13 أكتوبر 2024
الإخوان... ما بعد نقد الذات
ربما تعد الوثيقة التي أفرجت عنها، أخيرا، جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بعنوان "تقييمات ما قبل الرؤية"، إحدى أهم الوثائق، وأكثرها جرأة، في تاريخ الجماعة في مصر، لما تضمنته من شجاعة واضحة، ومنظور صارم في نقد الذات، ومراجعة مسار الجماعة في الأعوام الأخيرة.
المراجعة، وإن كانت حدّدت مهمتها في الأعوام الستة الأخيرة (أي منذ ثورات الربيع العربي) إلا أنّها أخذت مدى أبعد في متابعة ورصد أهم السلبيات التي تراكمت، مع مسيرة الجماعة خلال العقود الماضية، ثم انفجرت في وجهها، وأصبحت واضحة، بعدما وقعت الثورات الشعبية، وانتقلت الجماعة من مواقع المعارضة إلى الحكم.
تطرّقت الوثيقة المكثفة والمختصرة إلى قضايا نقدية عديدة، كانت تعيش الجماعة تجاهها حالة إنكار، مثل: الخلط بين عمل الجماعة والحزب، وبين الدعوي والسياسي، وبين مجالات العمل العام، فيصبح الواعظ سياسياً، وضعف تأهيل الكوادر السياسية في الجماعة، وضعف العمل الحزبي المحترف، وغياب التنظير السياسي الواقعي، وعدم الاهتمام بالتخصّصات التي تهتم بها الدولة، والخلط بين دور الجماعة ودور الدولة، وفشل الخطاب الإعلامي للجماعة والحزب... إلخ، والفشل في إدراك كنه المرحلة الانتقالية، والارتباك في التعامل مع حيثيات الثورة، ومع المؤسسة العسكرية، ومع القوى السياسية الأخرى، والوقوع في فخ الأخونة... إلخ.
السؤال الآن؛ ماذا بعد هذه الوثيقة العميقة؟ من الواضح أن هنالك أوراقاً أخرى في الطريق، كما يشي السياق الذي تم الإعلان فيه عنها، لكن الأهم من هذا وذاك هو كيف تتم ترجمة تلك الأفكار على أرض الواقع؟ وكيف سيتم عكسها تنظيمياً وأيديولوجياً وسياسياً، وهي أفكارٌ تستبطن، في مداها العميق، بعداً ثورياً يستوجب إعادة صوغ الجماعة نفسها، بل والتفكير في جدوى بقائها بسماتها الحالية، ضمن منظومة الأفكار التي تأسّست عليها، وتتضمن التأكيد على شمولية أهدافها، وجمعها بين الأبعاد الدعوية والسياسية من جهة، والسعي إلى إقامة الدولة الإسلامية من جهة أخرى، وهي التي قادت الجماعة إلى الوقوع في الفخ في المرحلة الانتقالية، ومكّنت التيار العقائدي، الأيديولوجي- التنظيمي من الإمساك بزمام الأمور، وتوريطها في رهاناتٍ سياسية خاسرة.
بالضرورة لن تكتمل الرؤية- الوثيقة السابقة إلا بنقد مماثل، وعلى الوزن الجريء نفسه تجاه رهانات الجماعة وأخطائها الاستراتيجية الكبرى، بعد وقوع الانقلاب العسكري، وعدم إدراكها موازين القوى الداخلية والإقليمية والدولية التي خدمت أجندة الانقلاب، وأضعفت قدرة الجماعة على فرملة مشروع الثورة المضادة.
ما ينطبق على "الإخوان" المصريين، قد يكون قريباً، بصور وصيغ مختلفة، مما حدث مع الإخوان الأردنيين والسوريين والعراقيين واليمنيين، الذين دخلوا في صراعاتٍ وصداماتٍ داخلية، وأصبحوا أكثر ضعفاً وتفككاً، وخرجت من رحم جماعة الإخوان في الأردن أحزابٌ جديدة، وخسرت الجماعة كفاءاتٍ كبيرة بسبب التحجّر ورفض النقد والتغيير وتصحيح المسار.
