يدرك مرشح اليمين الوسط، فرانسوا فيون، أن عليه محاولة شتى السبل وطرق الأبواب كلّها الآن، بعدما وثق في فترة معينة في فوزه الكاسح، لكن مختلف استطلاعات الرأي خلال الأسابيع القليلة الماضية أجمعت على استحالة تأهلّه للدورة الثانية. وبدا للمرشح الذي أظهر سابقاً برودة وأنفة، لامست الغرور أحياناً، أن عليه التواضع كثيراً، لعلّه ينجح في مراكمة الأصوات، حتى لو وصل الأمر إلى الجمع بين المتناقضات. وإلا كيف يمكن الجمع بين قياديين في الحركة اليمينية الكاثوليكية "الحس المشترك" المُعارِضة لقانون "الزواج للجميع"، وبين معارضيها اللدودين، مثل كريستيان إستروزي المعروف بعلاقاته الوثيقة بإسرائيل، وفرانسوا باروان وألان جوبيه، المعتدلَين، وغيرهم.
ويبدو فيون، من بين المرشحين كلهم، الأكثر عرضة للخطر، وربما سيكون الخاسر الأكبر الذي سيدفع بحزبه إلى الكارثة، إذا صدقت استطلاعات الرأي. لذا دفع فيون بكل ثقله، مركزاً على فكرة واحدة لا تغادر فمَه، ورددها في حواراته الصحافية ولقاءاته الجماهيرية كافة، وتصدرت الصفحة الأولى من صحيفة "لو فيغارو" المناصرة لحملته، الخميس، وهي: "سأكون حاضراً في الدورة الثانية من الانتخابات".
ويعتبر طاقمه الصحافي، إلى جانب طاقم مرشح اليسار الراديكالي جان - لوك ميلانشون، الأنشط في هذه الحملة الانتخابية. ومع اقتراب اليوم الحاسم، قرّر فيون، الخميس، التواصل مع ناخبيه على موقعي "فيسبوك" و"تويتر"، عبر الفيديو. وتميز باستخدام هذه التقنية منذ أسابيع، واستعرض فيها ما رآه نقاطا مهمة في برنامجه، على الرغم من اعترافه بصعوبة كتابة خطاب جديد كل يوم، مخافة السقوط في التكرار.
واستغل ساركوزي هذه الوسائل الجماهيرية أيضاً، فوَجَّهَ، الأربعاء في 19 إبريل/ نيسان، خطاباً عن طريق الفيديو، ساند فيه فيون، واعتبر أن فرنسا "في مفترق طرق"، لأن "كل واحد منا مدعوّ لاتخاذ خيار له نتائج عميقة". ومنعاً لأي التباس، قال ساركوزي: "إني أدعم، بشكل واضح، فرانسوا فيون، وأناشدكم أن تقفوا خلفه".
كما حرص القيادي ألان جوبيه على إظهار المساندة لفيون، عبر مرافقته في تنقلاته الانتخابية، يوم الأربعاء 19 إبريل، بعد إعلانه، قبل أيام، عن مواقف منتقدة لتقارب فيون مع حركة "حس مشترك" اليمينية المتطرفة، والتي يتهمها جوبيه وأنصاره بالوقوف خلف حملة تشهير ضخمة ضده في الانتخابات الفرعية لليمين والوسط، وصلت إلى درجة اتهام جوبيه باعتناق الإسلام وتقديم أموال عمومية لتشييد "المركز الإسلامي" في بوردو. وكان جوبيه قال "لن أدعم حكومة تكون حركة حس مشترك من يرسم خطوطها".
مارين لوبان: في المعركة لا تُستبدل الفرس الرابحة
كما بدأت حملتها الانتخابية، تنهيها. الشعارات الإعلامية والانتخابية، والمرتكزات نفسها، ما يجعلها فريدة في المشهد السياسي الفرنسي، لأن الكثير من الساسة يتغيرون، يعدلون من برامجهم، يتحدثون عن نضج وعن مسؤولية، وأحياناً، عن واقعية، بينما مارين لوبان لا تتغير، وهو ما أجمعت عليه وسائل الإعلام المؤيدة والمعارضة للوبان.
