وتظهر الخريطة الانتخابية لتوزيع نفوذ وسيطرة الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي والجمهوري، حسب الولايات، تغييرات عميقة في اتجاهات الرأي العام الأميركي. وتلوح في الأفق هزيمة تاريخية للحزب الجمهوري لن تقتصر على فشل المرشح الرسمي للحزب، دونالد ترامب، في الوصول إلى البيت الأبيض، بل ستحرم الجمهوريين أيضا من سيطرتهم على الغالبية في مجلسي النواب والشيوخ.
وحسب آخر استطلاع نشرته محطة "سي ان ان"، تتقدم كلينتون على ترامب على المستوى الوطني بثماني نقاط، إذ حصلت على تاييد 45 بالمئة من الناخبين الأميركيين، مقابل 37 بالمئة للمرشح الجمهوري. وعلى صعيد عدد المندوبين الذين تختارهم الولايات ويشكلون الهيئة الناخبة للرئيس، يتوقع الاستطلاع حصول مرشحة الحزب الديمقراطي على 307 مندوبين مقابل 171 مندوبا لترامب، علما أن الفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية يستلزم حصول المرشح على صوت 270 مندوبا.
وتشهد ولايات محسوبة تاريخياً أنها جمهورية وتقترع منذ عقود لصالح مرشحي الحزب الجمهوري اختراقات ديمقراطية كبيرة، منها جورجيا وأوهايو ويوتا وأريزونا وحتى تكساس، التي تعتبر معقلاً أساسياً للحزب الجمهوري. ولم يحلم الديمقراطيون في السابق بالمنافسة على مقاعد ولاية تكساس في مجلسي الشيوخ والنواب، فيما أصبحت النتيجة محسومة لصالح الديمقراطيين في ولايات مرجحة، مثل فلوريدا وفرجينيا وبنسلفانيا.
وتفسر هذا الاختلال الكبير في الخريطة الانتخابية لصالح الديمقراطيين الانقسامات الحادة داخل الحزب الجمهوري، وتفضيل أعداد كبيرة من المرشحين الجمهوريين للكونغرس سحب دعمهم للمرشح الرئاسي الجمهوري والابتعاد عن فضائحه وخطابه المعادي للأقليات.
كما أن الديمقراطيين استفادوا من التغيير الديمغرافي الكبير الذي عرفته التركيبة السكانية لولايات مثل جورجيا وفلوريدا، حيث بات صوت الناخبين من أصول لاتينية والمهاجرين المسلمين وذوي الأصول الآسيوية محدداً لهوية الفائز. وبسبب الخطاب المعادي للمهاجرين والأقليات الذي تبناه ترامب، خسر الجمهوريون أصواتا كثيرة، فضلا عن التأييد المطلق الذي تحظى به مرشحة الحزب الديمقراطي في أوساط الناخبين من أصول أفريقية.
وفي مقابل العزلة التي يواجهها ترامب داخل الحزب الجمهوري، وابتعاد رموز الحزب عنه، تحظى كلينتون بدعم ميداني من رموز الحزب الديمقراطي، بدءاً بالرئيس الأميركي باراك أوباما وزوجته ميشال ونائبه جو بايدن، وصولاً إلى السيناتور بيرني ساندرز، وزوجها الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، ونائبه المرشح الديمقراطي السابق آل غور.
لن ينعكس هذا الحضور الديمقراطي القوي والمتماسك إزاء التشتت والانقسام الجمهوري فحسب على تقدم الديمقراطيين في انتخابات 2016، بل يطرح علامات استفهام كبيرة حول مستقبل الحزب الجمهوري في الحياة السياسية الأميركية في ظل التحولات السياسية والديمغرافية التاريخية التي تشهدها البلاد.