أنعشت الاستعدادات الجارية في تونس للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة خلال الشهرين المقبلين، العديد من القطاعات الاقتصادية، لا سيما المرتبطة بالحملات الدعائية، بينما يتزايد القلق من أن تكون الانتخابات بوابة للتدفقات المالية المشبوهة، على حد وصف خبراء.
ومن المقرر أن تبدأ حملة الانتخابات الرئاسية المبكرة في أول سبتمبر/أيلول المقبل وتستمر حتى 13 من نفس الشهر، لتتوقف قبل يومين من بدء الاقتراع، بينما تجري الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الثاني، وسط تنافس محتدم بين الأحزاب.
وأكد ناشطون في سوق الدعاية، أن الانتخابات زادت من أعمال نشاطات عدة مثل المطابع بنسب تصل إلى 20 في المائة، ومتاجر الأقمشة، وورش اللافتات وغيرها، وكذلك نشاط تأجير السيارات، التي تستخدم على نطاق واسع في حملات المرشحين.
وقال سفيان العبيدي، عضو هيئة الانتخابات لـ"العربي الجديد"، إن المخصصات التي حددتها الهيئة للانتخابات تقدر بنحو 140 مليون دينار (50 مليون دولار)، في الوقت الذي أكد فيه الخبير الاقتصادي محسن حسن، إن الأموال التي يجري إنفاقها تتخطى كثيراً هذه المبالغ، مشيرا إلى أن الأنشطة الاقتصادية المستفيدة لا تقتصر على سوق الدعاية وتأجير السيارات، وإنما تمتد أيضا إلى النزل (الفنادق) والقاعات التي تحتضن الاجتماعات الانتخابية وسياحة الأعمال.
وقال حسن لـ"العربي الجديد" إن الأحزاب تضخ أموالا كبيرة من أجل الفوز في الانتخابات، ما ينعش الكثير من الأنشطة الخدمية والتجارية والصناعية ويخلق فرص عمل موسمية.
وأضاف الخبير الاقتصادي أنه في مقابل الانتعاش الموسمي للعديد من الأنشطة المرتبطة بالحملات الانتخابية، فإن هذه الأجواء تجعل مناخ الاستثمار في حالة ترقب بشكل عام إلى حين إعلان النتائج وتشكيل الحكومة الجديدة المنبثقة وبرنامجها، وهذا بدوره يؤثر على معدلات النمو، خاصة أن حالة الترقب هذه قد تستمر بضعة أشهر.
وتوقّع أن يضعف الوضع الانتخابي نسبة النمو للأشهر الأخيرة من العام الحالي بعد أن سجلت تونس نسبة نمو لا تتجاوز 1,1 بالمائة في الربع الثالث من العام الجاري. ورجّح أن تقوم الحكومة الصاعدة بعد الانتخابات بتعديل موازنة 2020 على ضوء توجهات الحزب أو الائتلاف الحكومي القادم عبر قانون مالية تكميلي، في حين ستكون النسخة الأولى التي تسهر الحكومة على إعدادها "إدارية بحتة" .
ولا يخفي خبراء اقتصاد قلقهم من تسرب ما وصفوه بـ"المال السياسي والمشبوه" للاقتصاد عبر الحملات الانتخابية.
وقال الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف، إن المال الذي ينفق في الانتخابات يمكن أن يحمل معه أموالاً مشبوهة يضخها رجال الأعمال الذين يدعمون الأحزاب، مضيفا في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "غسل الأموال بمناسبة الانتخابات أمر وارد".
واعتبر أن سلطات الرقابة المالية لا تملك الآليات الكافية لمراقبة المال الانتخابي، خاصة أن أغلب الأموال المتداولة في مثل هذه المناسبات تكون نقدية، ما يجعل اقتفاء أثرها وتحديد مصادرها أمرا صعبا.
وأوكل القانون التونسي إلى دائرة المحاسبات (هيئة رقابة حكومية) مراقبة تمويل الحملات الانتخابية، حيث نصت المادة 91 من القانون الانتخابي على أن تتولى دائرة المحاسبات مراقبة مصاريف وموارد كل قائمة مترشحة أو مترشح أو حزب والتثبت من الالتزام بوحدة الحساب المصرفي.
وكانت لجنة التحاليل المالية في البنك المركزي التونسي، قد قدرت في تقرير لها عام 2017، المعدل السنوي لغسل الأموال بشكل عام بنحو ملياري دينار ما يعادل 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لتونس.