أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر حكماً يقضي بالحق في الإضراب السلمي، وصف الإضراب بأنه حق وليس منحة، وهو حكم يتفق مع ما جاء في دستورعامي 2012 و2014 كما جاء في حيثيات الحكم. هذه الأحكام تمثل انتصاراً للعمال وسنداً قانونياً يمكن القياس عليه في حالات مماثلة. إلا أن ذات المحكمة جرمت الإضراب من قبل، بل طالبت بتوقيع عقوبات كالفصل أو الحرمان من الترقيات، واستندت في حكمها بالتجريم إلى نصوص فقهية إسلامية، فالكف عن الإضراب في عرفها "درء للمفاسد". أما الإضراب فحرام شرعاً في فقه وقانون الدولة التي تشرع وترسخ الاستبداد بكل الوسائل نص القانون ونصوص الأديان. العمال مفسدون في الأرض، مطالبهم أنانية وتضر المجتمع ككل، هذا ملخص رؤية الدولة ومحاكمها ووسائل الإعلام المملوكة لأصحاب ولكبار رجال الأعمال.
حق مشروع
تجدد على أثر الحكم الأخير النقاش حول الإضراب وموقف السلطة منه، ومدى مشروعية الإضراب قانونياً، الثابت دستورياً أن الإضراب حق مشروع ينظمه القانون، وقد أقره الدستور المصري واستجاب للشعار الذي رفعته الحركة العمالية المصرية "الإضراب مشروع ضد الفقر وضد الجوع" لكن القوانين المصرية غالباً ما تُوضع لتصادر هذا الحق حتى من قبل دستوري 2012 و2014. ويأتي المشرع بنصوص تعرقل الحق الأصيل في الإضراب بحجة الحفاظ على المصلحة العامة. دعائياً، يتهم العمال المضربون عن العمل بالتخريب واللجوء إلى الفوضى وتعطيل عجلة الإنتاج. وتهاجم السلطات على تنوعها الإضرابات بدعوى أنها عرقلة لمسيرة الإنتاج، وتدعي السلطات العربية الحاكمة أن الحركات العمالية لها طابع فئوي وانتهازي ضيق الأفق بينما الحقيقة أن العمال لا يضربون ولا يعتصمون في أغلب الحالات، إلا حين تسد كل طرق التفاوض مع أصحاب العمل وحين تغلق الأبواب الأخرى للمطالبة بحقوقهم. وحين لا يحصل العمال على حقوقهم، فمن المنطقي أن يمتنعوا عن العمل. لكن الدولة وأصحاب رأس المال مازالوا يستنكرون على العمال حقهم في الإضراب عن العمل.
اتهام آخر يوجه للعمال، وهو أنهم محرضون من قوى سياسية أو قوى خارجية. يتناسى أصحاب الاتهامات كل الأحوال المعيشية التي تدفع إلى الإضراب. فالأجور لا تتناسب دوماً مع مستوى الارتفاع المستمر في الأسعار.
أما فيما يخص اتهامات السلطة بأن العمال أنانيون، ومطالبهم فئوية، فتتناسى السلطات الحاكمة أن المطالب الاقتصادية بزيادة الأجر أو صرف الحوافز ليست هي المطالب الوحيدة التي تقف خلف الإضرابات، فمقاومة الفساد والمطالبة بإقالة مديري الشركات الذين يهدرون المال العام والتصدي لمخططات تقليص الإنتاج وتصفية أو غلق الشركات، مطالب يرفعها العمال المضربون في الكثير من حالات الاحتجاج. وتحتل مطالب الصحة المهنية والأمن الصناعي جانب آخر من أسباب الإضرابات العمالية. تتصف الحركة العمالية بالوطنية بعكس ما تدعي السلطة أنها تابعة لقوى خارجية، حيث تلتقي طموحاتها في تغيير أوضاعها مع حركة فئات الشعب الذي يثور من أجل تغيير النظام.
لا يزحزح موقف تعنت الدولة تجاه الحركة العمالية، إلا نضال العمال أنفسهم وانتزاعهم للحق في الإضراب عبر ممارسة هذا الحق، وهذا الكفاح هو ما يجعل النص القانوني ينصاع لقوة الحركة العمالية.
