استمع إلى الملخص
- الحكم يدعم الحكومة في تعديل قانون الضرائب العقارية وزيادة الإيرادات، ويسمح لها بالتصرف في الوحدات السكنية وفق أسعار السوق، مما يؤثر على السوق العقاري ويدفع لتجديد المباني القديمة.
- من المتوقع زيادة القضايا القانونية حول عقود الإيجار القديمة، مع تقديم الحكومة مشروع قانون جديد في نوفمبر 2025 لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر.
ألقى حكم تاريخي للمحكمة الدستورية العليا بحجر ضخم في بحيرة قطاع تأجير المساكن الخاصة الراكد منذ سنوات. أسس الحكم لعلاقة جديدة بين المالك والمستأجر قائمة على "العدل وتحقيق المصلحة المتبادلة بين حق المستأجر في الحصول على سكن يؤويه وحق المالك في الحصول على عائد استثماري على رأس ماله المستثمر في قيمة الأرض والبناء قادر على مواجهة التضخم".
قضى الحكم على ديمومة عقد الإيجار، وإنهاء علاقة التوريث التي خلفتها سلسلة قوانين الحقبة الاشتراكية التي حكمت العلاقة بين الملاك والمستأجرين في مصر منذ ستينيات القرن الماضي، بدأ النظام يتراجع عنها منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، بتغيير العلاقة بين المالك والمستأجر في الأراضي الزراعية، ثم أتبعها بتغيير قانون تأجير العقارات للشخصيات الاعتبارية.
وشمل الحكم، عدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 136 لسنة 1981، بشأن تأجير الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجر والمستأجر، والذي ينص على تثبيت الأجرة السنوية للأماكن المرخص بإقامتها للأغراض السكنية. أكدت المحكمة أن ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمان ثباتاً لا يزيله مضي عقود على التاريخ الذي تحددت فيه يشكل عدواناً على قيمة العدل وإهدار لحق الملكية.
نص الحكم الذي صدر برئاسة المستشار بولس فهمي رئيس المحكمة، على أن يبدأ تطبيق أثر الحكم من اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي، والذي يوافق شهر أغسطس/ آب 2025، مع انتهاء الدورة البرلمانية لمجلس النواب الحالي.
وجهت المحكمة الدستورية -وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد- البرلمان والحكومة إلى حاجة المشرع إلى إعداد قانون جديد للإيجارات، خلال مدة زمنية كافية ليختار بين البدائل ووضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن السكنية.
وطلبت من مجلس النواب الإسراع في تنظيم هذه العلاقات وإصدار قانون يراعي التوازن بين حقوق المالك والمستأجر، ويراعي التوازن الذي دعت إليه المحكمة لضبط العلاقة بين الطرفين، قبل أن يبدأ تطبيق هذا الحكم الدستوري، فتحدث فوضى في العديد من التعاقدات المستندة إلى القوانين المنظمة للإيجار القديم وتسقط العديد منها جراء وصولها إلى المحاكم التي ستكون ملزمة بتنفيذ حكم الدستورية العليا. يعد حكم الدستورية العليا بنص الدستور، قانوناً ملزماً لكل الجهات في الدولة، ويفوق في حجية القوانين القوانينَ التي يصدرها البرلمان.
بخس حق المالك في مصر
أشارت المحكمة في حيثيات الحكم إلى فرض المشرع سابقاً على المؤجر مدة العقد وبالتدخل في تحديد الأجرة، بما حدد نطاق الفئات المستفيدين من القانون دون سواهم، من دون ضوابط موضوعية تتوخى تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية، منوهة إلى ضرورة مراعاة التوازن بين عدم حق المؤجر في استرداد عائد استثمار الأموال في قيمة الأرض والمباني، وحاجة المستأجر إلى مسكن يؤويه، بدون استغلال. لفتت حيثيات الحكم إلى أن ثبات الأجرة يمثل بخساً للعائد فيحيله عدماً.
أوضحت المحكمة أن النصين المطعون عليهما حظرا زيادة الأجرة السنوية للأماكن السكنية المستأجرة اعتباراً من تاريخ العلم بأحكام القانون، على 7% من قيمة الأرض عند الترخيص، والمباني طبقاً للتكلفة الفعلية وقت البناء ما يعني ثبات القيمة الإيجارية عن لحظة من الزمن... وهو ثبات لا يزيله مضي عقود على التاريخ الذي تحددت فيه، ولا تؤثر فيه معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية واضمحلال عائد استثمار الأعيان المؤجرة بما يدنيه من العدم، مؤكدة أن ذلك يشكل عدواناً على قيمة العدل وإهداراً لحق الملكية.
