمعنى العميق للكلمة، وكذلك بالمعنى الحرفي للكلمة، فهو جاهز للانفجار في أي مكانٍ، لا يشبه المكان الذي عاش فيه هذه الطفولة المعذّبة.
كيف لعدسة كاميرا أو كلمات مصفوفة بجانب بعضها أن توصل إلينا مشاعر طفل يعيش الآن في ريف حلب الشرقي؟ وأي أفكارٍ تمر في رأسه، فيما يملأ الكون صوت الطائرة ثم صوت ما تلقيه من براميل أو صواريخ أو قنابل؟ وكيف لتقريرٍ يصف كمية التدمير أن يجعلنا نعرف كم تعب صاحب البيت المتهدّم حين بنى بيته، وكم تشارك وعائلته الأحلام والآمال، وهم يضيفون حجراً بعد حجر؟
ما يجري في حلب اليوم ليس مجرّد حملة عسكرية شرسة وقاسية، تشترك فيها قوى عديدة ومتشعبة، بعضها بخوض العمليات بشكل مباشر، ويزجّون فيها بكل إمكاناتهم التدميرية، وبعضها بالتجاهل والإهمال، والتنصل من الوعود والمسؤوليات، بل هو فصل من فصول التاريخ ستدرسه الأجيال القادمة.
الأمم المتحدة التي تستخدم في العادة عبارات ثابتة وجافة ومكرّرة، صارت نكتة في كل أنحاء العالم، مثل التعبير عن القلق، والتحذير من خطورة الوضع، والتأكيد على ضرورة الوصول إلى حلّ سياسي، حتى تلك المنظمة المقيدة بكليشاتها الثابتة غيّرت لغتها، وهي تصف الوضع في حلب بأنه "المخيف".
والقصة ليست معركة من معارك عديدة، يتحقق فيها انتصارٌ لهذا الطرف أو ذاك، بل هي معركة كاشفة، ستنبه من لم ينتبه بعد إلى أن كل ما سمعه السوريون من العالم في ست سنوات مجرد كلام، وليس أبعد من ذلك.
وأن الحقيقة هي ما يجري على الأرض الآن، أي قصص الناس اليومية الذين يعانون معاناةً غير مسبوقة، وهم يرون مدينتهم تتدمر، وأحلامهم تتحطم، وأبناءهم ينزفون. أو يتركون كل شيء خلفهم، ويغادرون تاركين كل شيء وراءهم.
تقول التقديرات الأممية إن 80 ألف مواطن غادروا مناطقهم في أحياء حلب الشرقية، منذ بدء الحملة الحالية على هذه المناطق، والعدد مرشح للازدياد، سيما وأن هؤلاء الفارّين قد غادروا تحت ظروف خطرة للغاية، حيث لا يوجد معابر آمنة، بالمعنى المتعارف عليه، في حالات كهذه، ولم يستطيعوا المغاردة سابقاً في الأيام التي تم فيه توافق روسي أميركي (وإن كان اتفاقاً هشّاً لم يرتق إلى مستوى الاتفاق التام) بسبب منع جبهة النصرة لهم من المغادرة. وهم، بالتالي، واقعون بين فكي كماشة، والآن في ظروف المعركة غامروا بكل شيء وخرجوا.
وتشير التصريحات الصادرة عن الأطراف الدولية، أخيراً، إلى أن هناك استئنافاً للتفاوض السياسي قد يفضي إلى السماح بممرّات مؤقتة، تسمح بخروج من تبقوا من السكان المدنيين، ما يعني إفراغ منطقة أخرى من سكانها، ستنضم إلى قائمة المدن والمناطق السرية التي أفرعت من السكان في سنوات الحرب، والفارق هذه المرة هو العدد الكبير من السكان الذين يسكنون مناطق حلب الشرقية، والأهم أن لا خيار أمامهم، وأن الأبواب موصدة في وجوههم، فلا تركيا قادرة أو راغبة باستقبالهم، ولا مناطق حلب الأخرى مؤهلة لاستيعابهم، وهي غير مناسبة وغير كافية لعيش من هم فيها، وهي خاليةٌ من أي عاملٍ من عوامل الحياة البشرية، لا سيما الأمان.
يمكن للمتابع أن يشاهد ما يشاء من نشرات الأخبار، ويقرأ ما يشاء من التقارير الصحافية، ويستمع قدر ما يريد للمحللين السياسيين، لكنه لن يستطيع بالتأكيد ملامسة الواقع الحقيقي، ولا تخيّل الظروف والمشاعر التي يعيشها أولئك الرازحون تحت النيران، ولا الاستماع لآلامهم، ولا تخيل المستقبل الذي ينتظر أبناءهم.
كل الحكاية فيما يجري في حلب اليوم هو طفلٌ فتح عينيه على الدنيا، ليرى أنها قذائف وصواريخ وبراميل متفجرة وأشلاء بشرية متناثرة، وليرى الموت والظلم والقسوة، ومصير هذا الطفل وخياراته في الحياة هو ما يهم العالم، لأنه لا شك ستكون لديه كل الأسباب التي ستحوّله إلى قنبلة موقوتة غاضبة من هذا العالم ونظامه بالكامل، وجاهزة للانفجار في وجه هذا العالم بالمعنى العميق للكلمة، وكذلك بالمعنى الحرفي للكلمة، فهو جاهز للانفجار في أي مكانٍ، لا يشبه المكان الذي عاش فيه هذه الطفولة المعذّبة.