على الطرف المقابل، وبصورة مغايرة تماماً، قد نقرأ التجربة الإسلامية المغاربية التي كانت أكثر جرأةً في مواجهة الذات، وفي القفز إلى مربعات جديدة، وعدم التحجّر عند الأطر التقليدية، وكان آخر تلك التطورات إعلان زعيم حزب النهضة الإسلامي، راشد الغنوشي، ثم مجلس شورى الحزب، عن التحوّل إلى حزب سياسي مدني بالكلية، والفصل الكامل بين المهمات الدعوية (تترك للمجتمع المدني)، والمهمات السياسية الاحترافية للحزب السياسي. ولا يبعد عن هذا المسار حزب العدالة والتنمية المغربي الذي فصل مبكراً بين المهمات الدعوية والسياسية، وقطع النصف الآخر من الطريق من الأيديولوجيا إلى البراغماتية والواقعية السياسية، ونظّر رئيس الوزراء المكلف الحالي، سعد الدين العثماني، قبل أعوام، لفقهٍ سياسيٍّ جديد، يقوم على التحول إلى حزب برامجي، والتخلي عن الشعارات السابقة، وعدم الاتكاء فقط على العواطف الدينية في التعامل مع المجال السياسي.
إذاً ليس المطلوب من الإسلاميين المشارقة القفز إلى المجهول، بل الاستفادة من التجربة المغاربية، وعدم الوقوف العاطفي والنفسي والفكري عند حدود صدمة ما بعد الانقلاب العسكري، فالمطلوب اجتراح تفكيرٍ جديد للخروج من أخطر مأزق تاريخي، يقع فيه مشروع الإسلام السياسي المشرقي، أو ربما بعبارةٍ أخرى الانتفاضة على الذات، والخروج من الإطار التقليدي للإسلام السياسي، كما فعل الأتراك سابقاً، قبل قرابة عقد ونصف العقد، مع تجربة "العدالة والتنمية"، قبل أن تقع، هي الأخرى، أسيرة لشخصية أردوغان.
المراجعة، وإن كانت حدّدت مهمتها في الأعوام الستة الأخيرة (أي منذ ثورات الربيع العربي) إلا أنّها أخذت مدى أبعد في متابعة ورصد أهم السلبيات التي تراكمت، مع مسيرة الجماعة خلال العقود الماضية، ثم انفجرت في وجهها، وأصبحت واضحة، بعدما وقعت الثورات الشعبية، وانتقلت الجماعة من مواقع المعارضة إلى الحكم.
تطرّقت الوثيقة المكثفة والمختصرة إلى قضايا نقدية عديدة، كانت تعيش الجماعة تجاهها حالة إنكار، مثل: الخلط بين عمل الجماعة والحزب، وبين الدعوي والسياسي، وبين مجالات العمل العام، فيصبح الواعظ سياسياً، وضعف تأهيل الكوادر السياسية في الجماعة، وضعف العمل الحزبي المحترف، وغياب التنظير السياسي الواقعي، وعدم الاهتمام بالتخصّصات التي تهتم بها الدولة، والخلط بين دور الجماعة ودور الدولة، وفشل الخطاب الإعلامي للجماعة والحزب... إلخ، والفشل في إدراك كنه المرحلة الانتقالية، والارتباك في التعامل مع حيثيات الثورة، ومع المؤسسة العسكرية، ومع القوى السياسية الأخرى، والوقوع في فخ الأخونة... إلخ.
