تتصاعد الاحتجاجات في الأردن على نحو غير مسبوق، لاسيما بعد فشل اجتماعين بين الحكومة وممثلي النقابات المهنية للتفاوض حول مشروع قانون ضريبة الدخل الذي أثار سخطاً شعبياً وكذلك النقابات والقطاعات الاقتصادية.
وتطورت مطالب المحتجين من سحب مشروع قانون الضرائب وعدم رفع الأسعار، إلى رحيل الحكومة وحل البرلمان، بعد إصرار رئيس الوزراء هاني الملقي على تمرير التعديلات الضريبية، التي تمت إحالتها إلى البرلمان في مايو/أيار الماضي.
وخلال اجتماعين بين رئيس الوزراء وممثلي النقابات المهنية يومي الثلاثاء والسبت الماضيين، لم يتم التوصل إلى حل بشأن الأزمة، ما دعا النقابات إلى التعهد باستمرار التصعيد والدعوة إلى إضراب جديد يوم الأربعاء المقبل، فيما يحذر اقتصاديون من مخاطر الغضب الشعبي، خاصة في أوساط النخب السياسية والمهنية، التي هبت في سابقة هي الأولى من نوعها للنزول إلى الشارع ورفض مجمل السياسات الاقتصادية الحكومية القائمة على رفع الضرائب والأسعار، ما يستدعي إجراءات حكومية عاجلة لنزع فتيل الأزمة التي تتأجج.
ويشكو الأردنيون من الغلاء والضرائب، الأمر الذي جعل من العاصمة الأردنية عمان الأكثر غلاء عربيا وفي المرتبة 28 عالمياً، وفق تصنيف أجرته مجلة إيكونوميست البريطانية قبل أيام، وذلك من خلال إجراء مقارنة لأسعار 155 سلعة وخدمة في 133 مدينة حول العالم.
واتخذت الحكومة إجراءات، خلال السنوات الثلاث الماضية، استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي الذي يطالب بما يصفه بإصلاحات اقتصادية، تمكنها من الحصول على قروض جديدة، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة، وتجاوز الدين العام 35 مليار دولار.
وقال أحمد الصفدي، رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب لـ"العربي الجديد" إن الأوضاع المعيشية للمواطنين باتت في أسوأ حال، بعد أن أقدمت الحكومة على رفع الأسعار وزيادة الضرائب عدة مرات هذا العام، ما تسبب في الاحتجاجات الواسعة التي تشهدها البلاد.
وأضاف الصفدي أن "اللجان النيابية المختصة لا تستطيع حالياً مناقشة قانون الضريبة كون البرلمان غير منعقد، وفور العودة إلى الانعقاد سنعمل في مجلس النواب على تعديل قانون الضريبة بنسبة 90%، بحيت يتم تخفيف الأعباء عن المواطنين وتخفيض نسب الضريبة المفروضة عليهم".
لكن مطالب المحتجين في الشارع وكذلك النقابات المهنية تخطت المطالبة بسحب مشروع قانون الضريبة، لتتصاعد إلى إسقاط الحكومة وحل البرلمان أيضا، كونه مرر في السابق العديد من زيادات الأسعار والضرائب، ما أثقل كاهل المواطن والقطاعات الاقتصادية المختلفة.
وقال رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "يوجد ثلاثة أطراف في المعادلة اليوم، وهي الحكومة وصندوق النقد الدولي والمواطن، وأشعر بأن الحكومة والمواطن بكل أسف، كمن طلعوا إلى الشجرة، ولا نعرف كيف النزول، لارتباط ذلك مع الممولين".
وأضاف: "أنا ضد أي قانون جديد للضريبة، إذ لا يعقل أن تغير دولة قانون ضريبتها أربع مرات خلال ثماني سنوات، لما لذلك من أثر على الاستثمار والبيئة الاقتصادية، والتي أهمها الاستقرار التشريعي".
وكان الأردنيون نفذوا إضرابا عن العمل يوم الأربعاء الماضي، ما هز مختلف القطاعات الاقتصادية في الدولة، وتبعه تظاهرات متوالية رفضا للسياسات الحكومية.
ودعت النقابات المهنية الى الإضراب ولاقت الدعوة استجابة كبيرة من معظم النقابات والمؤسسات والجمعيات العمالية.
وكان رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، قال في تصريحات صحفية يوم الخميس الماضي :" أشعر بأننا نعيش أجواء أحداث إبريل/نيسان 1989 التي أدت إلى قيام الملك الراحل الحسين بإعادة النظر في كل مناحي الحياة في الدولة، وأدت إلى تغييرات شاملة وجادة في كافة المجالات".
وأضاف أن المشاركين في إضراب يوم الأربعاء الماضي اقتصروا على المهنيين والطبقة الوسطى، وإذا استمرت الاحتجاجات فإن الفقراء والجياع سوف ينضمون إلى الطبقة الوسطى وسيكون هذا الأمر تطوراً ذا أبعاد وتداعيات خطيرة.
