13 سبتمبر 2015
الإعلام المحلي في خدمة الطائفية
إن لم تكن مناطق في المشرق العربي تعيش حالياً في دوامة اقتتال طائفي، فهي تعيش توتيراً طائفياً عالياً، ينذر بانفجارات متباينة، تنقصها شروط موضوعية، حتى تصبح اقتتالا طائفيا. ويبدو أن التجربة تشي بأن الإنكار المستمر لكل الاحتقان ونذر الصدام لم يعد مجدياً، بل ساهم في تضخم الأورام وتمددها تحت حجب النفي. والملاحظ، أيضاً، أن تناقضات اجتماعية وسياسية كثيرة تتلبس لبوس الطائفية في مراحل الاحتقان الطائفي، حتى لو لم تكن، في جوهرها، على صلة بالطوائف والتطييف.
في واقعٍ تقدم فيه النظم نفسها حامية للأقليات وراعية لها، وتقسم فيه الدولة ريعها وفق تقسيمات طائفية، ويقتل فيه الناس لمجرد أنهم من طائفة أخرى، أو محسوبون عليها، تبدو الحدود والمسافات متوهمة، خصوصاً حين يحمل الانفجار الإعلامي كل شاردة وواردة، مما يحدث على مقربة، ويبعث في العامة سؤال الطائفة ويمركزه.
في فلسطين والأردن، الواقعين على تخوم الشد الطائفي، وفي قلب انفجار الإعلام المحلي، صحافة ورقية وتلفزة وإذاعات ومواقع إلكترونية، يبدو المشهد بحاجة إلى التدقيق والمراجعة والتفكير. ماكينة إعلامية محلية ضخمة ومتضخمة، تعتاش على نسب المتابعة وأعداد المشاهدين والزيارات لتقديمها بين يدي الممول والمعلن، تعتاش على الإثارة الإخبارية، وحين تنقصها الأخبار والقضايا والملفات، لا تتأخر في اختراعها وخلقها وتضخيمها، وصفّ الناس حولها وحيالها في جماعات وتكتلات.
وبالنظر إلى الآلية البسيطة لجعل "قضية" ما محل خلاف وجدل وإثارة، في هذه المرحلة تحديداً، يتضح أن أي خبر أو قصة أو تعليق، مثلاً، في وسائل التواصل الاجتماعي يتصل، ولو بطريقة ملفقة، بشبهة طائفية، ينتقل سريعاً عبر إعلام الإثارة ليطرح في الوسائل الإعلامية المحلية العامة، وتستدعى المقولات المبتذلة الزائفة عن طرح الآراء وعرضها، والموضوعية في تقديمها للنقاش العام، والنفس الديمقراطي الذي يحكم التعامل معها، فتتحول شاردة عابرة، لا قيمة لها، ملفاً على مرأى الجميع ومسمعهم. ويكفي أن تنبري إذاعة أو صحيفة مستعينة ببضعة آراء، ليتحول الأمر إلى حديث شارع، يفرض تضخمه مع الوقت، حتى على البعيدين، اتخاذ موقف وإعلان رأي، حتى الآراء الرصينة المدركة هذا المنطق العابث من التوتير الطائفي، وهي تحذر منه، تساهم في دفع النقاش حوله وجعله قضية عامة.
واللافت، أخيراً، أن هذه الوسائل الإعلامية بكل أشكالها، في الأردن وفلسطين تحديداً، باتت ساحة خلفية للصراع الطائفي في المناطق المشتعلة، وتدفع الناس إلى الانخراط قسراً في المواقف الطائفية، كأنهم طرف أساسي في الصراع، ومع بداهة القول إنه لا مبرر لصراعهم الطائفي، ولا أساس له، إلا المواقف والآراء من الصراع الحاصل فعلاً في مناطق أخرى.
المطالبة الدؤوبة بفتح المجال الإعلامي، على اتساعه، وفق أعراف حرية التعبير ورفض الرقابة، يجب أن تظل محكومة بالوعي بالأدوار المناقضة التي قد يلعبها هذا المجال، أو تُلعب فيه تحت شعارات حرية الرأي ورفض الرقابة. وفي ظل مأزق طائفي كالذي تعيشه المنطقة، لا يمكن القبول بجعل الطائفية وشبهاتها، وكل ما تخترع صلة له بها، مادة إثارة إعلامية.
لا يمكن لأحد، اليوم، أن يحلم ويمنّي نفسه بمجتمعات خالية من أي توتير طائفي في المنطقة، وفي هذه المرحلة، وقد لا تبدو المشكلة في بروز توترات طائفية في بيئات محلية مغلقة، بل إن الأزمة وجوهر الإشكال في فقدان المجتمع، بنخبه وعمومه، القدرة على توفير آليات تطويق التوترات الطائفية وحلها.
