تم تداول النفط بالقرب من أعلى مستوى خلال 12 أسبوعًا تقريباً، بعد أن فاجأت السعودية السوق، يوم الجمعة، بتخفيض كبير في المعروض، يتجاوز ما تم الاتفاق عليه مع أعضاء أوبك. وانخفضت العقود الآجلة في نيويورك بعد ارتفاعها بنسبة 1.3%، يوم الجمعة، لتتقدم بنسبة 7.3% أسبوعيا، وهو أكبر ارتفاع منذ منتصف يونيو/حزيران. وتعهدت المملكة طوعًا بضخ 400 ألف برميل يوميًا أقل من تفويض "أوبك+"، مما يعني أن إجمالي القيود المفروضة على المجموعة هي بمعدل 2.1 مليون برميل يومياً.
وبالرغم من كل هذه الاستراتيجية التي تسعى إلى رفع أسعار النفط عبر موازنة العرض والطلب في السوق الدولية، أكد عدد من التقارير والشركات والبنوك الاستثمارية الدولية أن مساعي "أوبك+" لن تنجح في تحقيق ارتفاعات مجدية في أسعار النفط. الأسباب مختلفة، أبرزها الحرب التجارية المستمرة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، التي تلقي بظلالها على ضعف النمو الدولي، وبالتالي تقلّص حجم الطلب النفطي.
إذ قال بنك مورغان ستانلي الاستثماري الأميركي إن خطة أوبك وحلفائها لخفض إنتاج الخام إلى نهاية الربع الأول من العام المقبل ستدعم السوق على المدى القصير فحسب، وإن من المرجح أن يعود سعر خام برنت إلى 60 دولارا للبرميل بحلول منتصف 2020.
وخفض البنك توقعاته لإنتاج أوبك في العام المقبل، بواقع 400 ألف برميل يوميا، إلى 29.2 مليون برميل يوميا، بعد اتفاق منتجي النفط بقيادة السعودية وروسيا على خفض الإنتاج في الربع الأول من 2020، لكنهم امتنعوا عن تبني أي تعهد لما بعد مارس/آذار.
وشرح البنك في مذكرة أن "التخفيضات الإضافية الأخيرة إيجابية بكل وضوح على المدى القصير، لكن الحاجة إليها تؤكد ضعف العوامل الأساسية". ورغم التخفيضات، يتوقع البنك نمو الإمدادات من خارج أوبك إلى حوالي 1.8 مليون برميل يوميا، العام المقبل، مع معدل نمو شهري لإنتاج الولايات المتحدة يبلغ 50 ألف برميل يوميا، وهو ما سيكون أبطأ منه في 2018 و2019.
وتوقع مورغان ستانلي فائضا متواضعا في العام المقبل، رغم تكهنات بتسارع الطلب بدعم من تطبيق قواعد المنظمة البحرية الدولية في 2020، والتي تلزم شركات الشحن بخفض نسبة الكبريت في وقود السفن بداية من يناير/كانون الثاني.
وتوقع البنك الأميركي أن يسجل برنت 62.50 دولاراً للبرميل في الربع الأول من 2020، لكنه قلص التوقعات إلى 60 دولارا لبقية العام. وتوقع أيضاً أن يستقر غرب تكساس الوسيط عند 57.5 دولارا للبرميل في الربع الأول، ثم يزيد إلى 55 دولارا في بقية العام المقبل.
أيضاً، رفعت مجموعة غولدمان ساكس المصرفية الأميركية توقعاتها لسعر برنت لعام 2020 بعد خطوة أوبك+، لكنها قالت إن المجموعة النفطية تحولت إلى إدارة الاختلالات المادية قصيرة الأجل، بدلاً من محاولة تصحيح الاختلالات على المدى الطويل من خلال التزامات مفتوحة.
وقال فاندانا هاري، مؤسس شركة "فاندا انسايت" في سنغافورة: "ربما يكون لقرار أوبك+ تأثير على تحقيق زيادة قليلة على أسعار النفط الخام. لكن مع انجلاء الغبار عن صفقة فيينا، سيكون من الطبيعي أن تعيد سوق النفط تركيزها على الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتداعياتها الاقتصادية العالمية".
ووعد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، يوم الجمعة، بتخفيض إنتاج المملكة إلى مستويات لم تشهدها منذ عام 2014، وفقًا لبيانات جمعتها بلومبرغ. وبعد يومين من المحادثات الشاقة التي جرت في فيينا، الخميس والجمعة الماضيين، والتي ركزت على تعديل حصص أوبك+، كانت روسيا والعراق والكويت والإمارات من بين الدول التي حصلت على أكبر التخفيضات بخلاف السعوديين.
ولكن على الضفة الأخرى، انخفضت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة 23% في الشهر الماضي عن العام السابق، وهو أكبر حجم منذ فبراير/شباط الماضي. وعندما اتفقت بكين وواشنطن على العمل على "المرحلة الأولى" من الاتفاق التجاري بينهما في أكتوبر/تشرين الأول، كان هناك أمل في أن يؤدي ذلك إلى حل سريع لبعض المسائل على الأقل. ومع ذلك، امتدت المفاوضات منذ ذلك الحين، ومن المقرر أن تبدأ مجموعة جديدة من التعريفات الأميركية في السريان ضد الصين في 15 ديسمبر/كانون الأول، حسب تصريحات سابقة للرئيس دونالد ترامب.
