كشف التقرير السنوي لهيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية) لعام 2019، والذي أعلن عنه مؤخراً، بعداً مخيفاً لأعمال عنف اليمين المتطرف والخطر الإسلاموي في البلاد، ودق التقرير ناقوس الخطر محذراً من أن جمهورية ألمانيا الاتحادية باتت مهددة مع عجزها جزئياً عن مواجهة هذا الخطر المتزايد. كل ذلك، مع بروز خطر جديد يتمثل بأنشطة تجسس الدول الأجنبية، وتزايد الهجمات الإلكترونية وحملات التضليل بهدف زعزعة استقرار المجتمع، والتي خصّ التقرير كلاًّ من روسيا والصين بوصفهما دولتين تقف خلفها.
وكانت عدة تقارير صحافية قد تحدثت عن هذه المخاطر في الفترة الأخيرة، وتضمنت مناشدات بضرورة تحديد الأخطار بوضوح لمكافحة مخاطر الوضع القائم. ومن ذلك موقع راينشه بوست أون لاين، الذي أشار إلى أن حوادث قتل عمدة ولاية كاسل، المنتمي للحزب المسيحي الديمقراطي فالتر لوبكه بدم بارد، و10 أشخاص آخرين في مدينة هاناو، وشخصين داخل معبد في مدينة هاله؛ كلها حوادث ترمز إلى الخطر الذي يشكله الإرهاب المتطرف اليميني في ألمانيا. وأشار التقرير إلى أن الدولة تبدو عاجزة بشكل رهيب عن مواجهة الإرهاب. وطرح التقرير عدة تساؤلات بينها: لماذا لم يكن من الممكن ولمدة عامين تحديد من قام بإرسال تهديدات إلى محامية في فرانكفورت كانت قد شاركت كمدعٍ مشاركٍ في محاكمة خلية لحركة النازيين الجدد المتطرفة؟ وماذا حصل مع السياسية عن حزب اليسار جانين؟ علماً أنه في الحالتين قيل إن الفاعلين كانت لديهم بيانات من أجهزة حاسوب للشرطة في ولاية هيسن. كما تساءل التقرير عن كيفية استمرار الجناة بالاختفاء عن رادارات الأجهزة الامنية رغم أنهم يتصرفون بشكل واضح مثل الثعلب في حظيرة الدجاج.
يدق التقرير ناقوس الخطر محذراً من تصاعد مخيف لأعمال اليمين المتطرف
واعتبرت صحيفة فرانكفورتر الغماينه، أن ثمّة حاجة لإجابات واضحة ليس أقلها، تحديد آلية التعامل مع التطرف السياسي بأكمله. ورأى موقع راينشه بوست أنه يترتب على تقرير الهيئة نتيجتان، أولاً اعتماد الزيادة المخطط لها لإعداد المحققين ضد التطرف اليميني بشكل أسرع وبطريقة أكثر توسعية، وثانياً يجب تمكين مكاتب التحقيقات من تتبع الجناة المحتملين رقمياً وتخزين بياناتهم، وتسليح الأجهزة، الأمر الذي من شأنه أن يكون مفيداً في مكافحة التطرف المتنامي. مع التأكيد على أهمية المداهمات وحظر الجماعات اليمينية المتطرفة، إلى جانب مراقبة حزب البديل، الذي يسهم 20% من منتسبيه بالترويج لكره الأجانب في البلاد، من خلال المنشورات التي تحض على الكراهية ونشر التقارير الكاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي خضم ذلك، قال وزير الدولة للشؤون البرلمانية شتيفان ماير في مقابلة مع صحفية باساور نويه بريسه، إنه تم اتخاذ العديد من الإجراءات ضد التطرف اليميني والعنصرية ومعاداة السامية كما لم تفعل الحكومة من قبل، مشيراً إلى تشديد قانون الأسلحة والمتفجرات وتغيير القانون الجنائي لحماية السياسيين. كما أعلن ماير أنه وعلى مستوى السلطات الأمنية والاتحادية، هناك تحسين مستمر لوضع المكتب الاتحادي لحماية الدستور، ومكتب الشرطة الفدرالية، والشرطة الاتحادية لمكافحة التطرف اليميني.
وكان وزير الداخلية هورست زيهوفر لخص الوضع المقلق بالأرقام يوم الخميس الماضي، في مؤتمر صحافي مع رئيس الهيئة توماس هالدنفانغ، وأبرز الاثنان أن أعداد الأشخاص الذين يحملون خلفيات يمينية متطرفة ارتفع عام 2019 إلى 32080 شخصاً بعد أن كان 24100 شخص عام 2018، أي بفارق زيادة أكثر من عشرة في المائة، وأشارا إلى أن 13000 من هؤلاء مستعدون للقيام بأعمال عنف.
20% من منتسبي حزب البديل اليميني يساهمون بالحض على الكراهية ونشر التقارير الكاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي
كما بيّن التقرير أنه تم ارتكاب 22300 جريمة من قبل اليمين المتطرف، وأنه تم تسجيل ظهور أكثر من 6400 من اليساريين المتطرفين، بزيادة بلغت 40% عن العام 2018، قبل أن يوضح الوزير أن فصيل "الجناح" المرتبط بحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي، ومنظمة الشباب (7000 شخص) رفعت العدد إلى هذا المستوى القياسي الجديد، مع العلم، أن فصيل "الجناح" الذي تم حله هذا العام، نادى بتهميش المهاجرين والمسلمين وحرمانهم من حقوقهم.
ولفت تقرير الهيئة إلى أن قضية الهجرة واللجوء لا تزال تتمتع بإمكانية "تعبئة عالية" في المشهد اليميني، الأمر الذي يمكن أن ينطوي على المخاطر. وهنا، لفت هالدينفانغ إلى أن أكبر مخاوفه في الوقت الراهن هي الاستعداد المتزايد لاستخدام العنف في جميع المناطق تقريباً، وتحدث عن نوعية جديدة من أعمال العنف ومغايرة عن السابق، خلّفت أعداداً أعلى من القتلى.
وبخصوص المشهد اليساري المتطرف، أشار هالدينفانغ إلى أن السمة الغالبة عليه هي عدم تجانسه الواضح، ويمكن تقسيمه إلى معسكرين أحدهما ذو توجه عنفي وآخر غير عنفي. ووصف الوزير أعمال العنف المعادية للسامية بأنها "رابط مهم" في المشهد اليميني المتطرف، واعتبر أن استخدام نظريات المؤامرة يشكل عاراً على ألمانيا، كما عبّر عن ارتياحه لحظر حزب الله في المانيا.
ورغم إشارة التقرير إلى الحضور الإسلاموي؛ فإنه لم يوضح التهديد الذي يشكله المتطرفون الإسلامويون، علماً أنه لم تقع من قبلهم أية حوادث منذ ثلاث سنوات، ولكنه أشار إلى وجود 630 متطرفاً منهم مصنفين كعناصر خطرة، ربع هؤلاء رهن الاعتقال، وفق ما بينت شبكة ايه ار دي الإخبارية. وقد نما المشهد السلفي بحسب التقرير بنسبة 5.5% مقارنة بالعام السابق، رغم انخفاض تهديداته بنسبة 10%. وأوضح التقرير أن هؤلاء حافظوا على هياكلهم، وما زالوا يستخدمون الإنترنت بشكل أساسي لنشر دعايتهم وتجنيد مقاتلين جدد لتنظيم داعش، إلى جانب استمرار وجود دور فاعل للنساء في صفوفهم.