التعليم لا يكفي لإعالة مدرّسي السودان

05 ديسمبر 2018
يشرح للتلاميذ (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
سيف الدين النور في العقد الخامس من العمر، يعمل مدرّساً للغة العربية في ولاية الخرطوم، ويتقاضى نحو ألفي جنيه شهرياً (نحو 40 دولاراً)، ويصرف ربع المبلغ بدل مواصلات من وإلى المدرسة. ولا يكفيه بقية المبلغ لأكثر من أسبوع لتأمين حاجات زوجته وأطفاله الأربعة.

مع بداية العام، تعرّضت البلاد إلى أزمة اقتصادية تجلّت في زيادة أسعار السلع الضرورية مثل الخبز والسكر والألبان واللحوم وغيرها، فيما ارتفعت أسعار الدواء لأسعار قياسية. وقرّر النور البحث عن بديل، واستدان مبلغاً من المال استغلّه في استئجار محل تجاري بسيط في الحي الذي يسكنه، لبيع حاجات بسيطة، بما فيها قصب السكر والبطيخ والخضار. وفي الوقت نفسه، طالب إدارة المدرسة تعديل جدوله الأسبوعي، ليقتصر على يومين كاملين، ويتفرغ بقية أيام الأسبوع لعمله في المحل.

وللسبب نفسه، لجأ الأستاذ أحمد ربيع إلى العمل في نقل التلاميذ من وإلى المدرسة. يستيقظ فجراً لإيصالهم إلى المدرسة، ثم يذهب إلى مدرسته خالد بن الوليد في منطقة شرق النيل في الخرطوم حيث يعمل هناك. وفي نهاية الدوام، يرجع التلاميذ إلى منازلهم.

يقول لـ "العربي الجديد": "راتبي 2400 جنيه (نحو 50 دولاراً)، ويدفع 300 جنيه (نحو ست دولارات) بدل إيجار منزله"، مشيراً إلى أنه ما من خيار غير البحث عن عمل إضافي، شأنه شأن معظم المدرسين في السودان.

أما أستاذ التاريخ في مدرسة الكلالكة النموذجية صابر أحمد، فيقول إن راتبه لا يزيد عن 1950 جنيهاً، ولا يكفيه سوى خمسة أيام. لذلك، يضطر إلى العمل في مدرسة خاصة براتب يصل إلى 2200 جينه. كما يحصل على 1300 جنيه (نحو 27 دولاراً) من فصول اتحاد المعلمين المسائية. يضيف أنه حين يصل إلى منزله مساءً، تكون قواه قد خارت، إذ يدرّس 6 حصص يومياً بمعدل 30 حصة أسبوعياً. على الرغم من ذلك، ما يحصل عليه لا يجعله قادراً على توفير كل حاجاته.



ويقرّ أحمد أن عمله الإضافي يؤثّر على صحّته وأدائه في التدريس، وينعكس سلباً على كل العملية التعليمية والتربوية. لكن بالنسبة إليه، لا مفر من ذلك في ظل تدني الرواتب أمام غول الأسواق. يضيف أن هناك مشاكل أخرى ترتبط بالمدرسين، منها تأخر صرف استحقاقاتهم المالية الخاصة بالترقيات. ويوضح أن لديه استحقاقات عمرها 6 سنوات، لافتاً إلى أنها ستفقد قيمتها في اليوم الذي تصرف، في ظل التضخم في الاقتصاد.

ويحذّر أحمد من موجة استقالات في قطاع المدرسين، مشيراً إلى أن خمسة مدرسين في مدرسته تركوا العمل خلال هذا العام، ثلاثة منهم هاجروا إلى خارج البلاد واثنان عملا في التجارة. ويبيّن أن الوضع أسوأ للمدرسين في الدرجات الدنيا، إذ يُمنح مدرّس الدرجة التاسعة 1500 جنيه (نحو 30 دولاراً شهرياً). يضيف أحمد أن الكثير من المعلمين يعملون في مجالات مختلفة، منها العقارات والسيارات والتجارة.

