ربما كانت الشفهية التي طبعت إنتاجات الأدب الأمازيغي لفترة تاريخية طويلة، من العوامل التي ساهمت في تغييب هذا الإنتاج الأدبي عن الساحة الثقافية المغربية أساساً، إلى جانب سياسة الإقصاء التي رافقت الثقافة واللغة الأمازيغيتين في المغرب في وقت سابق، على الأقل قبل إنشاء "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" عام 2001، ثم الوضع الرسمي الذي حظيت به الأمازيغية إلى جانب العربية في دستور عام 2011.
لكن كل هذه الأسباب، لم تمنع مبادرات فردية ومحاولات شخصية، من خلق حركة أدبية أمازيغية جديدة ما زالت تواصل بناء ملامحها ومقوّماتها، وتصعد أولى درجات الحضور داخل الساحة الثقافية المغربية، بل وتجتهد لكي تفتح لنفسها آفاقاً مغايرة، تحت تأثير دينامية الحركة الثقافية الأمازيغية بالدرجة الأولى، دون أن تحتضنها في بداياتها أي جهة وصيّة كانت.
وإذا كانت الشفهية لم تعد اليوم قدراً يتحكّم في تطوير الأدب الأمازيغي، فإنه مع ذلك لم يتمكن هذا النوع الأدبي المكتوب، منذ التجارب الأولى في سبعينيات القرن الماضي، من تجاوز مأزقه على مستويين؛ الأول يتعلق بتشتت تجاربه بين المناطق والروافد الثلاثة للغة الأمازيغية (تاريفيت، تمازيغت، تشلحيت)، إذ يصعب تفاعل التجارب الأدبية بين هذه التنويعات الأمازيغية، بالإضافة إلى أن اختيار معظم المبدعين الأمازيغ حرف "تيفيناغ" لكتابة إنتاجاتهم الأدبية، لم يراع الحقيقة الثقافية والاجتماعية المغربية المشتركة التي تراكمت فيه روافد متعددة.
أما المستوى الثاني من مأزق الأدب الأمازيغي، فيرتبط بتلك المحلية التي جعلته أدباً معزولاً؛ لأنه إلى يومنا هذا لم تفكر وزارة الثقافة ولا "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" من نقل "أنطولوجيا" أدبية من الأمازيغية إلى اللغة العربية، كمقدمة أساسية لتعريف القارئ المغربي والمغاربي والعربي بشكل عام بخصوصية التجربة الأدبية الأمازيغية.
كما أن الحركة الثقافية الأمازيغية، كان لا بد أن تنتبه من جانبها أيضاً، إلى أن الترجمة إلى العربية، ستمكّن الأدب الأمازيغي الجديد على المستوى المغربي من مقاربته في شموليته، وفِي الوقت نفسه ستعمل هذه الترجمة -التي تم تأجيلها طيلة هذه المدة -على دفع هذا الأدب "المحلي" إلى حدوده القصوى، عندما تقدّمه ضيفاً على التجربة الأدبية العربية في البداية.
هنا يجب أن نقف مجدداً عند التفاعل الحاصل بين الثقافتين الأمازيغية والعربية منذ أزيد من 15 قرناً، وهو تفاعل عميق وشمولي؛ من منطلق القدرة الدائمة على التفاعل بين الجماعات والشعوب في مسار وجودها، والشمولية التي لا تبقي زاوية حياتية في الظل.
فالبحث عن وسيط لغوي للثقافة والأدب الأمازيغيين مثل العربية، سينقلهما إلى ساحات ثقافية مجاورة أو مختلفة. إن البحث عن منافذ لترجمة هذا الأدب الأمازيغي أمر مُلحّ، لكي يصل صوت الثقافة الأمازيغية إلى العالم، ويمكن هنا استحضار التجربة الأدبية الكردية كنموذج في مجال النقل من وإلى العربية.