09 نوفمبر 2024
الاستفتاء حلاً عربياً
خبر في تونس وآخر في لبنان. الخبر التونسي إعلان الرئيس الباجي قائد السبسي دعمه مشروع قانون يضمن المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة. أما الخبر اللبناني فنقاش لم ينتهِ في شأن إنشاء المحارق حلّا لمشكلة النفايات أم لا. في الخبرين، طرفان متناقضان، لا يفصل بينهما سوى قانون، إن وُجد، أو استفتاء، إذا أردنا التقدّم في تفعيل الدور الشعبي في اتخاذ القرارات المتعلقة به.
في تونس، لا يمكن المرور بشكل عادي على المساواة في الميراث، فبلادٌ أمام محكّ تثبيت جمهوريتها الثانية في انتخابات العام المقبل، تبدو أكثر قدرةً على التحمّل من بلدانٍ أخرى، بفعل رسوخ المنطق الثوري فيها. في وسع تونس المناقشة طويلاً في شأن القانون، وسيجد من يواليه ومن يعارضه، لكنه لن يجد من يحسم النقاش سلباً أو إيجاباً، بفعل ديكتاتوريةٍ ما. تبقى هذه الأهمية التي أبرزتها ثورة 2010 الحامية لأي مستقبل تونسي، مع أن التفكير المدني بالروحية التي عبّر عنها السبسي يبدو أكثر قرباً من التطوّر الاجتماعي للشعوب.
في لبنان، تبدو مشكلة النفايات التي لم يتفتق العقل السياسي اللبناني على استنباط حل لها، سوى عبر إنشاء المحارق، مرعبة، لأن المحارق ليست حلاً لمعالجة النفايات المتراكمة، بدءاً من وجود نفاياتٍ سامّة لم تُعالج، وصولاً إلى إمكانية تعطّل المحرقة لسببٍ ما. نقاشات كثيرة على مستوى المجتمع المدني والجمعيات الأهلية تمّت، من دون مشاركة سياسية، لم تصل إلى نتيجة مقنعة. لا الدولة تراجعت عن المحارق، ولا الجمهور فرض عليها تغيير منطقها. وتبدو هذه المشكلة البيئية من أكثر المشكلات إثارة للذعر الطبي في لبنان.
الحلّ؟ سواء في تونس أو لبنان؟ هو الركون إلى استفتاء شعبي، يسمح فيه للجمهور بالتصريح برأيه على أن يكون حاسماً في هذا الصدد. يبدو الأمر صعباً في لبنان. بالنسبة لكثيرين، أتيحت للشعب فرصة للتغيير الانتخابي، لكنه اختار الانصياع لحزبه وزعيمه، في انتخابات 6 مايو /أيار الماضي، مانحاً إياهم صكّ براءةٍ من كل ما ارتكبوه بحق لبنان واللبنانيين، ورافضاً فكرة التغيير، ومتمسّكاً بالحفاظ على "قديمه". بدا الشعب اللبناني في الانتخابات كأنه يلحس المبرد، وهو ما ظهر بعد الانتخابات، في ظلّ معاناة البلد من مشكلاتٍ جمّة، اقتصادية واجتماعية وسياسية، من دون حسمها إيجاباً.
قد يقول قائل إن "فكرة الاستفتاء في لبنان تحديداً أقرب إلى ممارسة الرشوة في كل حين"، إذ ماذا يضمن ألا تقوم الأحزاب (أو يفرض الزعماء) خياراتها في كل استفتاء، كما في الانتخابات، عبر دفع الأمور إلى تطاحنٍ طائفي، تنتصر به هي، ويخسر الشعب؟ ربما، لكن ذلك لا يعفينا من فكرة الاستفتاء بحدّ ذاتها، كما في فكرة الانتخابات. الوسيلة أساسية، ولو أنها تتّخذ مساراً غير مرغوب به حالياً. في النهاية اسمها "خيارات الناس"، سواء فُرضت بالرشوة او الترهيب أو الترغيب، لأن الوسيلة ذاتها ستكون الطريق لقلب الوقائع الحالية. هذا ما يمكن أن يضمنه الاستفتاء.
حين تسمع عن استفتاءات في سويسرا أو كندا، وقبول الحكومات بها، تدرك أهمية إشراك الشعب بالنقاشات المطروحة للخروج بحلولٍ ما لصالحه. للاستفتاءات أصولها، من مناظراتٍ يومية ونقاشات إعلامية، وصولاً إلى التحشيد. كلها أمور يُمكن أن تفعّل عمل العقل الفردي والجماعي، وتسمح ببناء منهجية تفكيرٍ تعتمد على "ماذا أريده أنا" لا "ماذا يريده الحزب أو الزعيم". منطق التضحية من أجل زعيم أو حزب هو منطق عبودية لا يليق بأي كائن اسمه "إنسان"، لا بل يسمح بتكريس منطق "الأسياد والعبيد" في المجتمعات، وهو ما يستوجب الخلاص منه مرة واحدة ونهائية. يمكن لفكرة الاستفتاء أن تسلك طريقها إلى الحياة، وبعد سنواتٍ، ستُصبح حاجةً ضروريةً لأي مجتمع عربي، وإلا لن يحصل التقدّم.
