البناء الصحيح

18 يونيو 2019
+ الخط -
الإنسان كائن ثلاثي الأبعاد، ليس القصد أبعاد الزمن والحيز، إنما أبعاد إنسانية مختلفة. هذه الأبعاد هي: الجسد والروح والعقل، كل بعد من هذه الأبعاد الثلاثة له خصائصه ومميزاته، وبالتالي كل بعد له مقوماته البنائية الخاصة به، كلّ له مواد البناء الفريدة به.
ولكي نسمو بالإنسان ونرتقي به فردا ومجتمعا وجب التنسيق بين الأبعاد الثلاثة، وخلق توازن بينها، لذلك نحن أمام بناء متفرد ومتعدد الطبقات، إنه الإنسان، هذا البناء المعقد والمركب، إنه أول بناء نبنيه بل وآخر بناء، فهو البناء الحق والصحيح الذي إن تم بناؤه بشكل سليم فسيتم بناء كل شيء بعده بناءً قويما.
بناء الإنسان بأبعاده تراكمي، تتراكم لبناته عبر الوقت والمكان، وكل بعد من أبعاده له مواده التي تدخل في بنائه.
الجسد: هو البعد المادي والميكانيكي في الإنسان، هو مجموع الأعضاء والأجهزة الحيوية التي تضمن للإنسان حركته في المكان وتفاعله مع المحيط، هذا الشق من الإنسان يتشكل من الخلايا والأنسجة التي بدورها هي عبارة عن لائحة طويلة من البروتينات والدهون والمعادن.
بناء الجسد تتدخل فيه المادة عبر الأكل والشرب والهواء، كما يتأثر بالعوامل الخارجية من مناخ وتغيرات في ضغط الجو والجاذبية والتغيرات الفصلية وتوالي الليل والنهار.
بالإضافة إلى عناصره المادية، الجسد في حاجة للتزاوج ليضمن استمراره وبقاء جنسه. وهذه غرائز حيوانية في الإنسان تضمن له تشكيل أسرة ومن ثم قبيلة، فالمدينة فالدولة فالجنس البشري ككل.
الروح: هي ذلك الكيان غير الملموس وغير القابل للقياس، يعبر عنا رغم أننا لا نعلم ماهيته، تختلف تسميتها: الروح، النفس، الذات... وقد يختلف كل اسم من أسمائها حسب تعريفها، لكن لا يمكن حصر طبيعتها أو تحديد ماهيتها، وبناء الروح هو بناء فطري. فالروح من نفخة من الله وغذاؤها هو التعلق بالله، فالدين هو الرابط الأقوى الذي لا يقطع صلتنا بمنبع الروح وهو الله، وهذا ما يضمن رقي الروح وسموها، فالإنسان اللامتدين يحس بالفراغ الروحي مهما حاول ملأه.
قد يقول البعض إن من غذاء الروح الفنون الجميلة من موسيقى وفنون تشكيلية وغيرها، لكن غالبا كل أنواع الفنون هي انعكاس الروح وليس غذاءها، الفنون نتائج لتجليات الروح.
العقل: البعد الثالث في الإنسان، وهو التمييز الإلهي للإنسان، حيث خصه بعقل يتخذه مسيرا له وحكما يحكم به بين الصواب والخطأ، بين الحق والباطل. العقل هو المدبر في الإنسان ومركزه فيه مهم، لذلك كان بناء العقل الأكثر تعقيداً، ولزم بناؤه باستمرار دائم، فهو دائم التطور والرقي، يدخل في بنائه كل المعارف من تجارب حياتية ومعارف مكتسبة من تعلم وقراءة، فقدرته على الاستيعاب وتخزين المعلومات هائلة، بل إن قدرته خارقة، لأننا لا نستعمل إلا عُشرا منه وتسعة أعشار لا تستعمل، إن العقل هو ذلك النسيج المتكامل الذي يرقى بالإنسان كل لحظة.
إذن الإنسان هو بناء كل الأبعاد والتنسيق بينها، وبناؤه يضمن بناء العالم الخارجي الذي نطمح له، فلا يمكن إهمال بعد على حساب البعد الآخر، فالإنسان بناء لا يقبل التجزيء والتقسيم. فالجسد يحتاج في بنائه للغذاء المادي والتدريب الحركي الرياضي، الشيء الذي يعزز أركانه، ويمكن اعتبار الجسد هو المؤسسة البنائية في الإنسان. كما أن الروح تحتاج لغذائها الذي يشحنها ويضمن راحتها من دين وتأملات، وبالتالي يتيح لها الإبداع والخلق الجمالي، وهذا يجعلني أعتبر الروح هي الأنشطة والفعاليات التي تقام داخل مؤسسة الجسد. والعقل بدوره له متطلباته الغذائية ليستمر في سموه وتطوره، هذا الغذاء يتيح له حسن التقدير واكتساب الحكمة والبصيرة، العقل هو الساهر على وضوح الصورة العامة وتسيير الجسد والتفاعل مع الروح، فالعقل هو المؤطر والمنسق لأنشطة الروح داخل مؤسسة الجسد.
03EC8D94-BAB4-499E-A16C-6523040DDA85
03EC8D94-BAB4-499E-A16C-6523040DDA85
مراد الزياني (المغرب)
مراد الزياني (المغرب)