الدولة منحازة إلى رأس المال بلا شك، ليس بالقانون وحسب ولكن بقوة مؤسسات القمع. غالباً ما نرى مشهد حصار الشركات التي يضرب عمالها حين تكون المنشأة مملوكة لأحد رجال الأعمال الكبار، ويتجاور مع الحصار ممارسة ضغوط شديدة على قيادات العمال، كالتهديد بالحبس والاحتجاز. وتحرص الجهات الأمنية على أن تكون حاضرة بل وطرفا في التفاوض مع العمال وأصحاب الشركات. إن كسر الإضراب والتأثير على قيادات العمال وتقسيمهم وتفتيت صفوفهم هدف مشترك لأجهزة الأمن وأصحاب المصانع. هل بعد هذه الممارسات التي نعرفها يمكن أن نصف الدولة وأجهزتها بالحياد. إن الإضراب حق بديهي لأن العامل لن يستمر بالعمل دون الحصول على مستحقاته.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)
اقرأ أيضاً:الانتخابات والسياسات الاقتصادية
حق مشروع
تجدد على أثر الحكم الأخير النقاش حول الإضراب وموقف السلطة منه، ومدى مشروعية الإضراب قانونياً، الثابت دستورياً أن الإضراب حق مشروع ينظمه القانون، وقد أقره الدستور المصري واستجاب للشعار الذي رفعته الحركة العمالية المصرية "الإضراب مشروع ضد الفقر وضد الجوع" لكن القوانين المصرية غالباً ما تُوضع لتصادر هذا الحق حتى من قبل دستوري 2012 و2014. ويأتي المشرع بنصوص تعرقل الحق الأصيل في الإضراب بحجة الحفاظ على المصلحة العامة. دعائياً، يتهم العمال المضربون عن العمل بالتخريب واللجوء إلى الفوضى وتعطيل عجلة الإنتاج. وتهاجم السلطات على تنوعها الإضرابات بدعوى أنها عرقلة لمسيرة الإنتاج، وتدعي السلطات العربية الحاكمة أن الحركات العمالية لها طابع فئوي وانتهازي ضيق الأفق بينما الحقيقة أن العمال لا يضربون ولا يعتصمون في أغلب الحالات، إلا حين تسد كل طرق التفاوض مع أصحاب العمل وحين تغلق الأبواب الأخرى للمطالبة بحقوقهم. وحين لا يحصل العمال على حقوقهم، فمن المنطقي أن يمتنعوا عن العمل. لكن الدولة وأصحاب رأس المال مازالوا يستنكرون على العمال حقهم في الإضراب عن العمل.
اتهام آخر يوجه للعمال، وهو أنهم محرضون من قوى سياسية أو قوى خارجية. يتناسى أصحاب الاتهامات كل الأحوال المعيشية التي تدفع إلى الإضراب. فالأجور لا تتناسب دوماً مع مستوى الارتفاع المستمر في الأسعار.
أما فيما يخص اتهامات السلطة بأن العمال أنانيون، ومطالبهم فئوية، فتتناسى السلطات الحاكمة أن المطالب الاقتصادية بزيادة الأجر أو صرف الحوافز ليست هي المطالب الوحيدة التي تقف خلف الإضرابات، فمقاومة الفساد والمطالبة بإقالة مديري الشركات الذين يهدرون المال العام والتصدي لمخططات تقليص الإنتاج وتصفية أو غلق الشركات، مطالب يرفعها العمال المضربون في الكثير من حالات الاحتجاج. وتحتل مطالب الصحة المهنية والأمن الصناعي جانب آخر من أسباب الإضرابات العمالية. تتصف الحركة العمالية بالوطنية بعكس ما تدعي السلطة أنها تابعة لقوى خارجية، حيث تلتقي طموحاتها في تغيير أوضاعها مع حركة فئات الشعب الذي يثور من أجل تغيير النظام.
لا يزحزح موقف تعنت الدولة تجاه الحركة العمالية، إلا نضال العمال أنفسهم وانتزاعهم للحق في الإضراب عبر ممارسة هذا الحق، وهذا الكفاح هو ما يجعل النص القانوني ينصاع لقوة الحركة العمالية.
الدولة منحازة إلى رأس المال بلا شك، ليس بالقانون وحسب ولكن بقوة مؤسسات القمع. غالباً ما نرى مشهد حصار الشركات التي يضرب عمالها حين تكون المنشأة مملوكة لأحد رجال الأعمال الكبار، ويتجاور مع الحصار ممارسة ضغوط شديدة على قيادات العمال، كالتهديد بالحبس والاحتجاز. وتحرص الجهات الأمنية على أن تكون حاضرة بل وطرفا في التفاوض مع العمال وأصحاب الشركات. إن كسر الإضراب والتأثير على قيادات العمال وتقسيمهم وتفتيت صفوفهم هدف مشترك لأجهزة الأمن وأصحاب المصانع. هل بعد هذه الممارسات التي نعرفها يمكن أن نصف الدولة وأجهزتها بالحياد. إن الإضراب حق بديهي لأن العامل لن يستمر بالعمل دون الحصول على مستحقاته.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)
اقرأ أيضاً:الانتخابات والسياسات الاقتصادية