طوق نجاة للحكومة
وصف اقتصاديون الحكم بأنه جاء طوقَ نجاة للحكومة، التي ترغب في تغيير قانون الضرائب العقارية ومد سلطة الضرائب العقارية على العقارات القديمة التي تشكل أعلى نسبة من ثروة عقارية تزيد عن 30 مليون وحدة عقارية يمكن أن تخضع لمظلة قانون الضرائب. أشار خبراء الاقتصاد إلى رغبة الحكومة في الحصول على الوحدات السكنية المملوكة لها، والقطاع العام، في وسط القاهرة، وفي الأحياء الراقية القديمة بالمدن التابعة لوزارات الأوقاف وبنك ناصر الاجتماعي وشركات التأمين والإدارات المحلية، والتصرف فيها بالبيع أو الحصول على إيجارات متناسبة مع متوسط أسعار السكن حالياً، بما يرفع من قدرتها على تمويل إيرادات الموازنة العامة والجهات المالكة لتلك الوحدات.
قال خبير الاستثمار العقاري أحمد أبو علي لــ"العربي الجديد" إن حكم الدستورية العليا أنهى صراعاً عميقاً بين الملاك والمستأجرين استمر نحو 60 عاماً، بدأت بخفض الحكومة قيمة الإيجارات على الوحدات المبنية قبل عام 1962، تلاها قانون 136 لسنة 1981، الذي حدد سعر الإيجار بثمن بخس ما جعل أصحاب الأموال يحجمون عن المشاركة في بناء العقارات، أو ترميم المباني القديمة.
يؤكد أبو علي أن تنفيذ حكم الدستورية العليا، سيتبعه تغيير واسع في السوق العقاري، بدفع ملايين الوحدات المبنية في المناطق القديمة لسوق الإيجار، وسيمكن بعض أصحاب العقارات التي أوشكت على التهدم مع إهمال صيانتها إلى هدمها وإدخالها في سوق المباني الجديدة، مع زيادة عدد الوحدات، تماشياً مع توجه أصحاب العقارات في المناطق القديمة إلى بناء أبراج بدلات من الفيلات والبيوت العائلية.
يذكر أبو علي صعوبة تحديد عدد الوحدات السكنية التي ستطرح في سوق العقارات، لعدم امتلاك الجهات الرسمية إحصائية محددة بعدد الوحدات المؤجرة على مستوى البلاد، مبيناً أنها ستكون في حدود عدة ملايين من الوحدات سواء كانت مملوكة للأفراد أو الجهات العامة والحكومية.
يشير خبير الاستثمار العقاري إلى أن تغيير قانون العلاقة بين المالك والمستأجر، لن يظهر له أثر على سوق العقارات الجديدة، على المدى المتوسط، خلال 5 سنوات، حتى تظهر آثاره وقدرة الدولة على تنفيذه، وقدرة جهات العدالة في إرجاع الحقوق إلى أصحابها، بعد أن انتقلت العلاقة الإيجارية بين عدة أجيال من ورثة الملاك والمستأجرين، والتي ستحتاج إلى عدالة وحسم للنزاعات المترتبة على تنفيذ القانون.
قضايا لفسخ العقود
أشار الخبراء إلى أن الحكومات السابقة حرصت على تأجيل البت في مشروعات عديدة بتعديل قانون العلاقة بين المالك والمستأجر، لاستفادة بعض كبار الشخصيات في الدولة والبرلمان من حيازة وحدات سكنية فاخرة، في العاصمة والمدن الرئيسية بمقابل لا يزيد عن 50 جنيهاً شهرياً.
يشير خبراء قانون إلى أنه سيترتب على حكم الدستورية العليا من تاريخ بدء تنفيذه، السماح للملاك برفع قضايا أمام المحاكم المدنية المختصة لفسخ عقود الإيجار وطرد المستأجرين أو إلزامهم بتعديل الأجرة، أسوة بما جرى تنفيذه، عقب صدور حكم الدستورية العليا، بعدم دستورية امتداد عقد الإيجار القديم للأشخاص الاعتباريين من الجهات الحكومية والعامة والخاصة.
يتوقع برلمانيون أن تتقدم الحكومة بمشروع قانون ينظم العلاقة بين المالك ومستأجر الوحدات السكنية، في بداية الدورة البرلمانية بعد تشكيل مجلس النواب الجديد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، ليتناسب مع انتهاء المهلة الزمنية المحددة بحكم الدستورية العليا.