طوت الجزائر السنة الأولى من مخطط طباعة النقود الممتد على خمس سنوات، بتجاوز الكتل النقدية المطبوعة الوتيرة التي توقعتها الحكومة عند طرح حل اللجوء إلى التمويل غير التقليدي لتعويض جزء من عائدات النفط الضائعة في السنوات الأخيرة بفعل تهاوي أسعار الذهب الأسود، ما جعل المخاوف تتزايد من عواقب الاعتماد المفرط على طباعة الأموال على الاقتصاد الجزائري عموما وعلى القدرة الشرائية للمواطن، في ظل انفلات مرتقب للتضخم.
وقبل سنة من اليوم، تبنت الحكومة الجزائرية، برئاسة أحمد أويحيى، مجموعة من التدابير المتعلقة باللجوء إلى ما يعرف بـ"التمويلات غير التقليدية"، لسد عجز الموازنة العامة وتحريك عجلة الاقتصاد، في ظل الصعوبات المالية التي تواجهها الدولة.
وحسب الخطة التي وضعتها الحكومة آنذاك وصادق عليها البرلمان، يقوم البنك المركزي بطباعة ما يعادل 11 مليار دولار سنويا من الدينار الجزائري، على مدار 5 سنوات، يقرضها البنك للخزينة العمومية، على أن تُسدد الديون مستقبلا، عند انتعاش أسعار النفط.
لكن ما حدث هو تجاوز هذه الأرقام في السنة الأولى لنحو 30 مليار دولار، حسب بيانات رسمية، أي لو استمر هذا المعدل سترتفع الطباعة خلال 5 سنوات إلى 150 مليار دولار، مقارنة بمستهدف 55 مليار دولار فقط خلال هذه الفترة.
ولاقت خطوة طباعة النقود معارضة شديدة من أحزاب سياسية وخبراء اقتصاد تخوفوا من الآثار السلبية، أبرزها ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية.
انفلات التضخم
منذ طرحها لمخطط "التمويل غير التقليدي" صيف 2017، وحتى بعد مصادقة البرلمان عليه في أكتوبر/تشرين الأول من السنة الماضية وحتى الآن، تصر الحكومة على أن طباعة النقود متحكم فيها، ولن تؤثر على مستويات التضخم، إلا أن الأرقام سرعان ما أسقطت الخطاب الرسمي.
اقــرأ أيضاً
وفي وقت توقعت الحكومة أن يستقر التضخم عند 4% سنة 2018، تشير معطيات ديوان الإحصائيات إلى أن نسبة التضخم بلغت 4.9% في آب/أغسطس الماضي، في وقت يؤكد فيه خبراء أن النسبة الحقيقية تفوق 7%، بالنظر إلى تراجع قيمة الدينار 2.5% قبل شهرين، متوقعين انفلات التضخم في حالة استمرار الوتيرة المتسارعة لطباعة النقود.
وإلى ذلك، يقول مستشار مستقل لدى الحكومة الجزائرية وعضو سابق في مجلس المحاسبة، عبدالرحمن مبتول لـ"العربي الجديد"، إن "أبجديات الاقتصاد تقوم على قواعد حسابية منطقية، وبالتالي فإنّ طبع دينار واحد وضخّه في شريان الاقتصاد من دون مقابل من المنتجات أو الخدمات، ينعكس على المعادلة الاقتصادية، ويسبب تبعا لذلك زيادة في التضخم".
وأضاف مبتول أن "الحكومة لم تستطع أن تتحكم في وتيرة طباعة الأموال، فكيف ستتحكم في نسب التضخم؟، وأكبر دليل هو تعويم البنك المركزي الجزائري قيمة الدينار مؤخرا لامتصاص جزء من التضخم الذي بدأ يلقي بظلاله على القدرة الشرائية للمواطنين المترنحة والمهددة بالانهيار في أي لحظة".
شكوك في أرقام الحكومة
وعلى الرغم من أنّ رئيس الحكومة الجزائري يحرص، في كل لقاء له مع الصحافة، على الإشادة بالإجراءات التي تبنّتها حكومته، وعلى رأسها الاستنجاد بالتمويل غير التقليدي عبر طباعة كتل نقدية جديدة، يتمسك خبراء اقتصاد بتحليلاتهم، بخصوص تداعيات الاعتماد على هذه الطريقة على الاقتصاد الوطني.
