بين الجريمة والعصابات، والشخصيّات المركّبة والمعقّدة على أكثر من مستوى، والأعمال الأدبية المُسرفة في الخيال والفانتازيا، يتنقّل الإيطالي ماتّيو غارّوني (1968) بمنتهى السلاسة والإقناع والحرفية. بعد "غومّورا" (2008)، دراما المافيا بعنفها وواقعيتها، أنجز حكايات خيالية مُغرِقة في الفانتازيا، بعنوان "حكاية الحكايات" (2015)، مستمدّة من الأدب الإيطالي في القرن الـ17. وبعد "رجل الكلاب" (2018)، بما فيه من قسوة واقعية وشخصيات معقّدة ومركّبة نفسياً واجتماعياً، تحوّل مُجدداً إلى عالم الخيال المحض في "بينوكيو" (2020)، العمل الكلاسيكي في الأدب الإيطالي في القرن الـ19.
لم يُغيِّر ماتّيو غارّوني، وشريكه في كتابة السيناريو ماسّيمو تْشَكِريني، كثيراً في الأحداث الأصلية لـ"مغامرات بينوكيو" (1883)، إحدى أكثر قصص الأطفال قراءة في العالم، المنتمية إلى "الحكايات الخرافية"، لكاتبها كارلو كولّودي (1826 ـ 1890)، باستثناء القليل وبعض الإضافة الفرعية، التي لم تنتهك روح العمل الأدبي، ما يطرح سؤالاً عن أهمية تقديم عمل كلاسيكي، مُقدَّمَ عشرات المرات، من دون جديدٍ في السرد، أو وجهة نظر فنية أو فلسفية لافتة للانتباه، أو تفجيرٍ لكوامن العمل إبداعياً والخروج منه بما هو غير مسبوق. مع ذلك، فإنّ مُقارنة الاقتباس الجديد بأفلامٍ أخرى، روائية وتحريك، تناولت القصّة نفسها، تكشف أنّ نسخة غارّوني أكثر صدقاً وأمانةً والتصاقاً بالنصّ الأدبي.
الاقتباس الأمين لا يعني أنّ نسخة غارّوني خالية من أيّ تميّز. المخرج يركّز على الجوانب البصرية أساساً، مبرزاً ـ من اللقطات الأولى ـ اعتناءً بالغاً بأدقّ التفاصيل، ما يُثير الانتباه. تنوّع الألوان بارز بشدّة، رغم غلبة اللون البني. التصوير (الدنماركي نيكولاي برويل) لامع، داخل الاستديو أو في قرى إقليم توسكانا وحقوله، حيث تدور غالبية الأحداث. كما يصعب إغفال الجهد الإبداعي الملحوظ لمصمّم الماكياج البريطاني مارك كولير، الحائز على جائزتي "أوسكار" عن "المرأة الحديدية" (2011) لفيلّيدا لويد، و"غراند بودابست أوتيل" (2014) لوَسْ أندرسن. بصمته أثّرت على "بينوكيو" كثيراً، وأكسبت الشخصيات، أقلّه شخصية بينوكيو، مصداقية وواقعية كبيرتين.
في "بينوكيو" ـ الممتع لكافة الأعمار، والمشوّق قليلاً، وغير الخالي من ضحكٍ وإثارة، كما في أفلام سابقة لماتّيو غارّوني قائمة على الخيال والفانتازيا ـ هناك اعتناء باختيار الأماكن الخارجية للتصوير، إلى درجة يصعب معها أحياناً تصوّر وجودها، والاعتقاد أنّ الكمبيوتر منفّذها. فغارّوني يتميّز بمحافظته على خيطٍ رفيع جداً بين الواقع والخيال، من دون أدنى اختلال أو عدم اقتناع من المُشاهِد. هذا بارز بشدّة في "بينوكيو"، في المشاهد الواقعية جداً أو المفرطة في الفانتازيا، وإنْ صُوِّرت داخل الاستديو أو في الطبيعة.
عام 2002، أخرج الممثل والمخرج والسيناريست الإيطالي المعروف روبيرتو بينيني نسخته من "بينوكيو"، مؤدّياً فيها دور بينوكيو. لكن، لا الفيلم ولا أداء بينيني كانا على النحو المنتظر، فتمّ تجاهله نقدياً، وفشل جماهيرياً، ونُسِيَ كلّياً. في نسخة غارّوني، يؤدّي بينيني دور غيبّيتو، والد بينوكيو، لكنّه لا يظهر كثيراً، وإنْ يظهر فوجوده في المَشَاهد ملموسٌ للغاية. وبحكم خبرته وتمرّسه في الكوميديا والدراما، أتقن بينيني دوره، ومزج ببراعة بينهما، ونقل بصدق المشاعر الأبوية المتدفّقة خوفاً على ابنه، الذي نحته بيديه، وضحّى بكل ما يملك من أجله، وبحث عنه في كل مكان، إلى أن عثر عليه في النهاية.