والأمل يحدو مارين لوبان في تكرار تجربة والدها عام 2002. ومنذ أسابيع، ترى نفسها في الدورة الثانية، على الرغم من أنها تعرف أن "المؤسسة" أو الـ"إستبلشمنت"، كما تكرر، ستتحالف ضدها، وتسقطها، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، عدوها اللدود. ولم تتردّد في التصريح بذلك في أغلب لقاءاتها. وهو أيضاً ما يروّج له مناصروها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ركائز والدها المفوّه الإيديولوجية نفسها تعتمدها لوبان، إذ يبدو أنها صالحة في كل زمان ومكان. وإلا كيف وجد فرانسوا فيون، رئيس الحكومة السابق، أنه من المفيد المزايدة عليها في كل إطلالاته الإعلامية؟ حتى أنه يستعصي أحيانا معرفة من المتطرف بينهما ومن الأصيل. ويمكن تأمل تصريح المرشحين، لتلمس نقاط التقاطع بينهما. قالت مارين لوبان، في 4 إبريل، إن "الأصولية الإسلاموية موجودة الآن على أرضنا... فرنسا أصبحت جامعة للجهاديين". وقال فيون، في 17 إبريل، إن "السجن أصبح، اليوم، جامعة للمجرمين، وأصبحت بعض أقسام السجون جامعة للتطرف الإسلامي". ويبدو فيون، أحياناً، أكثر تطرفاً، إذ يحلو له استخدام تعبير "إسلامي"، بينما تستخدم لوبان لفظ "إسلاموي".
الإسلام والمهاجرون من مواضيعها الأثيرة، لذا فالحلول عندها سهلة: طرد كل من يشتبه في ميله إلى الإرهاب، وتغيير القوانين التي تسهل قدوم المهاجرين واستقرارهم وتدفق اللاجئين، كي تعيش فرنسا في وضعية أفضل. ويردد جمهورها هذا الكلام بببغائية تامة، وفق ما رصدته وسائل الإعلام المناهضة لها، ووفق ما يظهر جلياً على حسابات مناصري اليمين المتطرف على مواقع التواصل.
كل المبالغات في الأرقام مفيدة لمارين لوبان ولليمين المتطرف، لبث كراهية الهجرة، ولإثارة ناخبيها، خصوصاً من "الأقدام السوداء" الذين غادروا الجزائر بعد استقلالها، لاستثمار حنينهم إلى "الجزائر الفرنسية" والاستيلاء على أصواتهم. ولذا فليس من الغريب قولها، يوم 15 إبريل، في نوع من النبوءة، لا توجد سوى عندها: "سنشهد وصول ما بين 500 ألف ومليون جزائري إلى فرنسا عند وفاة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة".
في الانتخابات السابقة، ركزت لوبان على قضية "إفلاس النخب السياسية من اليمين واليسار"، وعلى غياب "النزاهة"، لكن الموضوع الأخير، أي "تخليق الحياة السياسية"، غاب كثيراً في هذه الحملة، لدرجة التلاشي. وكانت لوبان تستطيع استغلال، كما فعل مرشحون كثيرون، متاعب فرانسوا فيون مع القضاء لمهاجمة منافسها اليميني الأكبر، بسبب القرب الإيديولوجي بينهما. لكن الأقدار شاءت أن يسقط حزبها أيضا في هذه المتاعب، وأن تتابَع، هي شخصياً، وبعض القياديين من حزبها، من قبل القضاء الفرنسي.
إيمانويل ماكرون يحلّق وحيداً
إيمانويل ماكرون يحوّل كل ما يلمسه إلى ذهب. وهو ما يبدو واضحاً من متابعة الصحف له، وحتى نشاط مناصريه على مواقع التواصل الاجتماعي. رجل محظوظ لم تعترضه، وهو يقترب من الإليزيه، أي عقبات كبرى، منذ إعلانه عن ترشحه. فحتى الرئيس فرانسوا هولاند لم ير في ترشحه خيانة، عكس ما رآه في تصرف رئيس حكومته، مانويل فالس. ويكاد معظم المراقبين لا يتصورون انتخابات رئاسية لا ينتصر فيها ماكرون، إذ يبدو كما أن كلَّ شيء قد أُعدَّ له.
وكان هولاند صرح لصحيفة "لو بوان" أنه "حين جاء ماكرون يعلمني برغبته في إطلاق حركته، لم أثبط من عزيمته"، ما يفسر للكثيرين العلاقة المستمرة بين الرئيس ووزيره السابق. كما يفسّر عدول الرئيس عن الوعد الذي التزم به، من حيث التزامه الحياد في الانتخابات، أو على الأقل، في الدورة الأولى. فإذا كان لا يزال مصراً على ألّا يقدّم أي "هدية" لصالح مرشح الحزب الاشتراكي الرسمي، و"المتمرد" السابق، بونوا هامون، فإنه رأى في صعود ميلانشون الأخير، في استطلاعات الرأي، خطراً داهماً. لذا انتقد علاقات المرشح الراديكالي مع الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس النظام السوري بشار الأسد.
