تعتبر إتاحة حقائق الاقتصاد ومؤشرات التنمية أمام المجال العام بمثابة مقياس لالتزام الدول بمبدأ الشفافية والنزاهة. كما يرتبط الحق في معرفة حقائق الوضع الاقتصادي بقضايا الديمقراطية. في حين أن الشفافية في المجال الاقتصادي أداة لصد عمليات النهب ووسيلة من خلالها يمكن إقرار سياسات تنموية تتصف بالعدالة، حيث تؤهل معرفة الموارد الاقتصادية، الجمهور في المجال العام، لوضع واختيار توجهات اقتصادية لصالحهم.
غالباً ما تتوافق حالة الضبابية وإخفاء المؤشرات الاقتصادية مع طبيعة الأنظمة المستبدة التي تطبق نظم اقتصادية يلعب النهب فيها دوراً محورياً، كما تتخذ النظم الفاشلة اقتصادياً من الخداع أداة للتغطية على ذلك الفشل. كما يعكس غياب المعلومات وعدم إتاحتها أو حظرها وتجريم الاطلاع عليها أو نشرها احتمالات كبيرة للفساد.
في الوطن العربي عموماً وفي دول الثورات خصوصاً، تعد إشكالية التنمية الاقتصادية معضلة رئيسية، وتنتهج نظم الحكم لمواجهة حقائق الأزمة أساليب دعائية متنوعة الاتجاهات. فهي في جانب تعتمد خطابا دعائيا يلقي أسباب وتبعات الأزمة على الحراك السياسي والاجتماعي، ومن جانب آخر تحاول تصوير سياساتها ومشاريعها الاقتصادية بأنها طريق التنمية وإصلاح ما أفسده (المتمردون) من جمهور الثورة. لكن في حقيقة الأمر، أغلب تلك المشاريع هي إعادة إنتاج لسياسات النهب الاقتصادي التي سببت الثورة.
وغرض تلك المشروعات هو إعادة السيطرة للفئات الحاكمة، كما يتم توظيفها سياسيا واقتصادياً لعودة سلطتها وإحكامها بما فيها الهيمنة السياسية والاقتصادية. هنا يتخذ الوضع الاقتصادي عدة وظائف، فهو أداة للترويج السياسي وأداة لبث الرعب والتخويف للمعارضين والشعب من أي حراك سياسي، بحجة أن الوضع الاقتصادي المأزوم لا يحتمل تعطل الإنتاج أو لائحة مطالب شعبية جديدة. لذا يعتبر خطاب السلطة حول الأزمة الاقتصادية أداة إخراس للناس.
إذن للاقتصاد والدعاية الاقتصادية الإيجابية والسلبية وظائفها، فهي من جانب تثبيت حكم السلطة الجديدة ما بعد الثورات، ومن جانب آخر توقف الحراك. أما الدعاية الإيجابية فتحاول كسب أرضية من التأييد عبر طرح مشروعات عملاقة لكن مردودها الفعلي غير ملموس.
ممارسات عديدة للدولة المصرية تتسم بعدم النزاهة والشفافية، حيث تصر على إخفاء العديد من بنود الموازنة تحت مسمى بند الرقم الواحد، وهو ما يحرم المجتمع من حقه في معرفة أين تصرف تلك البنود، وبهذه الطريقة ينتفي أي شكل من أشكال الرقابة عليها. إخفاء المعلومات المتعلقة بمؤشرات الاقتصاد أو مداخيل بعض الهيئات الاقتصادية يعد نموذجاً فجاً لغياب النزاهة والشفافية أيضاً، وفي هذا الإطار يبرز عدد من الهيئات الاقتصادية التي لا تعلن عن مواردها أو مصروفاتها وكأنها جزء خارج سياق الدولة أساساً وليست خارج سياق المحاسبة أو الرقابة فحسب.
تتولى تلك الهيئات قيادات من رجال الأجهزة الأمنية وتقع تحت سيطرتهم بجانب هيئات أخرى، تم إحلال قياداتها القديمة من البيروقراطية التقليدية بقيادات أمنية. وقد برز هذا الاتجاه من الإحلال والتغير الإداري منذ حكم مبارك، ولكنه يتزايد الآن. الأمر الذي يشير إلى أن السلطة تريد جمع كل أدوات الهيمنة السياسة والأمنية والاقتصادية في يدها.
قانونيا هناك سلسلة من الاستثناءات التي بدأت تتوسع وتقر مع العديد من القوانين الجديدة التي من المفترض أنها عامة وتطبق على الجميع. تستثنى العديد من أجهزة السلطة من الرقابة المالية وتتمتع في ذات الوقت بالإعفاءات الضريبية، يجني ثمار سياسات الاستثناء تلك رجال أعمال يمثلون عملياً موقع الشراكة في الحكم اقتصادياً وسياسياً.