تدور أحداث العمل في إطار أخلاقي تربوي الطابع، موجَّه إلى الأطفال أولاً، رغم خلوّها من الوعظ المباشر عن ضرورة الامتثال والطاعة والتعلّم من الأخطاء، وعن مصاعب الحياة وقسوتها. مثلاً، احتراق قدميه، وبيعه كعبد، وسرقة نقوده، وشنقه ومرضه، وتحوّله إلى حمار، وغرقه في البحر، إلخ. خلاصة ما تعلّمه بينوكيو كامنٌ في أنّ الأمر ليس مجرد اكتساب بشرة وشَعَر، بل يتوقّف أساساً على ضرورة التعلّم واكتساب ما هو إنساني من خلال التجارب والخبرات واستيعاب الأخطاء وتحمّل المسؤولية، إلى المعاناة والخوف والألم. هذا يمرّ به بينوكيو في مغامراته العديدة.
بينوكيو (فيدريكو إيلابي)، يبلغ 8 أعوام. ينحته غيبيتو النجّار من قطعة خشب استثنائية. تدبّ فيه حياة ناقصة، فنصفه خشبيّ ونصفه بشري. جسده مصنوع من خشب، لكنّه يتحرّك ويتحدّث ويُفكّر كالبشر. دهشة غيبيتو بفعله تزول سريعاً، ويعلن أنّ بينوكيو ابن له. لذا، يُخصِّص كلّ ما يملكه لتعليمه كبقية الأطفال. لكن بينوكيو يكره المدرسة، فيُخالف تعليمات والده ونصائحه. يفرّ من المدرسة، ويذهب إلى السيرك فيقع في قبضة صاحب السيرك والعرائس الخشبية. لاحقاً، يعطف عليه ويعطيه جنيهات ذهبية تكون وبالاً عليه، وتجلب له المتاعب.
يعلم القط (روكو باباليو) والثعلب (ماسّيمو تْشَكِريني) بوجود نقود مع بينوكيو، فيحتالان عليه ويقنعانه بزرعها لتصير شجرة عملاقة، تطرح عملات ذهبية كثيرة. يصدّقهما بينوكيو، ويدفع ثمن الخدعة غالياً. لكن الحياة ليست دائماً مليئة بالأشرار واللصوص، إذْ تنقذه جنّية شابّة ذات شعر فيروزي (أليدا بالاداري كالابريا) وخادمتها الحلزون (ماريا بيا تيمو) من الموت أولاً، ومن مصاعب كثيرة أخرى. وبعد تحوّل الجنّية إلى فتاة مكتملة الأنوثة (مارين فاكت)، تُقنعه بضرورة الدراسة والتعلّم. ثم تحقّق له أمنيته بأنْ يكون صبياً من لحم ودم، ويلتقي والده بعد فراق طويل.
الاقتباس الأمين لا يعني أنّ نسخة غارّوني خالية من أيّ تميّز. المخرج يركّز على الجوانب البصرية أساساً، مبرزاً ـ من اللقطات الأولى ـ اعتناءً بالغاً بأدقّ التفاصيل، ما يُثير الانتباه. تنوّع الألوان بارز بشدّة، رغم غلبة اللون البني. التصوير (الدنماركي نيكولاي برويل) لامع، داخل الاستديو أو في قرى إقليم توسكانا وحقوله، حيث تدور غالبية الأحداث. كما يصعب إغفال الجهد الإبداعي الملحوظ لمصمّم الماكياج البريطاني مارك كولير، الحائز على جائزتي "أوسكار" عن "المرأة الحديدية" (2011) لفيلّيدا لويد، و"غراند بودابست أوتيل" (2014) لوَسْ أندرسن. بصمته أثّرت على "بينوكيو" كثيراً، وأكسبت الشخصيات، أقلّه شخصية بينوكيو، مصداقية وواقعية كبيرتين.