ولم يستطع إيمانويل ماكرون شق الحزب الاشتراكي فقط، بحسب الصحف الفرنسية، بل أصبح وطاقمه من يختارون انضمام هذا السياسي أو ذاك، لذا ليس غريباً أن يوجهوا نداء لمانويل فالس بألّا يقترب كثيراً، ولوزير الفلاحة والمقرب من فرانسوا هولاند، ستيفان لوفول، بألا ينضمّ إليهم، ما دام عندهم من أهل اليسار ما يكفي ويزيد.
اقــرأ أيضاً
ويبدو فيون، من بين المرشحين كلهم، الأكثر عرضة للخطر، وربما سيكون الخاسر الأكبر الذي سيدفع بحزبه إلى الكارثة، إذا صدقت استطلاعات الرأي. لذا دفع فيون بكل ثقله، مركزاً على فكرة واحدة لا تغادر فمَه، ورددها في حواراته الصحافية ولقاءاته الجماهيرية كافة، وتصدرت الصفحة الأولى من صحيفة "لو فيغارو" المناصرة لحملته، الخميس، وهي: "سأكون حاضراً في الدورة الثانية من الانتخابات".
ويعتبر طاقمه الصحافي، إلى جانب طاقم مرشح اليسار الراديكالي جان - لوك ميلانشون، الأنشط في هذه الحملة الانتخابية. ومع اقتراب اليوم الحاسم، قرّر فيون، الخميس، التواصل مع ناخبيه على موقعي "فيسبوك" و"تويتر"، عبر الفيديو. وتميز باستخدام هذه التقنية منذ أسابيع، واستعرض فيها ما رآه نقاطا مهمة في برنامجه، على الرغم من اعترافه بصعوبة كتابة خطاب جديد كل يوم، مخافة السقوط في التكرار.
Twitter Post
|
واستغل ساركوزي هذه الوسائل الجماهيرية أيضاً، فوَجَّهَ، الأربعاء في 19 إبريل/ نيسان، خطاباً عن طريق الفيديو، ساند فيه فيون، واعتبر أن فرنسا "في مفترق طرق"، لأن "كل واحد منا مدعوّ لاتخاذ خيار له نتائج عميقة". ومنعاً لأي التباس، قال ساركوزي: "إني أدعم، بشكل واضح، فرانسوا فيون، وأناشدكم أن تقفوا خلفه".
كما حرص القيادي ألان جوبيه على إظهار المساندة لفيون، عبر مرافقته في تنقلاته الانتخابية، يوم الأربعاء 19 إبريل، بعد إعلانه، قبل أيام، عن مواقف منتقدة لتقارب فيون مع حركة "حس مشترك" اليمينية المتطرفة، والتي يتهمها جوبيه وأنصاره بالوقوف خلف حملة تشهير ضخمة ضده في الانتخابات الفرعية لليمين والوسط، وصلت إلى درجة اتهام جوبيه باعتناق الإسلام وتقديم أموال عمومية لتشييد "المركز الإسلامي" في بوردو. وكان جوبيه قال "لن أدعم حكومة تكون حركة حس مشترك من يرسم خطوطها".
مارين لوبان: في المعركة لا تُستبدل الفرس الرابحة
كما بدأت حملتها الانتخابية، تنهيها. الشعارات الإعلامية والانتخابية، والمرتكزات نفسها، ما يجعلها فريدة في المشهد السياسي الفرنسي، لأن الكثير من الساسة يتغيرون، يعدلون من برامجهم، يتحدثون عن نضج وعن مسؤولية، وأحياناً، عن واقعية، بينما مارين لوبان لا تتغير، وهو ما أجمعت عليه وسائل الإعلام المؤيدة والمعارضة للوبان.
والأمل يحدو مارين لوبان في تكرار تجربة والدها عام 2002. ومنذ أسابيع، ترى نفسها في الدورة الثانية، على الرغم من أنها تعرف أن "المؤسسة" أو الـ"إستبلشمنت"، كما تكرر، ستتحالف ضدها، وتسقطها، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، عدوها اللدود. ولم تتردّد في التصريح بذلك في أغلب لقاءاتها. وهو أيضاً ما يروّج له مناصروها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ركائز والدها المفوّه الإيديولوجية نفسها تعتمدها لوبان، إذ يبدو أنها صالحة في كل زمان ومكان. وإلا كيف وجد فرانسوا فيون، رئيس الحكومة السابق، أنه من المفيد المزايدة عليها في كل إطلالاته الإعلامية؟ حتى أنه يستعصي أحيانا معرفة من المتطرف بينهما ومن الأصيل. ويمكن تأمل تصريح المرشحين، لتلمس نقاط التقاطع بينهما. قالت مارين لوبان، في 4 إبريل، إن "الأصولية الإسلاموية موجودة الآن على أرضنا... فرنسا أصبحت جامعة للجهاديين". وقال فيون، في 17 إبريل، إن "السجن أصبح، اليوم، جامعة للمجرمين، وأصبحت بعض أقسام السجون جامعة للتطرف الإسلامي". ويبدو فيون، أحياناً، أكثر تطرفاً، إذ يحلو له استخدام تعبير "إسلامي"، بينما تستخدم لوبان لفظ "إسلاموي".
