"سوف أتوقف عن استخدام "واتس آب" إذا حدث ذلك!"
"لن أستخدم "واتس آب" بعدما أصبح جزءاً من إمبراطورية فايسبوك!"
"ابنتي البالغة من العمر 15 عاماً وأصدقاؤها في المدرسة توقفوا عن استخدام "واتس آب" واتجهوا إلى "فايبر".
"وكالة الأمن القومي الأميركية تقوم بزرع برامج تجسس الآن، وسوف تعود خدمة "واتس آب" بعد أن تنهتي من المهمة، نتمنى لها حظاً سعيداً!"
التعليق الأول يلخص ردود فعل كثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي بعد شائعات في ديسمبر/كانون الأول 2012 على محاولات تقوم بها شركة "فايسبوك" وأيضا غوغل لشراء تطبيق الرسائل الفورية "واتس آب".
والتعليقان الثاني والثالث يلخصان إعلان الكثيرين – وخاصة بين المراهقين - توقفهم عن استخدام "واتس آب" بعد الإعلان عن استحواذ "فايسبوك" على التطبيق في فبراير 2014 مقابل 19 مليار دولار أميركي، وبالنظر إلى بعض استطلاعات الرأي التي أجرتها بعض المواقع بخصوص هذا الاستحواذ، تراوحت نسبة هذه الشريحة الرافضة بين 15% و18%.
والتعليق الرابع والأخير جاء بعد تعطل خدمة واتس آب لثلاث ساعات بعد ساعات من الإعلان عن الاستحواذ، وهو يلخص حالة عدم الثقة لدى البعض في احترام فايسبوك لخصوصية مستخدميه ومعلوماتهم الشخصية واقتناعهم بأن الشركة جزء من مشروع الإدارة الأميركية للتجسس على مستخدمي الموقع خصوصاً، والإنترنت والاتصالات على وجه العموم.
لكن لماذا كل هذا القلق بالذات من استحواذ فايسبوك على "واتس آب"، بالرغم من أن 2013 شهدت 42 عملية استحواذ في مجال الاتصال والتواصل الاجتماعي بمليارات الدولارات، وأن فبراير2014 شهد أيضا الإعلان عن استحواذ "راكوتن" للتجارة الإلكترونية على "فايبر" أحد أكبر برامج خدمة الاتصال المجاني عبر التلفون المحمول؟
ولماذا أساساً كل هذه الاستحواذات وهذه المليارات في هذا المجال بالذات؟
وكيف سيؤثر "نقل الملكية" على المستخدم وعلى تجربته في التواصل مع الآخرين وعلى خصوصيته واحترام معلوماته وبياناته الشخصية؟
الإجابات على هذه الأسئلة ليست منفصلة عن بعضها وتستند إلى أمرين أساسيين:
الأول أن لعاب كثير من الشركات بدأ يسيل مؤخراً على الـ 93% من سكان العالم الذين يستخدمون التلفون المحمول، وخصوصا على كل مراهق يمسك في يده تلفونا محمولا يتواصل من خلاله مع أصدقائه ومعارفه بالساعات يوميا، هذا المراهق هو "المستخدم - المستهلك" المثالي حسب دراسات لهذه الشركات، وخصوصية هذا المراهق "المتواصل" وسلامته هما الشغل الشاغل للآباء والأمهات.
وهذا الاتجاه واضح بصورة كبيرة من زيادة عدد الاستحواذات التي قامت بها شركات للتجارة الإلكترونية (راكوتن، مثالا) ومواقع للتواصل على شبكة الإنترنت (فايسبوك، مثالا) على تطبيقات وبرامج للتواصل من خلال التلفون المحمول (فايبر وواتس آب، مثالا).
فما معنى ذلك؟ معناه أن انتقال الملكية من "بيئة المحمول" إلى "بيئة الإنترنت" يعني انتقال المستخدمين من تجربة تواصل تتسم بالفردية والخصوصية إلى تجربة أخرى أقل فردية وأكثر صخباً، ويعني أيضاً انتقال المستخدمين بين فلسفتين مختلفتين في إدارة خصوصيتهم وبياناتهم الشخصية، واستعداد "مالك" هذه البيانات لاستخدامها في الإعلانات "والتطفل" أو "التلصص" أو "الإلحاح" للحصول على المزيد.
ورد فعل الكثيرين على هذا الانتقال يكون عامة بالرفض والبحث عن بديل، خصوصاً أن من يفضلون استخدام التلفون المحمول في تواصلهم مع الآخرين أكثر حرصاً على خصوصيتهم من الذين يفضلون استخدام شبكة الإنترنت لهذا الغرض؛ فطبقاً لاستطلاع رأي أوروبي يرى 43% من مستخدمي التلفون المحمول أن شركات المحمول والتطبيقات عليه تحترم خصوصيتهم ومعلوماتهم الشخصية، مقابل 21% فقط يرون أن شبكات التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك وتويتر تفعل ذلك.
