الغناء الأردني مظلوم، فلا يعرف الجمهور العربي عنه، سوى أسماء فنانين يعدون على أصابع اليد الواحدة، ولأن ذاكرة الجمهور العربي كذاكرة "الذبابة"، تجد أن معلومة مثل (غناء عازف الربابة الأشهر عبده موسى مع العندليب عبد الحليم حافظ، في قاعة ألبرت هول الملكية في لندن في أمسية واحدة في عام 1967) تفاجئهم.
أو أن يعرفوا أن الأرشيف الغنائي لفنانة مهمة كسميرة توفيق، معظمه من كلمات وألحان أحد رواد الغناء الأردني توفيق النمري، أو أن يكتشفوا أن إحدى أبرز أغاني محمد منير "يا طير يا طاير" هي أغنية أردنية أصيلة الكلام واللحن والغناء للفنان الراحل إسماعيل توفيق.
الجمهور العربي اليوم، لا يعرف من المغنين الأردنيين سوى عمر العبداللات الذي اجتهد طيلة السنوات الماضية ليبقى اسماً عربياً، ساعده على ذلك حسن اختياراته الغنائية بين أغنيات خاصة كـ "يا سعد" و"مرت الأيام" و"ما تركتك" و"ابكي يا عين"، أو الأغنيات التي جددها من الفلكلور كـ "يا حلالي يا مالي".
كذلك الفنانة ديانا كرزون خريجة أول موسم من برنامج اكتشاف المواهب الغنائية على تلفزيون المستقبل، أما باقي الأصوات الأردنية التي ربما وصلت إلى أذن الجمهور العربي فهي التي مرّت عليهم من خلال فورة برامج اكتشاف المواهب في السنوات الخمس الأخيرة، وسرعان ما طوى هذه الأسماء النسيان.
محمد عبده، قال شهادته في منزل الفنان عمر العبداللات عندما زاره قبل أشهر، بعد أن استمع لعمر ولأغنياته الأردنية، واستمع للأغنية الأردنية الفلكلورية الأصيلة، فـ "ابو نورة" يعرف الأغنية الأردنية، ويعرف صولاتها وجولاتها عربياً على امتداد سنوات وجوده على قمة الهرم الغنائي العربي.
في الأردن، دائماً ما يعلق المغنون فشلهم الغنائي على شماعة قلّة الإنتاج، وعدم وجود شركات متخصصة، كما أن "مطربينا" على كثرتهم، لا يجدون من يوجههم أو يهتم بهم فنياً وإعلامياً، وأغلبهم توجهوا إلى الغناء الوطني لإنهم وجدوا بعض المؤسسات تدعم هذا اللون من الغناء في مرحلة ما، حتى بات المغني الأردني لا يغني سوى اللون الحربي! وبات أغلب المغنين لا يدركون الفرق بين الغناء الحربي والغناء الوطني، فهم بالتالي لم يتعرفوا بعد على لون الأغنية الأردنية، وإذا بقوا على هذا المنوال فلن يُسمعوا به أيضاً.
أيضاً.. الفرص التي أتيحت لبعض المواهب الغنائية بالظهور عربياً، لم يستطع معها من شارك في برامج اكتشاف المواهب الغنائية العربية المنتشرة أن يصمد عربياً، إذ بقوا جميعهم على اختلاف اجتهاداتهم، يدورون في حلقة الانتشار محلياً وركزوا عليه، بحيث خسروا تسليط الأضواء عليهم عربياً لفترة ثلاثة أشهر، فلم يستغلوها فعلياً بطريقة صحيحة، ولا هم نجحوا في أن يثبتوا لأنفسهم وللجمهور الأردني قبل العربي أنهم قادرون على الصمود فنياً على مدار العام.
على الجانب الآخر.. استطاعت تجارب أردنية قليلة، بجهد شخصي وبدعم لوجستي إعلامي محدود، أن تصنع لنفسها حيزاً في خريطة الغناء العربي، وهذه الأسماء لا تتعدى أصابع اليدين، فمن بداية التسعينيات لمع أسم الفنان عمر العبداللات عربياً بجهد شخصي، وحتى الآن بقي موجوداً محلياً بغزارة وعربياً كاسم، تلته ديانا كرزون التي استطاعت أن تخطف بريق برنامج "سوبر ستار" في دورته الأولى، وتراوحت فنياً بين مد وجزر، إلى أن عادت تتواجد عربياً بقوة خلال هذا العام، ومعهما الفنان بشار السرحان الذي تألق عربياً ببضع أغنيات صاغ أفكارها المنتج الفني حازم العساف، ولم تطل فترة تألق السرحان الذي اختفى بمجرد أن اختلف مع منتجه الفني العساف، وهذا الأخير سرعان ما أعاد الأغنية الأردنية إلى الوجود عربياً عبر صوت الفنان رامي خليل الذي استطاع خلال ثمانية عشر شهراً أن يصنع لنفسه ألقاً عربياً كبيراً في الدول المحيطة بالأردن، كلبنان وسورية وتونس وفلسطين وشطرٍ من دول الخليج، كالإمارات والكويت وقطر، توجّه بأغنية "صدفه"، فقد بات أقوى فنياً في هذه الدول من بلده الأردن الذي لم يحسن إعلامُه التعامل مع موهبته، قبل أن يقرر الاعتزال نهائياً لعدم وجود فرصة أمامه.