14 سبتمبر 2024
الإعلام "السرّي" المصري
شُغلت صفحة على موقع فيسبوك، تهتم بالتحقق من صحة الأخبار والمعلومات المتداولة عبر وسائل الإعلام، بمعلومات مغلوطة وملفقة قالتها مذيعة مصرية في برنامجها، ونشرت تفنيدا مطولا لما قالته (أو كذّبته). ولكن اللافت في الردود على المنشور أن غالبية المعلقين استغربوا انهماك الصفحة بمتابعة هذا البرنامج، والرد على مغالطاته، لأن هذا البرنامج لا يشاهده ولا يهتم به أحد. وبالفعل، بعد جولة سريعة على فيديوهات البرنامج على "يوتيوب"، يتأكد هذا الانطباع، إذ لا تحصل تلك الفيديوهات إلا على بضع مئات من المشاهدات، حتى إن أحدها كان يحمل عنوانا زاعقا، يتحدّث عن "فضح مخطط الإخوان الإرهابية لإحداث الفوضى بمصر" إلا أنه لم يحصد سوى 500 مشاهدة، فضلا عن أنه عنوان تكرّر آلاف المرّات من إعلاميين آخرين في الأعوام السابقة. ويبدو أن لا أحد في هذا الإعلام مقتنع بأن الجمهور ملّ من تكرار نغمة "الإخوان"، وتحميلهم سبب المشكلات التي يعانون منها.
كانت هذه المذيعة قد أجبرت على التوقف عن العمل مدة طويلة، ولم ينتبه أحد لعودتها، ولا يأبه أحد الآن لما تقوله من خزعبلات. وهو ما تكرّر مع مذيع آخر في القناة نفسها، كان قد منع من العمل أيضا فترة، قبل أن يعود ببرنامج لا يختلف عن برنامج المذيعة، لكنه ملأ "يوتيوب" بمقاطع من برنامجه، جميعها تحمل اسمه، بالإضافة إلى كلمة "يفضح" مع وصلات ردح لمعارضي النظام داخليا وخارجيا، لكن أرقام مشاهدة تلك المقاطع لم تختلف في تعاستها عن أرقام زميلته المذيعة.
تكرّر الأمر نفسه مع إغلاق قناة "الناس" الفضائية، التي كانت سلفيةً، قبل أن تسيطر عليها الدولة، وتحولها إلى نسخة أزهرية، إذ لم ينتبه أحد لها إلا عند سماع خبر إغلاقها المفاجئ. كما لم يهتم أحد بخبر إغلاق قناة "TEN" الفضائية، ولا خبر عودتها إلى البث، إلا لأن مذيعا فيها أصبح مادة للتندّر والسخرية في برنامج "جو شو" على شاشة تلفزيون العربي. وانشغل البرنامج وقتها في البحث عن بديلٍ لهذا المذيع، لأن غيابه سيسبب نقصا في مادة البرنامج، خصوصا بعد توقف مذيع آخر في وقت سابق عن العمل، وكان أيضا مادّة للسخرية في البرنامج، وهو أمر يُسعد هؤلاء المذيعين، لأنه يجعلهم مشهورين، حتى إذا كانت تلك الشهرة سلبية، أو مرتبطة بالفضائح والسخرية والانتقادات اللاذعة.
الجديد هو وقف برنامج كان يقدمه توفيق عكاشة، وهو أمرٌ مدهش، لأن الأخير خبا نجمه بسرعة الصاروخ، حتى إن أحدا لم يهتم بخبر الإيقاف، بل كانت الدهشة من معرفة أنه لا يزال يقدّم
برنامجا، حتى إن مفكّرا مؤيدا للنظام التقط هذا الأمر، وكتب، قبل أكثر من عام، أن عكاشة لم يبق أمامه "سوى أن يخلع ملابسه تماما أمام الكاميرا حتى يصل إلى عدد الذين كانوا يتابعونه قبل سنوات". وأضاف "وحتى لو فعل هذا فإن لقطته المفترضة تلك، والمثيرة للاشمئزاز والشفقة، لن تعيد إليه الجمهور سوى ليوم واحد، وبعدها سيعود نسيا منسيا. قواعد اللعبة تغيرت". وبعد اندلاع أزمة المقاول محمد علي، وتعبئة برامج الفضائيات للردّ عليه، وفشلهم في ذلك، واتجاه المصريين إلى قنوات المعارضة لمتابعة الحراك، قال المفكر نفسه إن هذه البرامج لو استمرت 24 ساعة يوميا فلا فائدة منها، لأن الأغلبية الساحقة لا تتابعها.
