09 يونيو 2017
التقدم بالاستجابة للفرص والتحوّلات
يبدو المشهد العالمي القائم، في أبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية، سلسلة من الاستجابات والتحولات الناشئة بعد الحرب العالمية الثانية، والحال أننا ما زلنا نخوض هذه الحرب، وكأنها لم تتوقف بعد. الخرائط السياسية وحدود الدول، والدول الجديدة الناشئة والمستقلة، وتلك الآفلة، والتقنيات الحديثة التي أنشأت منظومة الأسواق والموارد القائمة اليوم، وتلك الأسواق والموارد الآفلة، والصدمات والإرادات الاجتماعية والثقافية الجديدة المنشئة للنهضات والإحباطات الفردية والاجتماعية، ما جعل للنصر والهزيمة معنى آخر مختلفاً، فهل نعتبر، على سبيل المثال، ألمانيا واليابان اليوم منتصرتين أو مهزومتين، وفي المقابل، فإن بريطانيا وفرنسا المنتصرتين دخلتا في ركود اقتصادي واجتماعي يشبه الهزيمة.
قصة التقدم الإنساني هي التفاعل مع التقنيات والموارد والأحداث، وفي المقابل، فإن الفشل هو العجز عن الاستجابة الصحيحة والإيجابية، وفي ذلك، يمكن أن نفكر في الإصلاح، بما هو القدرة على توظيف الفرص القائمة اليوم، في الأسواق والموارد، أو نتساءل ببساطة ما الذي أنشأته الأسواق والأعمال والتقنيات من إصلاح وتقدم في حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، هل تعود بالفائدة على جميع المواطنين، وبقدر من العدالة والمساواة نرضى عنه.
اللامساواة حقيقة أساسية، وهي جوهر التنافس. ولكن، ما نحتاج إليه هو التنافس العادل على اللامساواة، ويمكن أيضاً تقليل فجوة اللامساواة، وتحقيق قدر معقول من عدالة التوزيع والإنفاق والعدالة الاجتماعية، وببساطة، هذا هو التقدم.
يمكن النظر إلى مسار التكنولوجيا بأنه مسار التاريخ الإنساني بعامة، فالبشر، منذ وجدوا وهم يحاولون أن يطوروا معرفتهم في استخدام الموارد المحيطة بهم، استخداماً فاعلاً، وقد بدأ الإنسان باتخاذ الحجارة أدوات، ونُحتت، بذكاء وبراعة، لزيادة كفاءتها، واستخدمت النار للبقاء، ثم أنشأ البشر نُظُماً معقدة، لاستخدام الماء في الري، ثم استخدام الماء في توليد الكهرباء، وبتطور تكنولوجيا الاتصالات، صار الناس أكثر تواصلاً بعضهم ببعض، وأسهمت تقنيات الطب والزراعة في إطالة المعدل العام للأعمار ومعالجة الأمراض، واستخدمت التقنية لأجل سعادة الإنسان، وكذلك لقهر الشعوب الأخرى، واحتلال أراضيها، وفي تدمير البيئة وتلوثها.
تاريخ التقنية هو تاريخ الإنسانية الحقيقي، إذ يعرض كيف تشكلت المجتمعات حول الموارد والتقنيات، وكيف طورت أدواتها ومؤسساتها مع تطور التقنية، ويمنح الدارسين فهماً أعمق وأشمل للتاريخ، بدلاً من دراسة تاريخ بلد أو منطقة بالتحديد، واليوم، في مرحلة العولمة، يبدو النظر إلى تاريخ العالم باعتباره وحدة واحدة ضرورياً ومتطابقاً مع طبيعة العولمة نفسها، ويشكل استجابة منطقية، تؤثر في الدراسات والمناهج، وفي وعي الإنسان ذاته وعالمه المحيط.
كان السؤال المحرك للألمان كيف نمنع تكرار ما حدث؟ كيف نضمن ألا يظهر هتلر جديد مرة أخرى؟ وبالنسبة للغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، فقد أسست الحرب العالمية الثانية لعمليات بحوث وتجارب كثيرة جداً. يقول دانيال ار هيدريك، في كتابه "تاريخ التكنولوجيا": حصلنا، بفضل الحرب، على سلسلة من المنجزات التقنية المدهشة، مثل الرادار لتقصي الطائرات، والطائرات النفاثة، والكمبيوتر، والصواريخ، والمضادات الحيوية، والمركبات الفضائية، والترانزستور، والتقنيات الزراعية والحيوية.