وشرح هاوي لي، الخبير الاقتصادي في شركة "أوفرسي شاينيز بانكينغ" لـ "بلومبيرغ": "لقد تجاوزت الأرقام الصينية تخفيضات أوبك +، مما عزز مرة أخرى التركيز الشديد على الطلب في الوقت الحالي". ومع بقاء أسبوع واحد فقط قبل بدء مجموعة جديدة من التعريفات الأميركية، هناك أيضا القليل من الخوف في السوق.
وقال البنك التجاري الألماني (كومرزبنك) في مذكرة "بفضل التخفيضات الطوعية وغير الطوعية في الإنتاج، فإن أوبك تنتج أقل بكثير مما نصت عليه الاتفاقية منذ شهور. وبعبارة أخرى، فإن القرارات الأخيرة تبدلت ولكن بنسبة قليلة".
وتابع البنك الألماني أن الخطر لم ينته. "نعتقد أن قرارات أوبك+ لا تذهب إلى حد بعيد في معالجة المشكلة. إذ أن فائض العرض في الربع الأول من عام 2020 أعلى بكثير من 500 ألف برميل يوميًا. وأكثر من ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف يمكن احتواء الزيادة المفرطة في العرض والتي ستتم مشاهدتها في الربع الثاني من دون تخفيضات الإنتاج". ونتيجة لذلك، يرى البنك مخاطر سلبية على أسعار النفط في العام المقبل.
وأشار محللون آخرون أيضا إلى التحديات من خلال صفقة مدتها 3 أشهر فقط، كون الاتفاق الرسمي حتى مارس/آذار 2020 فقط لا يفعل الكثير لمساعدة السوق على تحديد وجهات تطورها إلى ما بعد هذا الموعد، أو بعبارة أخرى أنه يزيد تقريباً من المستوى النسبي من عدم اليقين الذي يتعين على السوق التعامل معه. وقالت "جيه بي سي إنيرجي" في مذكرة يوم الجمعة: "هناك الكثير من التكهنات التي يتركها اتفاق أوبك+ للسوق".
ووفق ما كتبه نك كوننغهام، في موقع "أويل برايس" النفطي الدولي، فإن حجم الفائض يعتمد، إلى حد كبير، على ما إذا كان بإمكان النفط الصخري الأميركي الاستمرار في النمو أم لا.
وقالت شركة "رايستاد إينيرجي" في تقرير لها إنها ترى أن نمو النفط الصخري مستمر حتى لو ظل سعر خام غرب تكساس الوسيط عالقًا في منتصف الخمسينيات. إلا أن الإجهاد المالي الذي ينتشر في الصناعة سيشكل تحديات هائلة للحفارين الذين يحاولون الحفاظ على النمو. في حين أن تخفيضات أوبك+ يمكن أن تكون بالنسبة إلى الناشطين في استخراج النفط الصخري شريان حياة، إذا نجحت في زيادة الأسعار.
ويكمن الخطر لدى الكارتل في أنه إذا نجحت التخفيضات بالشكل المطلوب، أي إذا رفعت الأسعار بشكل كبير، فقد يرتد النفط الصخري الأميركي، مما قد يزيد من وتيرة الحفر ويهدد بموجة أخرى من الإمداد. ثم قد تحتاج أوبك+ إلى تمديد التخفيضات مرة أخرى وربما إلى تعميقها أكثر.
وانخفضت أسعار النفط، الاثنين، بعد بيانات أظهرت أن صادرات الصين تراجعت للشهر الرابع على التوالي، مثيرة حالة من القلق في سوق متخوفة بالفعل من الضرر الذي تلحقه حرب التجارة الصينية الأميركية بالطلب العالمي. ونزل برنت 21 سنتا بما يعادل 0.3% إلى 64.18 دولارا للبرميل، بعد مكاسب بلغت نحو 3% الأسبوع الماضي بفضل أنباء زيادة تخفيضات الإنتاج من جانب أوبك وحلفائها. ونزل خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 30 سنتا أو 0.5% إلى 58.90 دولاراً للبرميل، بعد أن زاد 7% الأسبوع الماضي بفضل توقعات خفض إنتاج أوبك+.
وجاء انخفاض اليوم المفاجئ بعد بيانات الجمارك الصينية، الأحد، والتي أظهرت هبوط صادرات ثاني أكبر اقتصاد في العالم 1.1% في نوفمبر/تشرين الثاني، مقارنة بتوقعات في استطلاع لرويترز لنمو يبلغ 1%. وتأتي البداية الضعيفة هذا الأسبوع رغم بيانات أظهرت زيادة واردات الخام للصين، مما يكشف مدى القلق الكامن في السوق من الخلاف التجاري بين الولايات المتحدة والصين.