06 نوفمبر 2024
الأرض، الدولة
لفت المؤرخ الإسرائيلي، دانييل بلتمان، أخيرًا، إلى تنامي ظاهرةٍ جديدةٍ، في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فحواها محاورة "رموز اليمين الدينيّ المتطرّف" ضمن مسعىً يهدف إلى محاصرة التنابذ في مجتمع دولة الاحتلال. وقال إن المسعى السالف يتغيّا بالأساس استعادة فلول "اليسار الصهيوني" الذي تنطق هذه الصحيفة بلسانه شرعيةً يكاد أن يفتقدها بالكامل في الحلبة السياسية.
ومع أن بلتمان جاهر بمعارضته هذا المسعى، وبضرورة أن تمتنع الصحيفة عن منح منبرٍ لأمثال هؤلاء، غير أنه انطلق في ذلك من رؤيةٍ تعتقد أن من شأن خطوةٍ من هذا القبيل أن تضفي شرعيةً على أفكار آثمة، يدعو ذلك اليمين الديني المتطرّف إلى تطبيقها إزاء الفلسطينيين، وفي مقدمها الترانسفير والتطهير العرقيّ. وبذلك تجاهل أن تلك الأفكار كانت بمثابة مسلمّاتٍ ذهنية وبنيوية لدى ذلك "اليسار".
في أكثر من مناسبة سابقة، نوه صاحب هذه السطور إلى أن "الجدل السياسي" في مجتمع دولة الاحتلال بين هذين الطيفين على وجه التحديد، والذي يرى بعضهم أنه مركزي، يبدو، في الظاهر، كما لو أنه جدلٌ على السياسة العامة التي على المؤسسة السياسية أن تنتهجها إزاء القضية الفلسطينية، لكنه في الباطن جدلٌ على "ما هي الصهيونية"، وما هي الحدود التي يجب أن تقف عندها. وهو جدلٌ بين من يؤمنون بـ"صهيونية الدولة التي قامت في 1948" ومن يؤمنون بـ"صهيونية أرض إسرائيل الكبرى" الممتدة على مناطق فلسطين التاريخية كافة.
وبالنسبة إلى الصنف الأول، تمثل الدولة، في نظره، الهدف، في حين أن الصنف الآخر آمن ولا يزال بأن الصهيونية هي تجديد "صلة تاريخية انقطعت بين شعب إسرائيل وأرض إسرائيل" في المنطقة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وليست الدولة إلا وسيلة لإنجاز هذا التزاوج المُتجدّد، فيما أن الأرض هي القيمة التي يجب عدم التنازل عنها، وألا يقف أمامها أي "خط أخضر".
وتجد داخل المؤمنين بـ"صهيونية الدولة" أشخاصًا كثيرين، متعاطفين مع فكرة "أرض إسرائيل الكبرى"، ويشدّدون على مرجعيّة "الجذور القومية" المزروعة في أراضي الضفة الغربية (يسمونها يهودا والسامرة)، وليس داخل تخوم "الخط الأخضر" فقط، غير أنهم، في موازاة ذلك، يصرّون على أن المسألة التي ينبغي مواجهتها ليست هنا، بل في حسم الاختيار بين تجسيد "كل الحقوق التاريخية"، الذي سيكون ثمنه الحتمي استعباد الشعب الآخر أو طرده، وتجسيد جزء من هذه الحقوق التاريخية، بصورةٍ تتيح إمكان إيجاد فرصةٍ معينةٍ لـ "حل وسط". كما تجد بينهم أشخاصًا لا يوافقون على عرض اليمين الإسرائيلي كل مؤيدي مقاربة التقسيم على أنهم "معسكر السلام". ويؤكد هؤلاء أنه، من الناحية العملية، يؤيد كثيرون منهم التقسيم بالذات، بعد أن يئسوا من إمكان إحراز السلام، ويعلنون على رؤوس الأشهاد أن التقسيم بات سبيلًا وحيدًا لإنقاذ "المشروع الصهيوني" من التلاشي.
هنا، لا بُدّ من استعادة أن ثمة قاسمًا مشتركًا يجمع بين الصنفين، هو التمحور، من ناحية عقائدية، حول فكرة "الحقوق القومية المتخيّلة لليهود" في فلسطين، غير أن الصنف المؤمن بـ"صهيونية الأرض" مستعدٌّ أن "يجازف" بمسألة الحفاظ على الأغلبية اليهودية من أجل مواصلة التمسّك بالأرض التي وراء "الخط الأخضر"، في حين أن الطراز المؤمن بـ"صهيونية الدولة" على استعدادٍ لأن يقسم الأرض، لاعتقاده أن من شأن ذلك أن يحول دون اندثار الدولة اليهودية في وسط أغلبية عربية. هكذا كان الأمر أيضًا لدى صدور القرار الأممي رقم 181 بشأن تقسيم فلسطين من الأمم المتحدة في العام 1947. وهو بطبيعة الحال، استعداد غير ناجم عن قناعة أصحابه بضرورة تلبية الحقوق القومية الفلسطينية التي ما زالت تُنتهك منذ نكبة 1948.