في "بينوكيو" ـ الممتع لكافة الأعمار، والمشوّق قليلاً، وغير الخالي من ضحكٍ وإثارة، كما في أفلام سابقة لماتّيو غارّوني قائمة على الخيال والفانتازيا ـ هناك اعتناء باختيار الأماكن الخارجية للتصوير، إلى درجة يصعب معها أحياناً تصوّر وجودها، والاعتقاد أنّ الكمبيوتر منفّذها. فغارّوني يتميّز بمحافظته على خيطٍ رفيع جداً بين الواقع والخيال، من دون أدنى اختلال أو عدم اقتناع من المُشاهِد. هذا بارز بشدّة في "بينوكيو"، في المشاهد الواقعية جداً أو المفرطة في الفانتازيا، وإنْ صُوِّرت داخل الاستديو أو في الطبيعة.
عام 2002، أخرج الممثل والمخرج والسيناريست الإيطالي المعروف روبيرتو بينيني نسخته من "بينوكيو"، مؤدّياً فيها دور بينوكيو. لكن، لا الفيلم ولا أداء بينيني كانا على النحو المنتظر، فتمّ تجاهله نقدياً، وفشل جماهيرياً، ونُسِيَ كلّياً. في نسخة غارّوني، يؤدّي بينيني دور غيبّيتو، والد بينوكيو، لكنّه لا يظهر كثيراً، وإنْ يظهر فوجوده في المَشَاهد ملموسٌ للغاية. وبحكم خبرته وتمرّسه في الكوميديا والدراما، أتقن بينيني دوره، ومزج ببراعة بينهما، ونقل بصدق المشاعر الأبوية المتدفّقة خوفاً على ابنه، الذي نحته بيديه، وضحّى بكل ما يملك من أجله، وبحث عنه في كل مكان، إلى أن عثر عليه في النهاية.
تدور أحداث العمل في إطار أخلاقي تربوي الطابع، موجَّه إلى الأطفال أولاً، رغم خلوّها من الوعظ المباشر عن ضرورة الامتثال والطاعة والتعلّم من الأخطاء، وعن مصاعب الحياة وقسوتها. مثلاً، احتراق قدميه، وبيعه كعبد، وسرقة نقوده، وشنقه ومرضه، وتحوّله إلى حمار، وغرقه في البحر، إلخ. خلاصة ما تعلّمه بينوكيو كامنٌ في أنّ الأمر ليس مجرد اكتساب بشرة وشَعَر، بل يتوقّف أساساً على ضرورة التعلّم واكتساب ما هو إنساني من خلال التجارب والخبرات واستيعاب الأخطاء وتحمّل المسؤولية، إلى المعاناة والخوف والألم. هذا يمرّ به بينوكيو في مغامراته العديدة.
بينوكيو (فيدريكو إيلابي)، يبلغ 8 أعوام. ينحته غيبيتو النجّار من قطعة خشب استثنائية. تدبّ فيه حياة ناقصة، فنصفه خشبيّ ونصفه بشري. جسده مصنوع من خشب، لكنّه يتحرّك ويتحدّث ويُفكّر كالبشر. دهشة غيبيتو بفعله تزول سريعاً، ويعلن أنّ بينوكيو ابن له. لذا، يُخصِّص كلّ ما يملكه لتعليمه كبقية الأطفال. لكن بينوكيو يكره المدرسة، فيُخالف تعليمات والده ونصائحه. يفرّ من المدرسة، ويذهب إلى السيرك فيقع في قبضة صاحب السيرك والعرائس الخشبية. لاحقاً، يعطف عليه ويعطيه جنيهات ذهبية تكون وبالاً عليه، وتجلب له المتاعب.
يعلم القط (روكو باباليو) والثعلب (ماسّيمو تْشَكِريني) بوجود نقود مع بينوكيو، فيحتالان عليه ويقنعانه بزرعها لتصير شجرة عملاقة، تطرح عملات ذهبية كثيرة. يصدّقهما بينوكيو، ويدفع ثمن الخدعة غالياً. لكن الحياة ليست دائماً مليئة بالأشرار واللصوص، إذْ تنقذه جنّية شابّة ذات شعر فيروزي (أليدا بالاداري كالابريا) وخادمتها الحلزون (ماريا بيا تيمو) من الموت أولاً، ومن مصاعب كثيرة أخرى. وبعد تحوّل الجنّية إلى فتاة مكتملة الأنوثة (مارين فاكت)، تُقنعه بضرورة الدراسة والتعلّم. ثم تحقّق له أمنيته بأنْ يكون صبياً من لحم ودم، ويلتقي والده بعد فراق طويل.