تفصح الحالة الراهنة عن واقع متعاون ومسهّل لمهمات الحالمين بتفشّي الصراع الطائفي، والذين يتكاثر الزعم بكونهم أقلية شاردة عابرة، وما يبدو مفقوداً، والحالة هذه، هو القدرة على معالجة قضايا طائفية إعلامياً، من دون إكسابها صفة القضايا العامة وخلق اصطفافات حولها، مع وعي تام ودائم بفعالية الإعلام المحلي وأدواره والتزاماته حيال المجتمع.
في واقعٍ تقدم فيه النظم نفسها حامية للأقليات وراعية لها، وتقسم فيه الدولة ريعها وفق تقسيمات طائفية، ويقتل فيه الناس لمجرد أنهم من طائفة أخرى، أو محسوبون عليها، تبدو الحدود والمسافات متوهمة، خصوصاً حين يحمل الانفجار الإعلامي كل شاردة وواردة، مما يحدث على مقربة، ويبعث في العامة سؤال الطائفة ويمركزه.
في فلسطين والأردن، الواقعين على تخوم الشد الطائفي، وفي قلب انفجار الإعلام المحلي، صحافة ورقية وتلفزة وإذاعات ومواقع إلكترونية، يبدو المشهد بحاجة إلى التدقيق والمراجعة والتفكير. ماكينة إعلامية محلية ضخمة ومتضخمة، تعتاش على نسب المتابعة وأعداد المشاهدين والزيارات لتقديمها بين يدي الممول والمعلن، تعتاش على الإثارة الإخبارية، وحين تنقصها الأخبار والقضايا والملفات، لا تتأخر في اختراعها وخلقها وتضخيمها، وصفّ الناس حولها وحيالها في جماعات وتكتلات.
وبالنظر إلى الآلية البسيطة لجعل "قضية" ما محل خلاف وجدل وإثارة، في هذه المرحلة تحديداً، يتضح أن أي خبر أو قصة أو تعليق، مثلاً، في وسائل التواصل الاجتماعي يتصل، ولو بطريقة ملفقة، بشبهة طائفية، ينتقل سريعاً عبر إعلام الإثارة ليطرح في الوسائل الإعلامية المحلية العامة، وتستدعى المقولات المبتذلة الزائفة عن طرح الآراء وعرضها، والموضوعية في تقديمها للنقاش العام، والنفس الديمقراطي الذي يحكم التعامل معها، فتتحول شاردة عابرة، لا قيمة لها، ملفاً على مرأى الجميع ومسمعهم. ويكفي أن تنبري إذاعة أو صحيفة مستعينة ببضعة آراء، ليتحول الأمر إلى حديث شارع، يفرض تضخمه مع الوقت، حتى على البعيدين، اتخاذ موقف وإعلان رأي، حتى الآراء الرصينة المدركة هذا المنطق العابث من التوتير الطائفي، وهي تحذر منه، تساهم في دفع النقاش حوله وجعله قضية عامة.
واللافت، أخيراً، أن هذه الوسائل الإعلامية بكل أشكالها، في الأردن وفلسطين تحديداً، باتت ساحة خلفية للصراع الطائفي في المناطق المشتعلة، وتدفع الناس إلى الانخراط قسراً في المواقف الطائفية، كأنهم طرف أساسي في الصراع، ومع بداهة القول إنه لا مبرر لصراعهم الطائفي، ولا أساس له، إلا المواقف والآراء من الصراع الحاصل فعلاً في مناطق أخرى.
المطالبة الدؤوبة بفتح المجال الإعلامي، على اتساعه، وفق أعراف حرية التعبير ورفض الرقابة، يجب أن تظل محكومة بالوعي بالأدوار المناقضة التي قد يلعبها هذا المجال، أو تُلعب فيه تحت شعارات حرية الرأي ورفض الرقابة. وفي ظل مأزق طائفي كالذي تعيشه المنطقة، لا يمكن القبول بجعل الطائفية وشبهاتها، وكل ما تخترع صلة له بها، مادة إثارة إعلامية.
لا يمكن لأحد، اليوم، أن يحلم ويمنّي نفسه بمجتمعات خالية من أي توتير طائفي في المنطقة، وفي هذه المرحلة، وقد لا تبدو المشكلة في بروز توترات طائفية في بيئات محلية مغلقة، بل إن الأزمة وجوهر الإشكال في فقدان المجتمع، بنخبه وعمومه، القدرة على توفير آليات تطويق التوترات الطائفية وحلها.
تفصح الحالة الراهنة عن واقع متعاون ومسهّل لمهمات الحالمين بتفشّي الصراع الطائفي، والذين يتكاثر الزعم بكونهم أقلية شاردة عابرة، وما يبدو مفقوداً، والحالة هذه، هو القدرة على معالجة قضايا طائفية إعلامياً، من دون إكسابها صفة القضايا العامة وخلق اصطفافات حولها، مع وعي تام ودائم بفعالية الإعلام المحلي وأدواره والتزاماته حيال المجتمع.