الأستاذ أحمد ربيع، وهو عضو لجنة المعلمين (غير حكومية)، يقول إن اللجنة بادرت بإجراء دراسة علمية، ثبت فيها أن المعلم الذي تتكون أسرته من 5 أفراد يجب ألا يقل راتبه عن 14 ألف جنيه وفقاً للمؤشرات الموجودة في السوق. ويبيّن أن الحد الأدنى لرواتب المدرّسين هو 1472 جنيهاً، يُستقطع منها 146 جنيهاً، والحد الأعلى هو 3413 جنيهاً، يستقطع منها 277 جنيهاً.

ويطالب ربيع الدولة بالعمل على تحقيق استقرار نسبي في حياة المدرّس من أجل ضمان استمرارية المهنة، ومن أجل العملية التعليمية برمتها، أو ستكون النتيجة مزيداً من الاستقالات وسط المدرسين. أما الخبير التربوي محمد عبد الله كوكو، فيحذر مما ستؤول إليه العملية التعليمية والتربوية بسبب ضعف رواتب المدرسين. يقول لـ "العربي الجديد" إن المدرسين يعملون في ظروف صعبة حتى كدنا نقول إن فاقد الشيء لا يعطيه، مضيفاً أن تلك المعضلة ألقت بظلالها السلبية على التحصيل العلمي لدى التلاميذ. ويوضح أن مدرّساً يعمل في بيع الخبز وغيره، لن يكون حريصاً على التحضير بشكل جيد للحصص أو الاستعداد الذهني.



ويطالب الدولة أن تبذل كل ما في وسعها وتضع المدرّس في أولوياتها، وتوفّر له حياة كريمة تجعله مستعداً للتفرغ الكامل للمهنة، التي تبني أجيال المستقبل وتنمي الموارد البشرية.
ويتفق رئيس النقابة العامّة لعمال التعليم فى السودان، عباس حبيب الله، مع ما قاله ربيع حول الآثار السلبية لضعف رواتب المدرسين. لكن يوضح لـ "العربي الجديد" أن هناك مساعي عديدة لتحسين الأجور، تقوم بها النقابة باتصالاتها مع المسؤولين الحكوميين، مبيناً أن اتحاد عمال السودان يعمل على معالجة المشكلة مع وزارة المالية، متوقعاً أن تظهر النتائج الإيجابية لذلك التفاوض من خلال موازنة العام المالي المقبل.

يضيف حبيب الله أن نقابة عمال التعليم أعدت دراسة متكاملة، سلمتها للمسؤولين في وزارة التربية والتعليم، تقترح فيها التعامل مع مهنة التعليم بشكل خاص، وتخصيص مبالغ مالية (علاوات) للمدرسين تتعلق بالأنشطة المدرسية والعمل التنفيذي، ومخصصات للذين يعملون في المناطق الريفية، مبيناً أن الرئيس عمر البشير أصدر توجيهاته منذ سنوات بأن تكون رواتب المعلمين أعلى من رواتب جميع الموظفين في الدولة.

إلى ذلك، تقول وزيرة التربية والتعليم مشاعر الدولب لـ "العربي الجديد" إن هناك لجنة أنشأت بواسطة مجلس الوزراء لزيادة أجور جميع موظفي الدولة، من بينهم المدرسين. وتبيّن أن وزارتها تعمل على تضمين زيادة الرواتب التي اقترحها المدرسون ضمن موازنة عام 2019، وتسعى لإنشاء صندوق خاص بالتعليم. تضيف أن الوزارة تعمل على تنفيذ توصية مؤتمر الحوار الوطني التي شددت على أن يكون راتب المدرس هو الأعلى في الدولة.

وتنفي الدولب علمها بالاستقالات بين المدرسين. لكنّها توضح أن المؤشّرات العامة القومية تكشف أن غالبية المدرسين من النساء، وتعمل الوزارة تجتهد لتجعلها مهنة جاذبة للنساء والرجال على حد سواء.