السؤال الآن؛ ماذا بعد هذه الوثيقة العميقة؟ من الواضح أن هنالك أوراقاً أخرى في الطريق، كما يشي السياق الذي تم الإعلان فيه عنها، لكن الأهم من هذا وذاك هو كيف تتم ترجمة تلك الأفكار على أرض الواقع؟ وكيف سيتم عكسها تنظيمياً وأيديولوجياً وسياسياً، وهي أفكارٌ تستبطن، في مداها العميق، بعداً ثورياً يستوجب إعادة صوغ الجماعة نفسها، بل والتفكير في جدوى بقائها بسماتها الحالية، ضمن منظومة الأفكار التي تأسّست عليها، وتتضمن التأكيد على شمولية أهدافها، وجمعها بين الأبعاد الدعوية والسياسية من جهة، والسعي إلى إقامة الدولة الإسلامية من جهة أخرى، وهي التي قادت الجماعة إلى الوقوع في الفخ في المرحلة الانتقالية، ومكّنت التيار العقائدي، الأيديولوجي- التنظيمي من الإمساك بزمام الأمور، وتوريطها في رهاناتٍ سياسية خاسرة.
بالضرورة لن تكتمل الرؤية- الوثيقة السابقة إلا بنقد مماثل، وعلى الوزن الجريء نفسه تجاه رهانات الجماعة وأخطائها الاستراتيجية الكبرى، بعد وقوع الانقلاب العسكري، وعدم إدراكها موازين القوى الداخلية والإقليمية والدولية التي خدمت أجندة الانقلاب، وأضعفت قدرة الجماعة على فرملة مشروع الثورة المضادة.
ما ينطبق على "الإخوان" المصريين، قد يكون قريباً، بصور وصيغ مختلفة، مما حدث مع الإخوان الأردنيين والسوريين والعراقيين واليمنيين، الذين دخلوا في صراعاتٍ وصداماتٍ داخلية، وأصبحوا أكثر ضعفاً وتفككاً، وخرجت من رحم جماعة الإخوان في الأردن أحزابٌ جديدة، وخسرت الجماعة كفاءاتٍ كبيرة بسبب التحجّر ورفض النقد والتغيير وتصحيح المسار.
على الطرف المقابل، وبصورة مغايرة تماماً، قد نقرأ التجربة الإسلامية المغاربية التي كانت أكثر جرأةً في مواجهة الذات، وفي القفز إلى مربعات جديدة، وعدم التحجّر عند الأطر التقليدية، وكان آخر تلك التطورات إعلان زعيم حزب النهضة الإسلامي، راشد الغنوشي، ثم مجلس شورى الحزب، عن التحوّل إلى حزب سياسي مدني بالكلية، والفصل الكامل بين المهمات الدعوية (تترك للمجتمع المدني)، والمهمات السياسية الاحترافية للحزب السياسي. ولا يبعد عن هذا المسار حزب العدالة والتنمية المغربي الذي فصل مبكراً بين المهمات الدعوية والسياسية، وقطع النصف الآخر من الطريق من الأيديولوجيا إلى البراغماتية والواقعية السياسية، ونظّر رئيس الوزراء المكلف الحالي، سعد الدين العثماني، قبل أعوام، لفقهٍ سياسيٍّ جديد، يقوم على التحول إلى حزب برامجي، والتخلي عن الشعارات السابقة، وعدم الاتكاء فقط على العواطف الدينية في التعامل مع المجال السياسي.
إذاً ليس المطلوب من الإسلاميين المشارقة القفز إلى المجهول، بل الاستفادة من التجربة المغاربية، وعدم الوقوف العاطفي والنفسي والفكري عند حدود صدمة ما بعد الانقلاب العسكري، فالمطلوب اجتراح تفكيرٍ جديد للخروج من أخطر مأزق تاريخي، يقع فيه مشروع الإسلام السياسي المشرقي، أو ربما بعبارةٍ أخرى الانتفاضة على الذات، والخروج من الإطار التقليدي للإسلام السياسي، كما فعل الأتراك سابقاً، قبل قرابة عقد ونصف العقد، مع تجربة "العدالة والتنمية"، قبل أن تقع، هي الأخرى، أسيرة لشخصية أردوغان.