في تونس، لا يمكن المرور بشكل عادي على المساواة في الميراث، فبلادٌ أمام محكّ تثبيت جمهوريتها الثانية في انتخابات العام المقبل، تبدو أكثر قدرةً على التحمّل من بلدانٍ أخرى، بفعل رسوخ المنطق الثوري فيها. في وسع تونس المناقشة طويلاً في شأن القانون، وسيجد من يواليه ومن يعارضه، لكنه لن يجد من يحسم النقاش سلباً أو إيجاباً، بفعل ديكتاتوريةٍ ما. تبقى هذه الأهمية التي أبرزتها ثورة 2010 الحامية لأي مستقبل تونسي، مع أن التفكير المدني بالروحية التي عبّر عنها السبسي يبدو أكثر قرباً من التطوّر الاجتماعي للشعوب.
في لبنان، تبدو مشكلة النفايات التي لم يتفتق العقل السياسي اللبناني على استنباط حل لها، سوى عبر إنشاء المحارق، مرعبة، لأن المحارق ليست حلاً لمعالجة النفايات المتراكمة، بدءاً من وجود نفاياتٍ سامّة لم تُعالج، وصولاً إلى إمكانية تعطّل المحرقة لسببٍ ما. نقاشات كثيرة على مستوى المجتمع المدني والجمعيات الأهلية تمّت، من دون مشاركة سياسية، لم تصل إلى نتيجة مقنعة. لا الدولة تراجعت عن المحارق، ولا الجمهور فرض عليها تغيير منطقها. وتبدو هذه المشكلة البيئية من أكثر المشكلات إثارة للذعر الطبي في لبنان.
الحلّ؟ سواء في تونس أو لبنان؟ هو الركون إلى استفتاء شعبي، يسمح فيه للجمهور بالتصريح برأيه على أن يكون حاسماً في هذا الصدد. يبدو الأمر صعباً في لبنان. بالنسبة لكثيرين، أتيحت للشعب فرصة للتغيير الانتخابي، لكنه اختار الانصياع لحزبه وزعيمه، في انتخابات 6 مايو /أيار الماضي، مانحاً إياهم صكّ براءةٍ من كل ما ارتكبوه بحق لبنان واللبنانيين، ورافضاً فكرة التغيير، ومتمسّكاً بالحفاظ على "قديمه". بدا الشعب اللبناني في الانتخابات كأنه يلحس المبرد، وهو ما ظهر بعد الانتخابات، في ظلّ معاناة البلد من مشكلاتٍ جمّة، اقتصادية واجتماعية وسياسية، من دون حسمها إيجاباً.
قد يقول قائل إن "فكرة الاستفتاء في لبنان تحديداً أقرب إلى ممارسة الرشوة في كل حين"، إذ ماذا يضمن ألا تقوم الأحزاب (أو يفرض الزعماء) خياراتها في كل استفتاء، كما في الانتخابات، عبر دفع الأمور إلى تطاحنٍ طائفي، تنتصر به هي، ويخسر الشعب؟ ربما، لكن ذلك لا يعفينا من فكرة الاستفتاء بحدّ ذاتها، كما في فكرة الانتخابات. الوسيلة أساسية، ولو أنها تتّخذ مساراً غير مرغوب به حالياً. في النهاية اسمها "خيارات الناس"، سواء فُرضت بالرشوة او الترهيب أو الترغيب، لأن الوسيلة ذاتها ستكون الطريق لقلب الوقائع الحالية. هذا ما يمكن أن يضمنه الاستفتاء.
حين تسمع عن استفتاءات في سويسرا أو كندا، وقبول الحكومات بها، تدرك أهمية إشراك الشعب بالنقاشات المطروحة للخروج بحلولٍ ما لصالحه. للاستفتاءات أصولها، من مناظراتٍ يومية ونقاشات إعلامية، وصولاً إلى التحشيد. كلها أمور يُمكن أن تفعّل عمل العقل الفردي والجماعي، وتسمح ببناء منهجية تفكيرٍ تعتمد على "ماذا أريده أنا" لا "ماذا يريده الحزب أو الزعيم". منطق التضحية من أجل زعيم أو حزب هو منطق عبودية لا يليق بأي كائن اسمه "إنسان"، لا بل يسمح بتكريس منطق "الأسياد والعبيد" في المجتمعات، وهو ما يستوجب الخلاص منه مرة واحدة ونهائية. يمكن لفكرة الاستفتاء أن تسلك طريقها إلى الحياة، وبعد سنواتٍ، ستُصبح حاجةً ضروريةً لأي مجتمع عربي، وإلا لن يحصل التقدّم.