الأفيون الإسرائيلي
بضعة دونمات، هنا أو هناك، يتم الاستيلاء عليها من الجيش الإسرائيلي، لن تشكل مشكلةً، ولن تؤجج هبةً ضد سياسة الحكومة الإسرائيلية، فمتضررون قليلون يتم تخديرهم باحتمالية استطاعتهم استعادة أراضيهم المنهوبة، برفع التماسٍ إلى المحكمة الإسرائيلية، ينتهي دائماً بالرفض، والاستيلاء رسمياً على الأرض بعد عدة أشهر.
كل الدراسات والأبحاث الفلسطينية، وحتى الإسرائيلية، تؤكد أن الاستيطان يتضاعف مع الوقت عشرات الأضعاف عن قبل عشرة أعوامٍ، لكننا، في الوقت نفسه، لا نشعر بذلك على أرض الواقع.
السياسة الإسرائيلية التي تتبعها الإدارة المدنية، التي لن يكون آخرها الاستيلاء على 321 دونماً غرب رام الله ذكية، فهي لا تستولي على الأراضي في المنطقة نفسها، مرتين متتاليتين، في الخليل، وفي رام الله، ثم بيت لحم، ثم التجول في الأغوار على مهل، ولاحقاً بعض الأراضي في القدس، ومنبع ذكائها عدم تأجيجها أي مشكلات سياسية، نظراً لصغر مساحتها التي قد تعتبر، سياسياً، حدثاً عابراً، لكنها في حقيقتها سياسة مدروسة طويلة الأمد، يتم الاستيلاء فيها على مساحات كبيرة من الأراضي. ولكن على مهل.
كما أنها ذكيةً في أسلوبها التمهيدي، ففي البداية، يتم حظرها منطقة تدريبات عسكرية مغلقة، ثم يتم تسييجها، ثم حظر التجول فيها، ويمنع أصحابها من الوصول إليها، إلا بتصاريح خاصةٍ لبعض ملاكها الأصليين، ثم، لاحقاً، تجدها قد أغلقت نهائياً.
في وقت سابق من الشهر الماضي، أكد مسؤولون في مركز أبحاث الأراضي أنّ ادعاء جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدامه مناطق في الضفة الغربية المحتلة لـ"أغراض عسكرية" ليس سوى ذرائع ومبررات سهلة، يسوقها للسيطرة على هذه المناطق، وانتزاعها من أيدي أصحابها الفلسطينيين.
التسهيلات الإسرائيلية التي تعد بها الحكومة الإسرائيلية، بين فينة وأخرى، ليست نابعةً من حسن نية، لكنها خبثٌ ممنهج، يتم به خداع الشعب، والاستمرار في السياسة الاستيطانية بطريقةٍ مختلفة.
في الوقت نفسه، كشفت صحيفة "هآرتس"، يوم الثلاثاء 9 ديسمبر/كانون الأول الماضي، النقاب عن خطة إسرائيلية تقضي بتحويل 35 ألف دونم في الضفة، بعد إعداد الخرائط اللازمة، تعتبرها حكومة إسرائيل "أراضي دولة" لصالح توسيع المستوطنات، لكن الاستيلاء على كل هذه المساحات لن يكون دفعةً واحدة، كما لن يكون في منطقةٍ واحدة، من أجل تجنب حالةِ الغضب لدى الشباب الفلسطيني، الذي قد يثور في ظل أوضاع سياسية، متوترة أصلاً، فيتم امتصاص غضبهم شيئاً فشيئاً.