فيما يتعلق بـ"هآرتس"، قد يكون بعضهم نسي حقيقة حثّها على احتلال هضبة الجولان في حرب 1967، وكيفية تعبيرها عن الفرح العارم لدى احتلال القدس الشرقية في تلك الحرب، ما يقتضي العودة إلى بعض التذكير لاحقًا.
ومع أن بلتمان جاهر بمعارضته هذا المسعى، وبضرورة أن تمتنع الصحيفة عن منح منبرٍ لأمثال هؤلاء، غير أنه انطلق في ذلك من رؤيةٍ تعتقد أن من شأن خطوةٍ من هذا القبيل أن تضفي شرعيةً على أفكار آثمة، يدعو ذلك اليمين الديني المتطرّف إلى تطبيقها إزاء الفلسطينيين، وفي مقدمها الترانسفير والتطهير العرقيّ. وبذلك تجاهل أن تلك الأفكار كانت بمثابة مسلمّاتٍ ذهنية وبنيوية لدى ذلك "اليسار".
في أكثر من مناسبة سابقة، نوه صاحب هذه السطور إلى أن "الجدل السياسي" في مجتمع دولة الاحتلال بين هذين الطيفين على وجه التحديد، والذي يرى بعضهم أنه مركزي، يبدو، في الظاهر، كما لو أنه جدلٌ على السياسة العامة التي على المؤسسة السياسية أن تنتهجها إزاء القضية الفلسطينية، لكنه في الباطن جدلٌ على "ما هي الصهيونية"، وما هي الحدود التي يجب أن تقف عندها. وهو جدلٌ بين من يؤمنون بـ"صهيونية الدولة التي قامت في 1948" ومن يؤمنون بـ"صهيونية أرض إسرائيل الكبرى" الممتدة على مناطق فلسطين التاريخية كافة.
وبالنسبة إلى الصنف الأول، تمثل الدولة، في نظره، الهدف، في حين أن الصنف الآخر آمن ولا يزال بأن الصهيونية هي تجديد "صلة تاريخية انقطعت بين شعب إسرائيل وأرض إسرائيل" في المنطقة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وليست الدولة إلا وسيلة لإنجاز هذا التزاوج المُتجدّد، فيما أن الأرض هي القيمة التي يجب عدم التنازل عنها، وألا يقف أمامها أي "خط أخضر".
وتجد داخل المؤمنين بـ"صهيونية الدولة" أشخاصًا كثيرين، متعاطفين مع فكرة "أرض إسرائيل الكبرى"، ويشدّدون على مرجعيّة "الجذور القومية" المزروعة في أراضي الضفة الغربية (يسمونها يهودا والسامرة)، وليس داخل تخوم "الخط الأخضر" فقط، غير أنهم، في موازاة ذلك، يصرّون على أن المسألة التي ينبغي مواجهتها ليست هنا، بل في حسم الاختيار بين تجسيد "كل الحقوق التاريخية"، الذي سيكون ثمنه الحتمي استعباد الشعب الآخر أو طرده، وتجسيد جزء من هذه الحقوق التاريخية، بصورةٍ تتيح إمكان إيجاد فرصةٍ معينةٍ لـ "حل وسط". كما تجد بينهم أشخاصًا لا يوافقون على عرض اليمين الإسرائيلي كل مؤيدي مقاربة التقسيم على أنهم "معسكر السلام". ويؤكد هؤلاء أنه، من الناحية العملية، يؤيد كثيرون منهم التقسيم بالذات، بعد أن يئسوا من إمكان إحراز السلام، ويعلنون على رؤوس الأشهاد أن التقسيم بات سبيلًا وحيدًا لإنقاذ "المشروع الصهيوني" من التلاشي.
هنا، لا بُدّ من استعادة أن ثمة قاسمًا مشتركًا يجمع بين الصنفين، هو التمحور، من ناحية عقائدية، حول فكرة "الحقوق القومية المتخيّلة لليهود" في فلسطين، غير أن الصنف المؤمن بـ"صهيونية الأرض" مستعدٌّ أن "يجازف" بمسألة الحفاظ على الأغلبية اليهودية من أجل مواصلة التمسّك بالأرض التي وراء "الخط الأخضر"، في حين أن الطراز المؤمن بـ"صهيونية الدولة" على استعدادٍ لأن يقسم الأرض، لاعتقاده أن من شأن ذلك أن يحول دون اندثار الدولة اليهودية في وسط أغلبية عربية. هكذا كان الأمر أيضًا لدى صدور القرار الأممي رقم 181 بشأن تقسيم فلسطين من الأمم المتحدة في العام 1947. وهو بطبيعة الحال، استعداد غير ناجم عن قناعة أصحابه بضرورة تلبية الحقوق القومية الفلسطينية التي ما زالت تُنتهك منذ نكبة 1948.
فيما يتعلق بـ"هآرتس"، قد يكون بعضهم نسي حقيقة حثّها على احتلال هضبة الجولان في حرب 1967، وكيفية تعبيرها عن الفرح العارم لدى احتلال القدس الشرقية في تلك الحرب، ما يقتضي العودة إلى بعض التذكير لاحقًا.