والأمر الثاني أن خصوصية المستخدم عموماً – مراهق أو غير مراهق - لوسائل ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت من مصادر القلق الأساسية، وعاملاً مهماً في قرار ملايين المستخدمين بتحديد التطبيق أو الوسيلة التي يستخدمونها في تواصلهم، وأيضا في قرارهم بالاستمرار أو بالتوقف أو البحث عن تطبيق أو وسيلة أخرى.
واحترام الخصوصية كان من الأسباب الأساسية وراء قرار الكثيرين باستخدام "واتس آب" والتوقف عن استخدام "فايسبوك": فالأول يراعيها إلى أبعد الحدود الممكنة ولا يلح بطريقة مزعجة طلباً لمزيد من البيانات والمعلومات الشخصية من مستخدميه لتوظيفها في الإعلانات، وهو ما يتسق مع فلسفة الشركة والتي لخصها أحد مؤسسيها وهي أن "الإعلانات إهانة لذكاء المستخدم، وقطع لحبل أفكاره". وكان الآباء سعداء بذلك فليس هناك سبب للقلق من أن يتبادل أبناؤهم وبناتهم بياناتهم وتفاصيل حياتهم الشخصية مع أصدقائهم.
وكان معظم مستخدمي "واتس آب" يعجبهم أن الشركة لا تهتم بأن تعرف الكثير عنهم، أما الثاني (فايسبوك) فعكس ذلك بشكل كبير، فيرى البعض أن الموقع آلة إعلانات بل وأكثر المنصات الإعلانية تطفّلًا على المستخدم في تاريخ الإعلان، وأنه يتعامل مع خصوصية مستخدميه وبياناتهم الشخصية "بمرونة زائدة عن الحد" وأن تاريخه طويل في الاستهتار بخصوصية مستخدميه وجمع معلومات لم يكن من المفروض أن يجمعها، وأنه غير سياسية الخصوصية تدريجياً بما يسمح له باستخدام أسماء وصور المشتركين في إعلانات، بالإضافة إلى اتهامات أخرى بجمع معلومات من الرسائل الخاصة بهدف خدمة المعلنين.
ومعروف أيضاً عن مارك زوكربيرج -أ حد مؤسسي فايسبوك - دعوته المستمرة لمستخدمي الموقع إلى "إثراء" بروفايلاتهم على الموقع ببياناتهم وتفاصيل حياتهم الشخصية، ومعروف أيضاً أن هناك مقاومة من المستخدمين لذلك وأن الاستجابة ضعيفة.
والنتيجة أن الذين جعلتهم الخصوصية يهربون من فايسبوك، يهربون الآن وبعد الإعلان عن الاستحواذ من "واتس آب" كذلك، وللأسباب ذاتها ويبحثون عن بديل ثالث.
صحيح أن فايسبوك قد اتفق مع "واتس آب" على الإبقاء على طريقة "واتس آب" التي تعتمد على الاشتراكات لا على الإعلانات، وصحيح أن شركة "واتس آب" قد أعلنت في رسالة لها على مدونتها بعد الإعلان عن الاستحواذ أن "الشيء الذي سوف يتغير بالنسبة لمستخدمي واتس آب: لا شيء"، وصحيح أن الاتفاق يبقي على "واتس آب" كياناً مستقلًا داخل فايسبوك، وصحيح أن الصفقة محاولة من فايسبوك لشراء منافس كان عدد مستخدميه يزيدون مليوناً كل يوم.. لكن ليس بعيداً عن الحقيقة أيضاً أن يكون "نهم" فايسبوك على البيانات الشخصية السبب الرئيسي وراء الصفقة، وأن ما تم ليس شراء لتطبيق بقدر ما هو شراء لقاعدة مستخدمين حجمها حوالى 450 مليوناً ببياناتهم الشخصية، وبالتالي فمن المتوقع أيضاً أن تقفز "مسألة الإعلانات" قريباً في النقاشات بين "الطرفين"، فالأعداد ضخمة والمعلومات كثيرة والإعلانات تحقق أرباحاً بالمليارات، كما أن السوابق تقول ذلك: حدث مع غوغل في بداياتها، وحدث كذلك مع فايسبوك، وليس بعيداً أن يحدث مع "واتس آب".
من يتابع مسار تطور تكنولوجيا الاتصال بين البشر سوف يدرك سريعاً أن فيضان الاستحواذات الذي بدأ في السنوات الأخيرة خطوة إلى الوراء؛ ففي الوقت الذي يظهر فيه اتجاه متزايد، وخصوصاً في أوروبا، إلى أن يتحكم المستخدمون في مسارات تدفق بياناتهم الشخصية، وأن تصبح سيطرتهم على كيفية استخدام بياناتهم ومعلوماتهم الشخصية أكثر من ذي قبل، تأتي هذه الاستحواذات لتعطي بضع شركات سلطات غير مسبوقة ليس فقط على بيانات آلاف الملايين من المستخدمين ومعلوماتهم الشخصية، بل وعلى طبيعة تواصلهم رقمياً مع الآخرين.
والنتيجة هجرة رقمية للمستخدمين بين التطبيقات حتى يجدوا من بينها ما يحترم خصوصيتهم وتفاصيلهم الشخصية.