اللافت للنظر أن هذا المنهج بدأ يتوسع رغم أن أبرز أسباب اندلاع الثورة المصرية هو استشراء الفساد والاستبداد وغياب الشفافية، وقد مثلت حالة إخفاء بيانات الملاحة من الموقع الرسمي لقناة السويس أحد مظاهر السلطوية المصرية التي تعتبر أن حق المعلومات قاصر على الأجهزة السيادية. الثابت أنه لا يوجد دولة تخفي حقيقة مواردها الاقتصادية إلا إذا كانت تريد النهب أو تخشى إعلان إخفاقها أو للسببين معاً.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)
غالباً ما تتوافق حالة الضبابية وإخفاء المؤشرات الاقتصادية مع طبيعة الأنظمة المستبدة التي تطبق نظم اقتصادية يلعب النهب فيها دوراً محورياً، كما تتخذ النظم الفاشلة اقتصادياً من الخداع أداة للتغطية على ذلك الفشل. كما يعكس غياب المعلومات وعدم إتاحتها أو حظرها وتجريم الاطلاع عليها أو نشرها احتمالات كبيرة للفساد.
في الوطن العربي عموماً وفي دول الثورات خصوصاً، تعد إشكالية التنمية الاقتصادية معضلة رئيسية، وتنتهج نظم الحكم لمواجهة حقائق الأزمة أساليب دعائية متنوعة الاتجاهات. فهي في جانب تعتمد خطابا دعائيا يلقي أسباب وتبعات الأزمة على الحراك السياسي والاجتماعي، ومن جانب آخر تحاول تصوير سياساتها ومشاريعها الاقتصادية بأنها طريق التنمية وإصلاح ما أفسده (المتمردون) من جمهور الثورة. لكن في حقيقة الأمر، أغلب تلك المشاريع هي إعادة إنتاج لسياسات النهب الاقتصادي التي سببت الثورة.
وغرض تلك المشروعات هو إعادة السيطرة للفئات الحاكمة، كما يتم توظيفها سياسيا واقتصادياً لعودة سلطتها وإحكامها بما فيها الهيمنة السياسية والاقتصادية. هنا يتخذ الوضع الاقتصادي عدة وظائف، فهو أداة للترويج السياسي وأداة لبث الرعب والتخويف للمعارضين والشعب من أي حراك سياسي، بحجة أن الوضع الاقتصادي المأزوم لا يحتمل تعطل الإنتاج أو لائحة مطالب شعبية جديدة. لذا يعتبر خطاب السلطة حول الأزمة الاقتصادية أداة إخراس للناس.
إذن للاقتصاد والدعاية الاقتصادية الإيجابية والسلبية وظائفها، فهي من جانب تثبيت حكم السلطة الجديدة ما بعد الثورات، ومن جانب آخر توقف الحراك. أما الدعاية الإيجابية فتحاول كسب أرضية من التأييد عبر طرح مشروعات عملاقة لكن مردودها الفعلي غير ملموس.
ممارسات عديدة للدولة المصرية تتسم بعدم النزاهة والشفافية، حيث تصر على إخفاء العديد من بنود الموازنة تحت مسمى بند الرقم الواحد، وهو ما يحرم المجتمع من حقه في معرفة أين تصرف تلك البنود، وبهذه الطريقة ينتفي أي شكل من أشكال الرقابة عليها. إخفاء المعلومات المتعلقة بمؤشرات الاقتصاد أو مداخيل بعض الهيئات الاقتصادية يعد نموذجاً فجاً لغياب النزاهة والشفافية أيضاً، وفي هذا الإطار يبرز عدد من الهيئات الاقتصادية التي لا تعلن عن مواردها أو مصروفاتها وكأنها جزء خارج سياق الدولة أساساً وليست خارج سياق المحاسبة أو الرقابة فحسب.
تتولى تلك الهيئات قيادات من رجال الأجهزة الأمنية وتقع تحت سيطرتهم بجانب هيئات أخرى، تم إحلال قياداتها القديمة من البيروقراطية التقليدية بقيادات أمنية. وقد برز هذا الاتجاه من الإحلال والتغير الإداري منذ حكم مبارك، ولكنه يتزايد الآن. الأمر الذي يشير إلى أن السلطة تريد جمع كل أدوات الهيمنة السياسة والأمنية والاقتصادية في يدها.
قانونيا هناك سلسلة من الاستثناءات التي بدأت تتوسع وتقر مع العديد من القوانين الجديدة التي من المفترض أنها عامة وتطبق على الجميع. تستثنى العديد من أجهزة السلطة من الرقابة المالية وتتمتع في ذات الوقت بالإعفاءات الضريبية، يجني ثمار سياسات الاستثناء تلك رجال أعمال يمثلون عملياً موقع الشراكة في الحكم اقتصادياً وسياسياً.
اللافت للنظر أن هذا المنهج بدأ يتوسع رغم أن أبرز أسباب اندلاع الثورة المصرية هو استشراء الفساد والاستبداد وغياب الشفافية، وقد مثلت حالة إخفاء بيانات الملاحة من الموقع الرسمي لقناة السويس أحد مظاهر السلطوية المصرية التي تعتبر أن حق المعلومات قاصر على الأجهزة السيادية. الثابت أنه لا يوجد دولة تخفي حقيقة مواردها الاقتصادية إلا إذا كانت تريد النهب أو تخشى إعلان إخفاقها أو للسببين معاً.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)