ويقول الخبير الاقتصادي فرحات علي لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة تملك الأرقام وتتحكم فيها، وذلك لاحتكار الديوان الجزائري لمركز الإحصائيات التابع للحكومة والمختص في الدراسات الدورية المتعلقة بالتضخم والبطالة ونسبة النمو، وبالتالي يصعب تكذيب أرقام الحكومة رغم تناقضها مع المنطق الاقتصادي".
اقــرأ أيضاً
وحسب الخبير، فإن "أرقام البنك المركزي الجزائري كشفت أن ما تمت طباعته من أموال قارب 30 مليار دولار في السنة الأولى فقط، أي قرابة 19% من الناتج الداخلي الخام، ما يعني زيادة تفوق 250% عما تنص عليه الخطة الحكومية، وذلك بعد ارتفاع العجز في الميزانية إلى ما يفوق 35 مليار دولار في السنة المالية 2017/2018".
ويضيف علي، أن "الحكومة تريد حلولا مؤقتة وليست دائمة، وإلا تقيدت بالسقف الذي وضعته عند اعتماد آلية التمويل غير التقليدي وهو 11 مليار دولار لكل سنة، أي 55 مليار دولار في 5 سنوات".
ويتابع: "إما أن الحكومة لا تتحكم في المعطيات المالية وهذا أمر خطير، أو أنها كانت على دراية بالصعوبات المالية وفضلت تخفيض الأرقام للمناورة، وبالتالي نحن أمام حكومة تغالط الرأي العام، ولا تريد مصارحته بالحقيقة."
تحكم المدين في الدائن
يتوقع وزير المالية الأسبق ورئيس جمعية البنوك الجزائرية، عبد الرحمان بن خالفة، أن ترتفع كتلة النقود المطبوعة في 2022 إلى 90 مليار دولار.
ويعلل بن خالفة توقعاته، في حديث مع "العربي الجديد"، قائلا: "متوسط عجز الخزينة العمومية السنوي هو ما بين 30 و35 مليار دولار سنويا، أي 150 مليار دولار من 2017 إلى 2022، يمكن أن تغطي الحكومة قرابة ثلث هذا العجز من التمويل العادي، أي عائدات النفط، في انتعاشها هذه السنة، وإمكانية تواصل هذا الانتعاش مستقبلا.
ويرى وزير المالية الأسبق أن "أخطر شيء في عملية طباعة النقود لتمويل الخزينة العمومية وفق النسخة الجزائرية، هو تحكّم المدين في الدائن، أي أن الحكومة تطلب من البنك المركزي أن يطبع وفق ما تريده هي وليس وفق ما يراه المركزي الجزائري مناسبا حماية للاقتصاد، أي أن الحكومة تقترض وفق ترتيبات وضعتها هي وألزمت المركزي بها."
وحسب الخطة التي وضعتها الحكومة آنذاك وصادق عليها البرلمان، يقوم البنك المركزي بطباعة ما يعادل 11 مليار دولار سنويا من الدينار الجزائري، على مدار 5 سنوات، يقرضها البنك للخزينة العمومية، على أن تُسدد الديون مستقبلا، عند انتعاش أسعار النفط.
لكن ما حدث هو تجاوز هذه الأرقام في السنة الأولى لنحو 30 مليار دولار، حسب بيانات رسمية، أي لو استمر هذا المعدل سترتفع الطباعة خلال 5 سنوات إلى 150 مليار دولار، مقارنة بمستهدف 55 مليار دولار فقط خلال هذه الفترة.
ولاقت خطوة طباعة النقود معارضة شديدة من أحزاب سياسية وخبراء اقتصاد تخوفوا من الآثار السلبية، أبرزها ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية.
انفلات التضخم
منذ طرحها لمخطط "التمويل غير التقليدي" صيف 2017، وحتى بعد مصادقة البرلمان عليه في أكتوبر/تشرين الأول من السنة الماضية وحتى الآن، تصر الحكومة على أن طباعة النقود متحكم فيها، ولن تؤثر على مستويات التضخم، إلا أن الأرقام سرعان ما أسقطت الخطاب الرسمي.
وفي وقت توقعت الحكومة أن يستقر التضخم عند 4% سنة 2018، تشير معطيات ديوان الإحصائيات إلى أن نسبة التضخم بلغت 4.9% في آب/أغسطس الماضي، في وقت يؤكد فيه خبراء أن النسبة الحقيقية تفوق 7%، بالنظر إلى تراجع قيمة الدينار 2.5% قبل شهرين، متوقعين انفلات التضخم في حالة استمرار الوتيرة المتسارعة لطباعة النقود.