الإسلام والمهاجرون من مواضيعها الأثيرة، لذا فالحلول عندها سهلة: طرد كل من يشتبه في ميله إلى الإرهاب، وتغيير القوانين التي تسهل قدوم المهاجرين واستقرارهم وتدفق اللاجئين، كي تعيش فرنسا في وضعية أفضل. ويردد جمهورها هذا الكلام بببغائية تامة، وفق ما رصدته وسائل الإعلام المناهضة لها، ووفق ما يظهر جلياً على حسابات مناصري اليمين المتطرف على مواقع التواصل.
كل المبالغات في الأرقام مفيدة لمارين لوبان ولليمين المتطرف، لبث كراهية الهجرة، ولإثارة ناخبيها، خصوصاً من "الأقدام السوداء" الذين غادروا الجزائر بعد استقلالها، لاستثمار حنينهم إلى "الجزائر الفرنسية" والاستيلاء على أصواتهم. ولذا فليس من الغريب قولها، يوم 15 إبريل، في نوع من النبوءة، لا توجد سوى عندها: "سنشهد وصول ما بين 500 ألف ومليون جزائري إلى فرنسا عند وفاة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة".
في الانتخابات السابقة، ركزت لوبان على قضية "إفلاس النخب السياسية من اليمين واليسار"، وعلى غياب "النزاهة"، لكن الموضوع الأخير، أي "تخليق الحياة السياسية"، غاب كثيراً في هذه الحملة، لدرجة التلاشي. وكانت لوبان تستطيع استغلال، كما فعل مرشحون كثيرون، متاعب فرانسوا فيون مع القضاء لمهاجمة منافسها اليميني الأكبر، بسبب القرب الإيديولوجي بينهما. لكن الأقدار شاءت أن يسقط حزبها أيضا في هذه المتاعب، وأن تتابَع، هي شخصياً، وبعض القياديين من حزبها، من قبل القضاء الفرنسي.
إيمانويل ماكرون يحلّق وحيداً
إيمانويل ماكرون يحوّل كل ما يلمسه إلى ذهب. وهو ما يبدو واضحاً من متابعة الصحف له، وحتى نشاط مناصريه على مواقع التواصل الاجتماعي. رجل محظوظ لم تعترضه، وهو يقترب من الإليزيه، أي عقبات كبرى، منذ إعلانه عن ترشحه. فحتى الرئيس فرانسوا هولاند لم ير في ترشحه خيانة، عكس ما رآه في تصرف رئيس حكومته، مانويل فالس. ويكاد معظم المراقبين لا يتصورون انتخابات رئاسية لا ينتصر فيها ماكرون، إذ يبدو كما أن كلَّ شيء قد أُعدَّ له.
وكان هولاند صرح لصحيفة "لو بوان" أنه "حين جاء ماكرون يعلمني برغبته في إطلاق حركته، لم أثبط من عزيمته"، ما يفسر للكثيرين العلاقة المستمرة بين الرئيس ووزيره السابق. كما يفسّر عدول الرئيس عن الوعد الذي التزم به، من حيث التزامه الحياد في الانتخابات، أو على الأقل، في الدورة الأولى. فإذا كان لا يزال مصراً على ألّا يقدّم أي "هدية" لصالح مرشح الحزب الاشتراكي الرسمي، و"المتمرد" السابق، بونوا هامون، فإنه رأى في صعود ميلانشون الأخير، في استطلاعات الرأي، خطراً داهماً. لذا انتقد علاقات المرشح الراديكالي مع الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس النظام السوري بشار الأسد.
ولم يستطع إيمانويل ماكرون شق الحزب الاشتراكي فقط، بحسب الصحف الفرنسية، بل أصبح وطاقمه من يختارون انضمام هذا السياسي أو ذاك، لذا ليس غريباً أن يوجهوا نداء لمانويل فالس بألّا يقترب كثيراً، ولوزير الفلاحة والمقرب من فرانسوا هولاند، ستيفان لوفول، بألا ينضمّ إليهم، ما دام عندهم من أهل اليسار ما يكفي ويزيد.