24 سبتمبر 2020
التغيير في العالم العربي والإرادة الغربية
أصدر مجلس الأمن الدولي، في 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، في جلسة مميزة برئاسة وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، ورأس وزراء خارجية الدول الأعضاء وفود بلادهم، القرار رقم 2254 بشأن سورية، وعلى الأصح بشأن الصراع الدائر في سورية بين إرادة شعب مقهور تعرّض، ويتعرض يومياً للقتل بأبشع صوره وللتهجير والنزوح، على يد سلطة حكم استبدادية غاشمة، حيث سقط أكثر من 250 ألف سوري قتيلاً بفعل براميلها المتفجرة وقذائفها المدمرة، وتعرّض أكثر من 12 مليون سوري للتهجير والنزوح، فراراً من القتل والدمار، وما زال القتل والتدمير والتشريد مستمراً، بدعم مباشر من القوات الروسية التي دخلت إلى الساحة السورية لدعم نظام الأسد بتواطؤ أميركي غربي، لإنقاذه من الانهيار الذي كاد أن يتعرّض له. وتلك هي بيانات المؤسسات الدولية التابعة لمن أصدروا القرار الأممي المشار إليه، وتصادف أن يوم صدوره وافق مرور خمس سنوات على انطلاق الشرارة التي أشعلت ما تعرف بثورات الربيع العربي، عندما أشعل الفتى التونسي، محمد البوعزيزي، النار في نفسه، احتجاجاً على قهر سلطة نظام بن علي في تونس، وكانت نموذجاً للسلطة الاستبدادية في دول عربية عديدة.
اتفقت على القرار الأممي الخاص بسورية، أميركا وروسيا وباقي الخمسة الكبار أصحاب العضوية الدائمة في مجلس الأمن، ومعها القوة الأوروبية المُضافة المتمثلة في ألمانيا. وبالطبع، لم يكن أمام الأعضاء العشرة المؤقتين سوى الموافقة. يقول القرار، بوضوح، إن التغيير في سورية هو رهن بإرادة الغرب، ولن يتم إلا في الإطار والحدود التي يحددها الغرب، ولن يكون أبداً تغييراً ثورياً يفرضه الشعب السوري، لكن تعديلاً طفيفاً للشروط التي تحكم العلاقة بين السلطة والشعب مع بعض الضمانات الغربية.
يدعو القرار إلى حوار بين قوى المعارضة السورية (المعتدلة؟) ونظام بشار الأسد، للاتفاق على وقف استهداف المدنيين وإلقاء البراميل المتفجرة، وتدمير المدن والقرى والريف والحضر، بالطبع لإيقاف موجات تدفق المهاجرين السوريين الفارين إلى الغرب، ثم التفاوض حول تشكيل هيئة انتقالية، تدير عملية تعديلات دستورية وانتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف دولي. هي دعوة صريحة للمقتول بأن يستعطف قاتله للتوقف عن استباحة دمه، وعفا الله عما سلف، ثم يعمل الجميع لبناء نظام علماني، تعددي، منزوع الأيدولوجيات، دينية كانت أو قومية، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة الرئيسية، وليس هناك مانع من التخلص من رأس النظام، وذلك كله بالتوافق وتحت الإشراف الدولي.
وإذا تركنا سورية، واتجهنا إلى ليبيا واليمن، فإن الأمر لم يكن يتطلب قرارات من مجلس
الأمن، فقد لعب المبعوثان الأمميان في الحالتين الدور المطلوب. وكان قد سبق التخلص في ليبيا من رأس النظام في بداية انطلاق الحراك الثوري بتدخل دولي غربي مباشر. ولكن، لم يستطع الفرقاء استيعاب الإطار المسموح بالتحرك خلاله لضبط النظام الجديد، وكان عليهم أن يدخلوا في صراع دموي طويل لا ينتهي، ولن ينتهي، بغالب ومغلوب. كما تم إدخال عامل جديد، يمثل فزاعة للجميع، وهو داعش وتنظيم الدولة والإرهاب. وبعد شهور طويلة من الصراع والانقسام، لم يجد الفرقاء بدّاً من الاجتماع والتوافق على مضض، والتوقيع على اتفاقٍ يسعى إلى استعادة مؤسسات الدولة الرئيسية التي يرتكز عليها النظام، ثم إعادة بناء النظام على أسس جديدة، تكون أكثر مراعاة لبعض الحقوق والحريات للمواطن الليبي، أي تحسين شروط الحياة.
