لكنّ ما كان تخبّطاً وعفويّةً في البداية أصبح خطاً تحريرياً له أهدافه الواضحة. هكذا، تجوّل فريق قناة OTV بين المتظاهرين في عدة مناطق محاولاً استصراحهم من دون إظهار شعار المحطة. ولدى معرفة المواطنين اسم القناة، رفضوا التحدث إليها، أو طلبوا منها المغادرة، خصوصاً إثر تحريض القناة على فئة واسعة من اللبنانيين. فقد عمدت إلى القول إنّهم يضربون البلد واقتصاده عبر قطع الطرقات، ودافعت عن السلطة السياسية، تحديداً وزير الخارجية جبران باسيل الذي له اليد الطولى فيها، بل كذّبت المتظاهرين بسبب مأكولاتهم ومشروباتهم خلال الحراك، على اعتبار أنّ ثمنها "مرتفع" فكيف يكونون جياعا؟ وصرخت إحدى مراسلات القناة في وجه متظاهرين يطالبون باستقالة باسيل قائلةً إنّه "يضحي"، من دون أن تقول بماذا ضحّى الرجل. والقناة نفسها التي ترفض مساءلة وزراء ونواب ومسؤولي التيار على اعتبار أنّهم غير فاسدين "حكماً"، بثّت "نكات" سمجة وخبيثة وغير محترمة حول المتظاهرين، وبينها ما قالته الكاتبة سكارليت حداد مباشرةً على الهواء عن ترقبها "لحالات الحمل التي ستنجم عن الحراك".
Twitter Post
|
وفيما تحاول "المنار" تصوير الحراك كمنصّة شتائم ضد "المقاومة"، وتروّج لخطاب "حزب الله" القائل إنّه "يحارب الفساد"، تركّز على الاعتصامات أمام مصرف لبنان في الحمرا، وتشنّ حملتها ضدّ حاكم مصرف لبنان، في إطار حملةٍ موازية للحراك أطلقها الحزب مستغلاً عنوان "#يسقط_حكم_المصرف"، ثم الترويج إلى أنّ قطع الطرقات "عدوان" لأنه "يُهدد أصحاب المحال والعمال ورزقهم"، علماً أنّ اللبنانيين يستطيعون الوصول لعملهم بسهولة إثر فتح طرق موازية وإبقاء المتظاهرين على قطع الأوتوسترادات، بالإضافة إلى أنّ متظاهري الحزب أمام مصرف لبنان في الحمرا يقطعون الطريق لساعات من دون أن يكون ذلك "عدواناً".
محاولات التعبئة والتجييش الكثيفة التي يشنها الإعلام الموالي للعهد وكتائبه الإلكترونيّة برز فيه إعلاميون يحرّضون ضد المتظاهرين وبينهم لانا مدور وعلي مرتضى العاملان في "الميادين"، بعدما كانا يدعمان الحراك، إذ بدّلا روايتهما بعد إطلاق "حزب الله" و"حركة أمل" لمناصريهما في بيروت لبثّ الخوف في نفوس المتظاهرين.
لكنّ القنوات التي تغطّي الحراك بقوة ليست خالية من الأخطاء المهنيّة أيضاً. ويبدو أنّ MTV والجديد وLBCI رضخت لمطالب رئيس الجمهورية، ميشال عون، بتخفيض التغطية واستضافة سياسيين تمهيداً لإعادة برامجها وإيقاف التغطية، بعدما اعتبرت الرئاسة أنّ الإعلام "يشجّع على النزول للتظاهر". وكانت تلك القنوات تكتفي باستصراح المدنيين المتظاهرين ضدّ النظام الطائفي والطبقة السياسية، أصبحت تستصرح مؤيدي الأحزاب والذين يواجهون المتظاهرين ويعتدون عليهم في كثير من الأحيان، ليدافعوا عن رموزهم السياسية. كما عادت لاستقبال السياسيين والمحللين المقرّبين منهم، وبينهم نائب "حزب الله"، حسن فضل الله، الذي اتصلت به قناة "الجديد" فقال إنّه "لا يعرف ما هي مطالب المتظاهرين" وإنّ "لديه وثائق تثبت أنّ حزب القوات هو من حرّض الشارع".
كما بات مراسلو تلك القنوات يقاطعون المواطنين الذين يقابلونهم في الشارع عند الحديث عن الجيش أو ذكر أسماء مسؤولين للقول إنّهم "لا يقبلون بإهانة أحد"، بعدما كانت تخرج شتائم على الهواء في أيام الحراك الأولى من دون إزعاجهم. وحرّض بعض المراسلين على المواطنين الذين أخفوا وجوههم خوفاً من الملاحقة في أماكن سكنهم من قبل أحزاب السلطة المسيطرة، فحاولوا نزعها ووصفهم بـ"المندسين". هذا عدا عن طلب عدد من المراسلين من المواطنين المحتجين فتح الطرقات، فيما لم يكن ذلك يحصل في تغطيات تحرّكات سابقة، كانت تقطع فيها الطرقات وتشلّ البلد.
لكن في مقابل الصحافيين المدافعين عن السلطة خوفاً من سقوطهم معها، كان هناك مَن يؤدّون عملهم بجديّة ويحاولون نقل صورة القمع، فتعرّضوا للقمع أيضاً. وتعرّض فريق "الجديد" في النبطية للاعتداء إثر نقله هجوم أفراد من البلدية على المتظاهرين وضربهم، ما أدى إلى نقل العشرات للمستشفى. كل ذلك، فضلاً عن نقل الكثير من الأخبار الكاذبة والمساهمة في بثّ الخوف في صفوف المواطنين، دفع العديد من المتظاهرين إلى التشديد على ضرورة الثورة على الإعلام وتحريره.
Twitter Post
|
Twitter Post
|