وفي ظلّ نظام الحكم المختلط (برلماني - رئاسي) في أوكرانيا، تمثّل انتخابات اليوم أهمية قصوى لزيلينسكي، إذ لن يتسنى له تشكيل الحكومة إلا في حال حصول حزبه "خادم الشعب" على أغلبية المقاعد، أو تمكنه من تشكيل ائتلاف حاكم.
وأظهر استطلاع أجرته مجموعة "ريتينغ" (التقييم) في أوكرانيا عشية الانتخابات، أن هناك خمسة أحزاب لديها فرصة تجاوز عتبة الـ5 في المائة اللازمة لدخول البرلمان. وجاء في مقدمتها، بنسبة تأييد قاربت 50 في المائة، "خادم الشعب"، وهو اسم مستوحى من عنوان المسلسل الساخر الذي أدى فيه زيلينسكي دور مدرّس تاريخ أصبح رئيساً لأوكرانيا، قبل أن يتحقق ذلك فعلاً على أرض الواقع.
وحلّت في المرتبة الثانية، وبفارق كبير، "المنصة المعارضة - من أجل الحياة" بقيادة السياسيين الموالين لروسيا، يوري بويكو وفيكتور مدفيدتشوك (10.5 في المائة)، ويليها "التضامن الأوروبي" بزعامة الرئيس السابق بترو بوروشينكو (7.7 في المائة)، و"باتكيفشينا" (الوطن) بزعامة رئيسة الوزراء السابقة، المرشحة الخاسرة في الانتخابات الرئاسية في مارس/ آذار الماضي يوليا تيموشينكو (6.9 في المائة)، وحزب "غولوس" (الصوت) بزعامة المغني سفياتوسلاف فاكارتشوك (5.9 في المائة).
وستجرى الانتخابات التشريعية بنظام مختلط، إذ سيتم انتخاب نصف النواب (أي 225 نائباً) بالقائمة النسبية، بالإضافة إلى العدد نفسه بالدوائر الفردية. ولم يستبعد ممثلو "خادم الشعب" بشكل رسمي، احتمال التحالف مع أي قوى سياسية باستثناء منصبة "من أجل الحياة".
وفي هذا الإطار، يعتبر الصحافي الأوكراني فيتالي بورتنيكوف، أنّ التحديين الرئيسيين اللذين سيواجههما زيلينسكي بعد الانتخابات البرلمانية، هما تشكيل الائتلاف الحاكم، وإدارة ملف العلاقات مع روسيا والتسوية السلمية في دونباس.
ويقول بورتنيكوف، في اتصال مع "العربي الجديد" من العاصمة الأوكرانية كييف، إنه "في حال سيطرة خادم الشعب على البرلمان، فسينفرد زيلينسكي بالسلطة، ولكن هذا السيناريو غير واقعي، لأنّ استطلاعات الرأي تعكس التوقعات لنتائج التصويت بالقائمة النسبية فقط، من دون نصف المقاعد التي سيتم انتخابها بنظام الدوائر الفردية". ويوضح أنه "في حال عدم حصوله على أغلبية المقاعد، فسيضطر حزب زيلينسكي لتشكيل الائتلاف الحاكم، لكنه يصعب التصوّر كيف يمكنه التحالف مع منصة من أجل الحياة الموالية لروسيا، التي قد تحلّ في المرتبة الثانية".
وبحسب صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية الروسية، فإنّ نقطة ضعف "خادم الشعب" هي قلة المرشحين الذين لهم فرصة الفوز بالدوائر الفردية، وهو ما اضطر زيلينسكي للاستعانة بالفنانين من فرقته الشهيرة "كفارتال-95" للترشّح ببعض الدوائر.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحافي في موسكو في 11 يوليو الحالي، قبوله عقد محادثات مع زيلينسكي حول ملفي شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014 ومنطقة دونباس الموالية لموسكو، بعد إجراء الانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة. وأتى ذلك بعد إجراء بوتين وزيلينسكي في اليوم نفسه، أوّل محادثات بينهما جرت عبر الهاتف.
وقد تصدّرت ملفات العلاقات مع موسكو والتسوية في دونباس حملة الانتخابات التشريعية في أيامها الأخيرة، إذ توجه مدفيدتشوك في 18 يوليو/تموز الحالي إلى العاصمة الشمالية الروسية سانت بطرسبورغ لعقد لقاء مع بوتين. من جهته، كشف زيلينسكي عن محتوى اتصاله الهاتفي مع بوتين الذي تناول قضية تبادل الأسرى. كما أعلن زيلينسكي عشية الاستحقاق البرلماني أنّ المهمة ذات الأولوية لأوكرانيا هي وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في دونباس.
ويعلّق الصحافي الأوكراني فيتالي بورتنيكوف على تحركات زيلينسكي على المسار الروسي، بالقول: "أظهر زيلينسكي سذاجته وأراد الحصول على تنازلات من بوتين، من دون أن يقدّم هو نفسه أي تنازلات، ما يعكس عدم فهمه لطبيعة النزاع الروسي الأوكراني".
وحول آفاق وقف إطلاق النار في دونباس وتداعيات ذلك، يعتبر بورتنيكوف أنّ "مفتاح وقف إطلاق النار لأجل غير مسمى بين يدَي روسيا لا أوكرانيا. لكن في حال تحوّلت الحرب إلى نزاع متجمّد، فسينسى الأوكرانيون عن دونباس مثلما تمّ نسيان القرم. ولكونهم شعباً عاش طويلاً تحت الاستعمار، لا يثمّن الأوكرانيون أرضهم ولا تزال غريزة الدولة في أوكرانيا المستقلة في مرحلة التكوين".
من جهتها، أرجعت صحيفة "فيدوموستي" الروسية الدعم الكبير الذي يحظى به حزب زيلينسكي ليس إلى شعبية الرئيس فحسب، وإنما أيضاً إلى رهانه على وجوه جديدة، إذ لا تحتوي قائمة "خادم الشعب" على اسم أي نائب حالي.
وكان زيلينسكي قد أعلن أثناء مراسم تنصيبه في 20 مايو/ أيار الماضي عن قراره حلّ الرادا العليا بحجة انقسام الائتلاف الحاكم، إلا أنّ النواب طعنوا في هذا القرار أمام المحكمة الدستورية، مستندين في ذلك إلى أنه لا يجوز حلّ الرادا في ظلّ بقاء أقل من ستة أشهر على انتهاء فترة صلاحيات التشكيلة الحالية.
ومع ذلك، قبلت المحكمة في نهاية المطاف بحجة زيلينسكي، ومفادها بأنّ الائتلاف الحاكم لم يكن في الواقع قائماً منذ عام 2016، معتبرةً أنّ حلّ الخلاف الدستوري عن طريق إجراءات انتخابات مبكرة يلبي أحكام الدستور.