وبالنسبة لليمن، ومع اختلاف الظروف، فبعد أن كان قد تم الاتفاق على الحل التوافقي الإصلاحي المحدود، بإزاحة رأس النظام، علي عبد الله صالح، سلمياً، ومنحه ضمانات وحصانات له ولأسرته، والسير في إعادة هيكلة السلطة، بما لا يخل بركائز النظام ومؤسساته، بإشراف نائب صالح نفسه، الرئيس عبد ربه منصور هادي. تراجع صالح عن اتفاقه، وتحالف مع خصمه اللدود الحوثي، وقام بالانقلاب على الاتفاق في محاولة للعودة بالنظام إلى ما كان عليه، وهو أمر مرفوض تماماً من كل القوى الدولية والإقليمية، لأنه يفتح الباب من جديد أمام فكرة الثورة الشعبية الشاملة التي تسعى إلى فرض إرادة التغيير، وهو أيضا أمر غير مرغوب فيه، فكانت عاصفة الحزم، وكان على كل الأطراف اليمنية أن تدفع ثمناً غالياً، قبل أن تبدأ في القبول بما يطرحه الغرب عبر المندوب الأممي، فكانت اجتماعات سويسرا الأولى والثانية، للوصول إلى الحلول التوافقية، فلا تغيير ثورياً شاملاً تفرضه الإرادة الشعبية، ولا عودة لنظامٍ كان سبباً في انفجار الحراك الشعبي، ولا انفراد لطرف دون الآخر. ولكن، عودة مؤسسات الدولة، وسلطة توافقية، ومساحة من الحرية في إطار نظام مقبول غربياً.
ولا بد، هنا، من الإشارة إلى باقي النماذج التي أدركت مبكراً، كلٍ على طريقته، حقائق النظام الدولي وحدود ما هو مسموح به، وما هو غير مقبول. وأقصد، هنا، كلاً من تونس ومصر، مع الاختلاف الموضوعي بينهما. أدركت تونس الموقف مبكراً جداً، بحكم ظروفها وطبيعة تكوينها وتكوين القوى السياسية الفاعلة ومجتمعها المدني وقربها الحضاري من الغرب الأوروبي، مع محدودية دورها الإقليمي، وظروفها الديموغرافية، فتجنبت الصراع الداخلي الدموي الحاد، وخفضت من الثمن الذي دفعته من الدماء إلى الحد الأدنى، وعادت إلى مؤسسات الدولة، وعدلت من شروط تداول السلطة، في إطار تنافس سياسي أساسه الانتخاب.
أما مصر فكان عليها أن تخوض تجربة أكثر صعوبةً، وأكثر تكلفة أيضاً، فدفعت، وما زالت تدفع، ثمناً غالياً، في مقابل الحفاظ على المؤسسات الرئيسية للدولة التي تمثل أركان النظام، وهو ما تركز عليه كل أدبيات القوى الكبرى والمجتمع الدولي الذي يحكمه الغرب، وهو ما تم التأكيد عليه في قرار مجلس الأمن 2254. وبالطبع، هناك حديث عن تحسين شروط العلاقة بين السلطة والشعب. وبالتالي، وجد النظام الحالي في مصر، على هذا الأساس، القبول والدعمين، الدولي والإقليمي، مع بعض التحفظات على الشأن الخاص بحقوق الإنسان... وفقط.
هكذا يبدو الأمر شديد الوضوح، لا مجال لفرض إرادة الشعوب، ولا فرصة لانتصار ثوراتها، لكن فرض إرادة الغرب، للحفاظ على النظم القائمة، والتي عبر عنها قرار مجلس الأمن 2254، وكل بيانات المبعوثين الدوليين، باصطلاح الحفاظ على مؤسسات الدولة الرئيسية، ولا مانع من استبعاد شخص الحاكم مع تأمين خروجه بسلام، لإحداث انطباع لدى الجماهير بأنها حققت انتصاراً ما، حتى لو كان وهمياً.
اتفقت على القرار الأممي الخاص بسورية، أميركا وروسيا وباقي الخمسة الكبار أصحاب العضوية الدائمة في مجلس الأمن، ومعها القوة الأوروبية المُضافة المتمثلة في ألمانيا. وبالطبع، لم يكن أمام الأعضاء العشرة المؤقتين سوى الموافقة. يقول القرار، بوضوح، إن التغيير في سورية هو رهن بإرادة الغرب، ولن يتم إلا في الإطار والحدود التي يحددها الغرب، ولن يكون أبداً تغييراً ثورياً يفرضه الشعب السوري، لكن تعديلاً طفيفاً للشروط التي تحكم العلاقة بين السلطة والشعب مع بعض الضمانات الغربية.
