05 نوفمبر 2024
الإعلام العراقي المخطوف
لم يكن حادث اختطاف الصحافية العراقية، أفراح شوقي، ثم الإفراج عنها بعد نحو تسعة أيام، إلا انعكاساً لحال الإعلام العراقي المختطف والمخطوف منذ 2003، فهذا الإعلام، ومنذ أن وطئت أقدام المحتل الأميركي، ومعها أقدام المليشيات وفرق الموت، وهو إعلام خاضع لا يمكنه أن يكون إلا تابعاً لحزب أو مليشيا أو حكومة متواطئة مع هذا أو ذاك، فغابت الحقيقة كما غيب فرسان كثيرون من فرسان الإعلام العراقي، بعد أن هجروا المهنة، ولجأوا إلى مهن أخرى أو أوطان بديلة.
عقب الاحتلال الأميركي مباشرة، بدأت سماء بغداد تمطر صحفاً. كنا نشعر بالبهجة، فاليوم لم يعد الحزب الواحد يقود قاطرة الإعلام، وتحرّر الإعلام من قبضة الرقيب، وازدهر سوق الإعلام أيما ازدهار، وبدلاً من أربع صحف يومية حكومية، وصحيفة بابل التي كان يديرها عدي صدام حسين، صارت بغداد تشهد كل يوم ولادة صحيفة، حتى تم إحصاء أكثر من 200 صحيفة ومجلة، يومية ونصف أسبوعية وأسبوعية وشهرية.
لم يدم الأمر طويلا، فبدأت عمليات التصفية تلاحق الإعلاميين في العراق، سواء على يد القوات المحتلة التي استهلت احتلالها للعراق بقصف مكتب "الجزيرة"، ما أدى إلى استشهاد الصحفي طارق أيوب، أو بعد ذلك من أذرع الأحزاب المتنفذة صاحبة المليشيات، والتي شكلت أصلاً نواة الدولة العراقية عقب الاحتلال الأميركي.
سارعت صحف عديدة وقتذاك إلى إغلاق مكاتبها، أو تغيير لهجة خطابها، أو إعلان تبعيتها لهذه الجهة أو تلك، حتى تتخلص من طائلة الملاحقة أو التهديد من هذا الطرف أو ذاك، فصارت صحف تعلن أنها "صدرية"، أي تابعة لتيار مقتدى الصدر، وأخرى تعلن ولاءها للمجلس الأعلى بزعامة الحكيم، وهكذا.
شهد العراق حالةً من الركود الإعلامي، فبعد إغلاق مكتب الجزيرة عام 2005، ثم التضييق على كل صوت إعلامي، حتى لو لم يكن عراقياً، أدى إلى أن يكون الخطاب الإعلامي القادم من بغداد خطاباً ذا رؤيةٍ واحدةٍ، رؤية الحكومة ومن خلفها المليشيات الداعمة لها.
كان جميع من يعمل في الإعلام في عراق ما قبل 2003 يعرف الخط الأحمر، يعرف حدود عمله، أين يبدأ وأين ينتهي، غير أن الأمر، وبعد استفحال أمر المليشيات وفرق الموت وانتشار سطوة الأحزاب الدينية، غاب الخط الأحمر القديم، وظهرت بدلاً من الخط الواحد عشرات الخطوط الحمراء، فأنت لا يمكن أن تكتب شيئاً يعجب جميع المتنفذين، من سلطة دينية أو أحزاب أو مليشيات أو حتى حكومة. وبالتالي، بدأت الحقيقة في العراق تنتحر على مذابح شتى، ومقاصل عدة.
بلغ عدد الصحفيين الذين قتلوا في العراق منذ 2003 وحتى العام الذي انقضى الأسبوع الماضي 445 صحفياً. رقم يكشف حجم البشاعة والجريمة التي مورست في العراق، ليس ضد الصحفيين والإعلاميين، وإنما ضد الحقيقة التي بقيت حبيسةً في شوارع مدن عراقية عدة ومدنها، بعد أن فقدوا الأداة التي يكمن أن توصل صوتهم.
جاءت عملية اختطاف مليشيات متنفذة الصحافية، أفراح شوقي، لتضيف نقطةً سوداء إلى السجل الأسود لاستهداف الإعلام والإعلاميين في العراق، فقد وصلت الوقاحة بهذه المليشيات أن تستخدم سيارات شرطة المرور في الذهاب إلى بيت الضحية، ما حدا برئيس الحكومة، حيدر العبادي، إلى اتهام جهة سياسية نافذة بعملية اختطاف أفراح، وهو كان يعي ويقصد جيداً ما يقول.
توصيف رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، أن جهة سياسية متنفذة هي من يقف وراء اختطاف أفراح شوقي، دقيق، ويعكس الحالة التي وصل إليها العراق، والتي تجبر حتى رئيس الحكومة على الحديث تلميحاً لا تصريحاً، عن جهات لا تختطف الصحفيين في العراق وحسب، وإنما أيضا تختطف العراق كله.
لقد تحوّل الإعلام العراقي وسيلةً بيد السلطة، وبيد المليشيات والأحزاب المتنفذة، ناهيك عن التمويل والدعم الإيراني المفضوح والمكشوف لعشرات من وسائل الإعلام العراقية، أو التي تبث من الأراضي العراقية، حتى صار من غير الممكن أن تجد إعلاما مستقلا في العراق، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في تغييب الحقيقة، وأيضا تصاعد وتيرة الخطابات الطائفية.
