شهدت السوق المصرية خلال الأشهر القليلة الماضية دخول كميات كبيرة من الأموال الساخنة من قبل المستثمرين الأجانب للاستثمار في أدوات الدين الحكومية وعلى رأسها السندات وأذون الخزانة، وكذا في البورصة، مستفيدة في ذلك من العائد الكبير على هذه الأموال في ظل تحرير سعر صرف الجنيه المصري وانهياره أمام الدولار.
وتباهت الحكومة بدخول استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات عقب تحرير سعر الصرف في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، لكن تحرك هذه الأموال للخروج من السوق بشكل خاطف خلال الأيام الأخيرة، بات يقلق الكثير من خبراء الاقتصاد ومسؤولي القطاع المصرفي، بعد أن اقتنصت مكاسب تصل إلى 200% من أصل رأس المال في أشهر معدودة، ما يفاقم من أزمة النقد الأجنبي في البلاد ويدفع الدولار لموجة صعود أكثر حدة خلال الفترة المقبلة.
وغالباً ما تعد الأموال الساخنة، فائضة عن حاجة المستثمرين في أسواق خارجية، ويتجهون للمضاربة بها في أسواق الدول النامية، بهدف جني أرباح سريعة.
ووفق البيانات الرسمية، شهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة حركة شراء واسعة للأجانب في أذون وسندات الخزانة الحكومية، فضلا عن البورصة، خلال فترة ارتفاع الدولار لنحو 20 جنيهاً، وارتفاع أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة تخطت حاجز 18%.
وأعلن البنك المركزي مؤخراً، أن استثمارات الأجانب في أذون وسندات الخزانة وحدها بلغت نحو 1.2 مليار دولار خلال نوفمبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول 2016 ويناير/كانون الثاني 2017 بنسبة تغطية تجاوزت 900%، فضلا عن ما يقرب من نصف مليار دولار في البورصة.
وأذون الخزانة هي أداة استدانة حكومية يتراوح أجلها بين 3 أشهر وعام، بينما تصل آجال السندات من سنة إلى خمس سنوات.
وما يقلق خبراء الاقتصاد ومسؤولين في القطاع المصرفي أن هؤلاء المستثمرين يتجهون للخروج من السوق في وقت يشهد فيه سعر الدولار تراجعاً بنحو 25% عن فترة دخولهم السوق، بعد أن انخفض إلى نحو 15.70 جنيها مقابل 20 جنيها، ما يعني أنهم حققوا مكاسب من فروق سعر الصرف فقط بهذه النسبة، فضلا عما حققوه من عائد يصل أيضا إلى 18% عبر شراء أذون الخزانة الحكومية قصيرة الأجل، ومكاسب تفوق هذه المعدلات في البورصة.
وقال هاني توفيق، رئيس الجمعية المصرية للاستثمار سابقاً لـ"العربي الجديد"، إن الوضع الحالي ينذر بكارثة، ويجب على البنك المركزي وضع ضوابط لمنع دخول الأموال الساخنة في ظل أجواء عدم الاستقرار الاقتصادي.
وأضاف توفيق : "مؤسسات مالية كثيرة أدخلت مئات الملايين من الدولارات وقت أن كان سعر صرف الدولار يتراوح بين 19 و20 جنيها، والآن تواصل عمليات البيع بسعر 15 جنيها في المتوسط للاستفادة من فروق الأسعار والفائدة على استثماراتها".
وقال وائل النحاس، الخبير الاقتصادي ومحلل أسواق المال: "أتعجب من المسؤولين الذين تغنوا بجذب البورصة وأذون الخزانة استثمارات الأجانب الساخنة باعتبار أن ذلك علامة ثقة في الاقتصاد المصري، بينما هي أموال مضاربة يجري استغلالها في الدول التي تعاني من عدم استقرار لتحقيق مكاسب كبيرة وسريعة".
وأشار إلى أن هناك دولا عدة، خاصة في أوروبا تجرم دخول الأموال الساخنة وتمنعها بشتى الطرق، والبلدان التي ترغب في تأمين نفسها من الأموال الساخنة، تتجه بطرح أوعية استثمارية محددة وتضع قواعد تقلل من أثر خروج هذه الأموال من السوق من خلال الاتفاق على سعر صرف عند الخروج يقلل من الآثار السلبية على الاقتصاد ويقلص مكاسب تلك المؤسسات، مما يدفعها نحو الاستثمار طويل الأجل.
وقال: "للأسف الأجانب يمكنهم استدعاء أموالهم من أذون الخزانة فيما يعرف بـ"call option" بخسارة 1% فقط من سعر الفائدة واستعادة رأس المال، وهو نظام يمكن أن يضع أعباءً كبيرة على الدولة التى ستكون مطالبة برد تلك الأموال".
وقدر مكاسب الأجانب خلال الأشهر الثلاثة الماضية بنحو 200% من رأس المال، بخلاف قيمة رأس المال الذى سيتم استرداده سواء من انتهاء أجل أدوات الدين قصيرة الأجل أو تسييلها وكذلك بيع الأسهم في البورصة.
وقالت بسنت فهمي الخبيرة المصرفية وعضو البرلمان: "لم نتعلم من أخطائنا، فقد تسببت الأموال الساخنة بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011 في ضربة للاقتصاد المصري بخروجها السريع، وهوى احتياطي النقد الأجنبي بسبب عدم وجود ضوابط لخروج هذه الأموال".
وأضافت: "البورصة خسرت الأسبوع الماضي 11 مليار جنيه بسبب حصد أصحاب الأموال الساخنة مكاسبهم، فوضع الاقتصاد الحالي لا يسمح بوجود تلك الاستثمارات، وإنما يجب التركيز على الاستثمار التنموي طويل الأجل".