وبشأن الصحافة المطبوعة، تكرّرت الظاهرة، هذه المرة مع صحيفة الأهالي، التي يصدرها حزب التجمع (الوطني التقدمي الوحدوي)، وهو كيانٌ ديناصوري هو الآخر، لا يتكون سوى من مقرّ وعدة أعضاء. إذ عرفنا أن الصحيفة لا تزال تعمل وتصدر، عندما انتشر خبر يفيد بمصادرة عدد من أعدادها قبل أشهر. والمضحك أن سبب المصادرة لا يرجع إلى مقال أو تحقيق ينتقد السلطة، لا سمح الله، بل لأن الصحيفة كانت تعترض على إصدار عفو عن معتقلين سياسيين، ووصفتهم بأنهم إرهابيون لا ينبغي الإفراج عنهم، أي أنها كانت تزايد على السلطة نفسها! أما انخفاض متابعة الصحف، فظاهرة تشترك فيها جميع الصحف التي وصلت نسب توزيعها إلى أعداد متدنية للغاية.
المؤكد الآن أن إعلام السلطة في مصر أصبح يكلّم نفسه، وأن البرامج السياسية في الفضائيات تبدو كأنها أوكار سرية، من فرط تجاهل الناس وعدم اكتراثهم لها، وهي نتيجة طبيعية للسيطرة المطلقة على الإعلام، وعدم السماح بأي صوتٍ مختلف، فضلا عن احتكار الدولة ملكية جميع وسائل الإعلام تقريبا، حتى الخاصة منها، وهو وضع غير مسبوق في تاريخ الإعلام المصري الذي أصبح إعلاما سرّيا من فرط فشله الذريع.
تكرّر الأمر نفسه مع إغلاق قناة "الناس" الفضائية، التي كانت سلفيةً، قبل أن تسيطر عليها الدولة، وتحولها إلى نسخة أزهرية، إذ لم ينتبه أحد لها إلا عند سماع خبر إغلاقها المفاجئ. كما لم يهتم أحد بخبر إغلاق قناة "TEN" الفضائية، ولا خبر عودتها إلى البث، إلا لأن مذيعا فيها أصبح مادة للتندّر والسخرية في برنامج "جو شو" على شاشة تلفزيون العربي. وانشغل البرنامج وقتها في البحث عن بديلٍ لهذا المذيع، لأن غيابه سيسبب نقصا في مادة البرنامج، خصوصا بعد توقف مذيع آخر في وقت سابق عن العمل، وكان أيضا مادّة للسخرية في البرنامج، وهو أمر يُسعد هؤلاء المذيعين، لأنه يجعلهم مشهورين، حتى إذا كانت تلك الشهرة سلبية، أو مرتبطة بالفضائح والسخرية والانتقادات اللاذعة.
الجديد هو وقف برنامج كان يقدمه توفيق عكاشة، وهو أمرٌ مدهش، لأن الأخير خبا نجمه بسرعة الصاروخ، حتى إن أحدا لم يهتم بخبر الإيقاف، بل كانت الدهشة من معرفة أنه لا يزال يقدّم
وبشأن الصحافة المطبوعة، تكرّرت الظاهرة، هذه المرة مع صحيفة الأهالي، التي يصدرها حزب التجمع (الوطني التقدمي الوحدوي)، وهو كيانٌ ديناصوري هو الآخر، لا يتكون سوى من مقرّ وعدة أعضاء. إذ عرفنا أن الصحيفة لا تزال تعمل وتصدر، عندما انتشر خبر يفيد بمصادرة عدد من أعدادها قبل أشهر. والمضحك أن سبب المصادرة لا يرجع إلى مقال أو تحقيق ينتقد السلطة، لا سمح الله، بل لأن الصحيفة كانت تعترض على إصدار عفو عن معتقلين سياسيين، ووصفتهم بأنهم إرهابيون لا ينبغي الإفراج عنهم، أي أنها كانت تزايد على السلطة نفسها! أما انخفاض متابعة الصحف، فظاهرة تشترك فيها جميع الصحف التي وصلت نسب توزيعها إلى أعداد متدنية للغاية.
المؤكد الآن أن إعلام السلطة في مصر أصبح يكلّم نفسه، وأن البرامج السياسية في الفضائيات تبدو كأنها أوكار سرية، من فرط تجاهل الناس وعدم اكتراثهم لها، وهي نتيجة طبيعية للسيطرة المطلقة على الإعلام، وعدم السماح بأي صوتٍ مختلف، فضلا عن احتكار الدولة ملكية جميع وسائل الإعلام تقريبا، حتى الخاصة منها، وهو وضع غير مسبوق في تاريخ الإعلام المصري الذي أصبح إعلاما سرّيا من فرط فشله الذريع.