وإلى ذلك، يقول مستشار مستقل لدى الحكومة الجزائرية وعضو سابق في مجلس المحاسبة، عبدالرحمن مبتول لـ"العربي الجديد"، إن "أبجديات الاقتصاد تقوم على قواعد حسابية منطقية، وبالتالي فإنّ طبع دينار واحد وضخّه في شريان الاقتصاد من دون مقابل من المنتجات أو الخدمات، ينعكس على المعادلة الاقتصادية، ويسبب تبعا لذلك زيادة في التضخم".
وأضاف مبتول أن "الحكومة لم تستطع أن تتحكم في وتيرة طباعة الأموال، فكيف ستتحكم في نسب التضخم؟، وأكبر دليل هو تعويم البنك المركزي الجزائري قيمة الدينار مؤخرا لامتصاص جزء من التضخم الذي بدأ يلقي بظلاله على القدرة الشرائية للمواطنين المترنحة والمهددة بالانهيار في أي لحظة".
شكوك في أرقام الحكومة
وعلى الرغم من أنّ رئيس الحكومة الجزائري يحرص، في كل لقاء له مع الصحافة، على الإشادة بالإجراءات التي تبنّتها حكومته، وعلى رأسها الاستنجاد بالتمويل غير التقليدي عبر طباعة كتل نقدية جديدة، يتمسك خبراء اقتصاد بتحليلاتهم، بخصوص تداعيات الاعتماد على هذه الطريقة على الاقتصاد الوطني.
ويقول الخبير الاقتصادي فرحات علي لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة تملك الأرقام وتتحكم فيها، وذلك لاحتكار الديوان الجزائري لمركز الإحصائيات التابع للحكومة والمختص في الدراسات الدورية المتعلقة بالتضخم والبطالة ونسبة النمو، وبالتالي يصعب تكذيب أرقام الحكومة رغم تناقضها مع المنطق الاقتصادي".
وحسب الخبير، فإن "أرقام البنك المركزي الجزائري كشفت أن ما تمت طباعته من أموال قارب 30 مليار دولار في السنة الأولى فقط، أي قرابة 19% من الناتج الداخلي الخام، ما يعني زيادة تفوق 250% عما تنص عليه الخطة الحكومية، وذلك بعد ارتفاع العجز في الميزانية إلى ما يفوق 35 مليار دولار في السنة المالية 2017/2018".
ويضيف علي، أن "الحكومة تريد حلولا مؤقتة وليست دائمة، وإلا تقيدت بالسقف الذي وضعته عند اعتماد آلية التمويل غير التقليدي وهو 11 مليار دولار لكل سنة، أي 55 مليار دولار في 5 سنوات".
ويتابع: "إما أن الحكومة لا تتحكم في المعطيات المالية وهذا أمر خطير، أو أنها كانت على دراية بالصعوبات المالية وفضلت تخفيض الأرقام للمناورة، وبالتالي نحن أمام حكومة تغالط الرأي العام، ولا تريد مصارحته بالحقيقة."
تحكم المدين في الدائن
يتوقع وزير المالية الأسبق ورئيس جمعية البنوك الجزائرية، عبد الرحمان بن خالفة، أن ترتفع كتلة النقود المطبوعة في 2022 إلى 90 مليار دولار.
ويعلل بن خالفة توقعاته، في حديث مع "العربي الجديد"، قائلا: "متوسط عجز الخزينة العمومية السنوي هو ما بين 30 و35 مليار دولار سنويا، أي 150 مليار دولار من 2017 إلى 2022، يمكن أن تغطي الحكومة قرابة ثلث هذا العجز من التمويل العادي، أي عائدات النفط، في انتعاشها هذه السنة، وإمكانية تواصل هذا الانتعاش مستقبلا.
ويرى وزير المالية الأسبق أن "أخطر شيء في عملية طباعة النقود لتمويل الخزينة العمومية وفق النسخة الجزائرية، هو تحكّم المدين في الدائن، أي أن الحكومة تطلب من البنك المركزي أن يطبع وفق ما تريده هي وليس وفق ما يراه المركزي الجزائري مناسبا حماية للاقتصاد، أي أن الحكومة تقترض وفق ترتيبات وضعتها هي وألزمت المركزي بها."