ولم يكفل تراجع الحكومة عن زيادة أسعار الكهرباء والمشتقات النفطية في نفس يوم إصدارها الجمعة الماضي، إخماد الاحتجاجات، حيث كانت الحكومة قد رفعت الأسعار بنسبة وصلت إلى 5.5%، قبل أن يوجه الملك عبدالله الثاني الحكومة لإلغاء القرار.
ودعت الأحداث المتصاعدة، ملك الأردن، إلى رئاسة اجتماع لمجلس السياسات الاقتصادية فور عودته من زيارة خارجية مساء السبت، قائلا إنه "ليس من العدل أن يتحمل المواطن وحده تداعيات الإصلاحات المالية"، مشيرا إلى أن الدولة بكل مؤسساتها مطالبة بضبط وترشيد حقيقي للنفقات.
وتأسس مجلس السياسات الاقتصادية بتكليف من ملك الأردن عام 2016، ويهدف لمناقشة السياسات والبرامج الاقتصادية واقتراح الخطط. ووفق تصريحات لوزير المالية عمر ملحس في إبريل/نيسان الماضي، فإن مسودة مشروع قانون ضريبة الدخل ستعرض آنذاك الشهر مجلس السياسات الاقتصادية ومن ثم على مجلس الوزراء الذي سيحيلها بدوره إلى البرلمان.
وبموجب مشروع قانون الضرائب الجديد، سيتم تطبيق الضريبة على العائلات التي يصل دخلها إلى 22.7 ألف دولار سنوياً بدلاً من 33.9 ألف دولار حالياً، وعلى الأفراد الذين تبلغ دخولهم 11.2 ألف دولار بدلاً من 17 ألف دولار، ورفع نسبة الضريبة على الأسر والأفراد تدريجياً. كما سيتم إلغاء الإعفاءات الإضافية الممنوحة للأسر والمقدرة بمبلغ 5600 دولار الممنوح حالياً بدل فواتير استشفاء وتعليم.
كما ينص مشروع القانون على زيادة ضريبة الدخل على البنوك والشركات المالية وشركات التأمين وشركات إعادة التأمين والأشخاص الاعتباريين الذين يمارسون أنشطة التأجير التمويلي إلى 40% بدلاً من 30% في القانون الساري حالياً، إضافة إلى زيادة الضرائب على القطاعات التجارية والصناعية والخدمية.
ووفقاً للتعديلات المقترحة، ستتم زيادة ضريبة الدخل على شركات تعدين المواد الأساسية إلى 30% بدلاً من 24%، فيما أبقى على ضريبة دخل بنسبة 24% على شركات الاتصالات الأساسية وشركات توزيع وتوليد الكهرباء وشركات الوساطة المالية.
وقال أحمد عوض، رئيس مركز الفينيق الاقتصادي لـ"العربي الجديد" إن الاحتجاجات ضد مشروع قانون ضريبة الدخل غير مسبوقة، من حيث اتساع رقعة المشاركين فيها جغرافياً واجتماعياً، وهي رسالة واضحة ومباشرة للحكومة ومختلف أجهزتها أن مقترح القانون والسياق الذي جاء فيه يمس مصالح فئات اجتماعية واسعة.
وأضاف عوض: "لم تكن الاحتجاجات فقط ضد مقترح قانون الضريبة فقط، بل ضد مختلف السياسات الاقتصادية التي تعمل الحكومة على تطبيقها ما عمق التفاوت الاجتماعي وضرب مصالح الطبقة الوسطى بمختلف شرائحها إلى جانب طبقة الفقراء، وكما هو معروف فإن الطبقة الوسطى في الأردن منظمة بشكل جيد من خلال النقابات المهنية ونقابات أصحاب الأعمال، الأمر الذي دعاها للاحتجاج ولحقها العديد من النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني".
وتابع: "هذه الاحتجاجات تدفعنا للقول إن النظام الضريبي بمجمله بحاجة إلى مراجعة شاملة وفق أسس ومبادئ العدالة الضريبية، التي تلبي مصالح مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية، والتي تتمثل في ضريبة دخل تصاعدية على دخول الأفراد والمؤسسات، تكون فيها شرائح الدخول واسعة، ومعدلات الاقتطاع متدنية وتتجه للأعلى وفقا لارتفاع الدخل، الى جانب تخفيض معدلات الضرائب غير المباشرة من الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة والرسوم الجمركية، وخلق حالة من التمييز في معدلاتها وفقا لمكانة السلع والخدمات في سلة استهلاك الأسر".
وكانت بيانات رسمية صادرة في يناير/كانون الثاني 2018، قد أظهرت أن نسبة الفقر في الأردن قفزت إلى 20% خلال عام 2016، مقارنة بنحو 14.4% عام 2010، بينما توقع خبراء اقتصاد تخطي الفقر النسبة الأخيرة بشكل كبير في ظل ارتفاع الضغوط المعيشية، لا سيما بعد سلسلة الإجراءات الحكومية المتلاحقة التي شملت زيادة الضرائب والأسعار.
وقال عدنان السواعير الخبير الاقتصادي: "كثرة الضغط تولد الانفجار، حذرنا الحكومة من تماديها في التغول على قوت المواطن، يشكل قانون ضريبة الدخل القشة التي ستقصم ظهر البعير، الحل الوحيد الآن هو سحب القانون".