يدعو القرار إلى حوار بين قوى المعارضة السورية (المعتدلة؟) ونظام بشار الأسد، للاتفاق على وقف استهداف المدنيين وإلقاء البراميل المتفجرة، وتدمير المدن والقرى والريف والحضر، بالطبع لإيقاف موجات تدفق المهاجرين السوريين الفارين إلى الغرب، ثم التفاوض حول تشكيل هيئة انتقالية، تدير عملية تعديلات دستورية وانتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف دولي. هي دعوة صريحة للمقتول بأن يستعطف قاتله للتوقف عن استباحة دمه، وعفا الله عما سلف، ثم يعمل الجميع لبناء نظام علماني، تعددي، منزوع الأيدولوجيات، دينية كانت أو قومية، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة الرئيسية، وليس هناك مانع من التخلص من رأس النظام، وذلك كله بالتوافق وتحت الإشراف الدولي.
وإذا تركنا سورية، واتجهنا إلى ليبيا واليمن، فإن الأمر لم يكن يتطلب قرارات من مجلس
وبالنسبة لليمن، ومع اختلاف الظروف، فبعد أن كان قد تم الاتفاق على الحل التوافقي الإصلاحي المحدود، بإزاحة رأس النظام، علي عبد الله صالح، سلمياً، ومنحه ضمانات وحصانات له ولأسرته، والسير في إعادة هيكلة السلطة، بما لا يخل بركائز النظام ومؤسساته، بإشراف نائب صالح نفسه، الرئيس عبد ربه منصور هادي. تراجع صالح عن اتفاقه، وتحالف مع خصمه اللدود الحوثي، وقام بالانقلاب على الاتفاق في محاولة للعودة بالنظام إلى ما كان عليه، وهو أمر مرفوض تماماً من كل القوى الدولية والإقليمية، لأنه يفتح الباب من جديد أمام فكرة الثورة الشعبية الشاملة التي تسعى إلى فرض إرادة التغيير، وهو أيضا أمر غير مرغوب فيه، فكانت عاصفة الحزم، وكان على كل الأطراف اليمنية أن تدفع ثمناً غالياً، قبل أن تبدأ في القبول بما يطرحه الغرب عبر المندوب الأممي، فكانت اجتماعات سويسرا الأولى والثانية، للوصول إلى الحلول التوافقية، فلا تغيير ثورياً شاملاً تفرضه الإرادة الشعبية، ولا عودة لنظامٍ كان سبباً في انفجار الحراك الشعبي، ولا انفراد لطرف دون الآخر. ولكن، عودة مؤسسات الدولة، وسلطة توافقية، ومساحة من الحرية في إطار نظام مقبول غربياً.
ولا بد، هنا، من الإشارة إلى باقي النماذج التي أدركت مبكراً، كلٍ على طريقته، حقائق النظام الدولي وحدود ما هو مسموح به، وما هو غير مقبول. وأقصد، هنا، كلاً من تونس ومصر، مع الاختلاف الموضوعي بينهما. أدركت تونس الموقف مبكراً جداً، بحكم ظروفها وطبيعة تكوينها وتكوين القوى السياسية الفاعلة ومجتمعها المدني وقربها الحضاري من الغرب الأوروبي، مع محدودية دورها الإقليمي، وظروفها الديموغرافية، فتجنبت الصراع الداخلي الدموي الحاد، وخفضت من الثمن الذي دفعته من الدماء إلى الحد الأدنى، وعادت إلى مؤسسات الدولة، وعدلت من شروط تداول السلطة، في إطار تنافس سياسي أساسه الانتخاب.
أما مصر فكان عليها أن تخوض تجربة أكثر صعوبةً، وأكثر تكلفة أيضاً، فدفعت، وما زالت تدفع، ثمناً غالياً، في مقابل الحفاظ على المؤسسات الرئيسية للدولة التي تمثل أركان النظام، وهو ما تركز عليه كل أدبيات القوى الكبرى والمجتمع الدولي الذي يحكمه الغرب، وهو ما تم التأكيد عليه في قرار مجلس الأمن 2254. وبالطبع، هناك حديث عن تحسين شروط العلاقة بين السلطة والشعب. وبالتالي، وجد النظام الحالي في مصر، على هذا الأساس، القبول والدعمين، الدولي والإقليمي، مع بعض التحفظات على الشأن الخاص بحقوق الإنسان... وفقط.
هكذا يبدو الأمر شديد الوضوح، لا مجال لفرض إرادة الشعوب، ولا فرصة لانتصار ثوراتها، لكن فرض إرادة الغرب، للحفاظ على النظم القائمة، والتي عبر عنها قرار مجلس الأمن 2254، وكل بيانات المبعوثين الدوليين، باصطلاح الحفاظ على مؤسسات الدولة الرئيسية، ولا مانع من استبعاد شخص الحاكم مع تأمين خروجه بسلام، لإحداث انطباع لدى الجماهير بأنها حققت انتصاراً ما، حتى لو كان وهمياً.