تسعة أيام، وأفراح في غياهب سجون المليشيات، وحتى بعد الإفراج عنها لم تجرؤ على التصريح باسم الجهة الخاطفة، بل حتى رئيس الوزراء الذي يعرف من يقف وراء اختطاف أفراح لم يجرؤ على التصريح باسمها، ذاك هو العراق، وذاك حال صحافته وصحفييه.
عقب الاحتلال الأميركي مباشرة، بدأت سماء بغداد تمطر صحفاً. كنا نشعر بالبهجة، فاليوم لم يعد الحزب الواحد يقود قاطرة الإعلام، وتحرّر الإعلام من قبضة الرقيب، وازدهر سوق الإعلام أيما ازدهار، وبدلاً من أربع صحف يومية حكومية، وصحيفة بابل التي كان يديرها عدي صدام حسين، صارت بغداد تشهد كل يوم ولادة صحيفة، حتى تم إحصاء أكثر من 200 صحيفة ومجلة، يومية ونصف أسبوعية وأسبوعية وشهرية.
لم يدم الأمر طويلا، فبدأت عمليات التصفية تلاحق الإعلاميين في العراق، سواء على يد القوات المحتلة التي استهلت احتلالها للعراق بقصف مكتب "الجزيرة"، ما أدى إلى استشهاد الصحفي طارق أيوب، أو بعد ذلك من أذرع الأحزاب المتنفذة صاحبة المليشيات، والتي شكلت أصلاً نواة الدولة العراقية عقب الاحتلال الأميركي.
سارعت صحف عديدة وقتذاك إلى إغلاق مكاتبها، أو تغيير لهجة خطابها، أو إعلان تبعيتها لهذه الجهة أو تلك، حتى تتخلص من طائلة الملاحقة أو التهديد من هذا الطرف أو ذاك، فصارت صحف تعلن أنها "صدرية"، أي تابعة لتيار مقتدى الصدر، وأخرى تعلن ولاءها للمجلس الأعلى بزعامة الحكيم، وهكذا.
شهد العراق حالةً من الركود الإعلامي، فبعد إغلاق مكتب الجزيرة عام 2005، ثم التضييق على كل صوت إعلامي، حتى لو لم يكن عراقياً، أدى إلى أن يكون الخطاب الإعلامي القادم من بغداد خطاباً ذا رؤيةٍ واحدةٍ، رؤية الحكومة ومن خلفها المليشيات الداعمة لها.
كان جميع من يعمل في الإعلام في عراق ما قبل 2003 يعرف الخط الأحمر، يعرف حدود عمله، أين يبدأ وأين ينتهي، غير أن الأمر، وبعد استفحال أمر المليشيات وفرق الموت وانتشار سطوة الأحزاب الدينية، غاب الخط الأحمر القديم، وظهرت بدلاً من الخط الواحد عشرات الخطوط الحمراء، فأنت لا يمكن أن تكتب شيئاً يعجب جميع المتنفذين، من سلطة دينية أو أحزاب أو مليشيات أو حتى حكومة. وبالتالي، بدأت الحقيقة في العراق تنتحر على مذابح شتى، ومقاصل عدة.
بلغ عدد الصحفيين الذين قتلوا في العراق منذ 2003 وحتى العام الذي انقضى الأسبوع الماضي 445 صحفياً. رقم يكشف حجم البشاعة والجريمة التي مورست في العراق، ليس ضد الصحفيين والإعلاميين، وإنما ضد الحقيقة التي بقيت حبيسةً في شوارع مدن عراقية عدة ومدنها، بعد أن فقدوا الأداة التي يكمن أن توصل صوتهم.
جاءت عملية اختطاف مليشيات متنفذة الصحافية، أفراح شوقي، لتضيف نقطةً سوداء إلى السجل الأسود لاستهداف الإعلام والإعلاميين في العراق، فقد وصلت الوقاحة بهذه المليشيات أن تستخدم سيارات شرطة المرور في الذهاب إلى بيت الضحية، ما حدا برئيس الحكومة، حيدر العبادي، إلى اتهام جهة سياسية نافذة بعملية اختطاف أفراح، وهو كان يعي ويقصد جيداً ما يقول.
توصيف رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، أن جهة سياسية متنفذة هي من يقف وراء اختطاف أفراح شوقي، دقيق، ويعكس الحالة التي وصل إليها العراق، والتي تجبر حتى رئيس الحكومة على الحديث تلميحاً لا تصريحاً، عن جهات لا تختطف الصحفيين في العراق وحسب، وإنما أيضا تختطف العراق كله.
لقد تحوّل الإعلام العراقي وسيلةً بيد السلطة، وبيد المليشيات والأحزاب المتنفذة، ناهيك عن التمويل والدعم الإيراني المفضوح والمكشوف لعشرات من وسائل الإعلام العراقية، أو التي تبث من الأراضي العراقية، حتى صار من غير الممكن أن تجد إعلاما مستقلا في العراق، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في تغييب الحقيقة، وأيضا تصاعد وتيرة الخطابات الطائفية.
تسعة أيام، وأفراح في غياهب سجون المليشيات، وحتى بعد الإفراج عنها لم تجرؤ على التصريح باسم الجهة الخاطفة، بل حتى رئيس الوزراء الذي يعرف من يقف وراء اختطاف أفراح لم يجرؤ على التصريح باسمها، ذاك هو العراق، وذاك حال صحافته وصحفييه.