سألني صديقي الإعلامي الشهير عن رأيي فيما صدر عن صندوق النقد الدولي من تعليقات إيجابية بخصوص الاقتصاد المصري في الوقت الحالي، والتي كان أهمها تثبيته لتوقعات النمو للاقتصاد المصري، في مقابل تخفيض توقعات النمو بالنسبة للعديد من الاقتصادات الناشئة والنامية الأخرى.
وبصرف النظر عن أن تثبيت معدلات النمو لا يعد من قبيل الأخبار الإيجابية التي يتعين الاحتفاء بها، إلا أنني أوضحت له أن تعليقات الصندوق الصادرة الأسبوع الماضي لا يتعين أن تؤخذ على محمل الجد. فأولاً هي تأتي وسط أجواء احتفالية، تشهدها اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين كل عام، حيث يحرص الجميع على عدم الإعلان عن أخبار سيئة تفسد فرحة الحاضرين وتقلل من استمتاعهم بتلك الأجواء.
ومن ناحية أخرى، فبالتأكيد أننا لن نسمع كلمة واحدة سلبية من الصندوق تجاه الاقتصاد المصري، بعد أن استلمنا منهم بالفعل أكثر من ثمانية مليارات من الدولارات، بالإضافة إلى مليارين آخرين سيتم تسليمهما خلال الأيام القادمة.
ويندر أن يتحدث أي دائن بصورة سلبية عمن اقترض منه، خاصةً اذا كان المُقرض جهة بمثل حجم ونفوذ صندوق النقد. فأي كلمة سلبية تصدر عن الصندوق تجاه الاقتصاد المصري كفيلة برفع تكلفة اقتراض مصر من الدول الأخرى، وتخفيض قيمة سنداتها، ورفع درجة مخاطر الاستثمار فيها، وبالتأكيد فإن شيئاً من هذا لا يحتاجه أبداً صندوق النقد الدولي، على الأقل في الفترة الحالية، وحتى يسترد ما أقرض مصر إياه.
وفي حديث مع أحد أصدقائي من العاملين بصندوق النقد الدولي، وكنت أعبر له عن استيائي من تعليقات الصندوق على التطورات الحاصلة في الاقتصاد المصري، والتي تتجاهل أية مؤشرات سلبية واضحة للعيان، جاءت إجابته سريعة وواضحة وموجزة "ليس كل ما يدور في الغرف المغلقة يمكن الإعلان عنه".
وأكد لي أن سياسة الصندوق على مدى العقود السابقة تتجنب توجيه أية انتقادات علنية لأي بلد تم إقراضه "حتى لا نزيد من صعوبة إجراءات الإصلاح المطلوبة فيه".
لكن بعيداً عن الصندوق، فمن الواضح أن المتابع للاقتصاد المصري يرى من الإشارات السلبية أكثر كثيراً مما يرى من الإيجابية، وقد يكون للظروف الخارجية حالياً، إقليمياً ودولياً، نصيب من مسببات ذلك، إلا أنه من المؤكد أن الإدارة المصرية للسياسات المالية والنقدية لا يمكن إعفاؤها من اللوم، وأكثر ما يمكن توجيه اللوم بسببه هو استمرار المؤشرات السلبية في التزايد والارتفاع، وهو ما يعني أننا مازلنا نسير في الاتجاه الخاطئ.
ولم يتم عكس السير حتى الآن، والدليل على ذلك أننا لا نشهد حتى استقراراً لعجز الموازنة العامة، وإنما تزايداً في هذا العجز، ولا نشهد ثباتاً في عجز ميزان المدفوعات، وإنما تضخماً فيه، ولا نلحظ تحجيماً للاقتراض، وإنما توسعاً بلا هوادة، الأمر الذي يبعدنا كل البعد عن توقع صورة إيجابية للاقتصاد، ويزيد من صعوبة وتكلفة الإصلاح في الفترات القادمة.
قبل ما يقرب من عشرين عاماً، كنت أتحدث مع أحد أهم رجال البنوك والاقتصاد المصري في ذلك الوقت، وكان ذلك قبل واحدة من حلقات تخفيض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار.
وقتها قال لي الرجل، إن هناك ثلاثة أمور لو اجتمعت في أي دولة، فإن ذلك يعد إشارة واضحة على قرب حدوث انخفاض كبير في قيمة عملتها. وذكر لي الرجل أن تلك العلامات هي أولاً حدوث انخفاض كبير في أسعار الأسهم في البورصة، ثم ارتفاع معدلات الفائدة على العملة المحلية، وأخيراً انخفاض احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي!
ولو حاولنا تطبيق هذه النظرية البسيطة على الواقع الاقتصادي المصري خلال الفترة الأخيرة، وتحديداً في عام 2018، وهو العام الذي كان يفترض أن تزول فيه آثار العدوان على العملة المصرية بعد تعويمها أواخر العام 2016، والذي كان يتوقع الجميع، بما فيهم صندوق النقد الدولي والبنك المركزي المصري، أن يتم فيه جني ثمار التعويم وبدء التحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي في مصر، لوجدنا أن ما حدث خلال هذا العام بعيد كل البعد عن الهدف الذي تصورنا أننا نسير باتجاهه!
فمن ناحية، انخفضت البورصة المصرية بشكل كبير خلال هذا العام، وتحديداً خلال الشهور الستة الأخيرة، حتى فقد مؤشر البورصة الرئيسي اي جي اكس 30 ما يقرب من ثلاثين في المائة من قيمته مقارنةً بأعلى مستوياته في إبريل/ نيسان الماضي.
ورغم رفض وزارة المالية للطلبات التي قدمها المستثمرون لشراء سندات الخزانة في أربعة عطاءات متتالية، بزعم ارتفاع معدلات الفائدة المطلوبة، ثم اضطرارها لقبول مبالغ قليلة في العطاءات التالية، إلا أن معدلات الفائدة مازالت آخذة في الارتفاع، وهو ما ظهر في اقتراب معدلات الفائدة على أذون الخزانة من عشرين في المائة، وهو أحد أعلى مستوياتها خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
أما ما يخص احتياطي النقد الأجنبي، فعلى الرغم من ثباته تقريباً خلال الشهور الستة الأخيرة، إلا أن هذا الثبات جاء على حساب ارتفاع الدين الخارجي خلال نفس الفترة، ومن قبلها أيضاً، بصورة غير مسبوقة في تاريخ الاقتصاد المصري.
ولا أعرف إذا كان القائمون على الأمر يعرفون أن كل زيادة في الدين الخارجي تمثل انخفاضاً في الاحتياطي الحقيقي للبلاد أم لا.
العوامل الثلاثة مجتمعةٌ إذاً الآن في الاقتصاد المصري، وهو ما يدعو حقيقة إلى القلق من حدوث انخفاض قريب في قيمة العملة المصرية، وتقتصر أمنياتنا حالياً على أن يبدأ البنك المركزي في التخطيط لكيفية التعامل معه حين حدوثه.