وكانت العقود الستة التي تلت الحرب العالمية الثانية تدهش، من حيث العلاقة بين تلك الحروب والابتكارات التقنية التي تلتها، ومن دون تلك الحرب، كانت تلك التقنيات ستتأخر حتماً. وعلى الرغم من ذلك، يثور جدال حول قيمة كثير من تلك التقنيات، إما لأنها شديدة التدمير، مثل القنابل النووية والصواريخ العابرة للقارات، وإما لأنه يتبيّن أنها تتضمن مخاطر وتكاليف كثيرة غير متوقعة، مثل الطاقة النووية، فقد استفادت الإنسانية، أو ثلثها الغني على الأقل، من الرادار والكمبيوتر والمضادات الحيوية، وبرهنت التقنية، في زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية، مثل الترانزستور والإنترنت والتلفزيون والكمبيوتر الشخصي والمحاصيل المعدلة جينياً، أنها عميقة الفائدة.
وفي المقابل، وعلى غرار التقنيات الأخرى التي أدخلت منذ الثورة الصناعية، تستهلك تلك التقنيات كثيراً من الطاقة والمواد الخام والأرض، وتلوث البيئة وتدمرها وتستنزفها، وتلحق الضرر بالعالم الطبيعي، ولم تعد التكنولوجيا وسيلة للبقاء في وجه طبيعة مادية، بل صارت رحلة سعيدة على حساب الطبيعة، إلى متى تستطيع هذه الرحلة السعيدة أن تدوم؟ يتساءل هيدريك، ويقول إنه سؤال لن يجيب عنه سوى الجيل المقبل.
وفي جميع الأحوال، وكما أنشأ الألمان تقدمهم حول سؤال الدروس والعبر من الحرب العالمية الثانية، فإننا، في أزمتنا العربية، وكل ما ينشأ عنها من تحديات تهدد وجودنا ومصائرنا، في حاجة إلى سؤال دائم، يطرحه العرب على أنفسهم فرادى وجماعات ودولاً، كيف نوقف هذا الهدر والنزف والتدمير؟ كيف نغادر الصراعات التاريخية، ونواجه التحديات المعاصرة والمستقبلية؟
اللامساواة حقيقة أساسية، وهي جوهر التنافس. ولكن، ما نحتاج إليه هو التنافس العادل على اللامساواة، ويمكن أيضاً تقليل فجوة اللامساواة، وتحقيق قدر معقول من عدالة التوزيع والإنفاق والعدالة الاجتماعية، وببساطة، هذا هو التقدم.
تاريخ التقنية هو تاريخ الإنسانية الحقيقي، إذ يعرض كيف تشكلت المجتمعات حول الموارد والتقنيات، وكيف طورت أدواتها ومؤسساتها مع تطور التقنية، ويمنح الدارسين فهماً أعمق وأشمل للتاريخ، بدلاً من دراسة تاريخ بلد أو منطقة بالتحديد، واليوم، في مرحلة العولمة، يبدو النظر إلى تاريخ العالم باعتباره وحدة واحدة ضرورياً ومتطابقاً مع طبيعة العولمة نفسها، ويشكل استجابة منطقية، تؤثر في الدراسات والمناهج، وفي وعي الإنسان ذاته وعالمه المحيط.
كان السؤال المحرك للألمان كيف نمنع تكرار ما حدث؟ كيف نضمن ألا يظهر هتلر جديد مرة أخرى؟ وبالنسبة للغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، فقد أسست الحرب العالمية الثانية لعمليات بحوث وتجارب كثيرة جداً. يقول دانيال ار هيدريك، في كتابه "تاريخ التكنولوجيا": حصلنا، بفضل الحرب، على سلسلة من المنجزات التقنية المدهشة، مثل الرادار لتقصي الطائرات، والطائرات النفاثة، والكمبيوتر، والصواريخ، والمضادات الحيوية، والمركبات الفضائية، والترانزستور، والتقنيات الزراعية والحيوية.
وكانت العقود الستة التي تلت الحرب العالمية الثانية تدهش، من حيث العلاقة بين تلك الحروب والابتكارات التقنية التي تلتها، ومن دون تلك الحرب، كانت تلك التقنيات ستتأخر حتماً. وعلى الرغم من ذلك، يثور جدال حول قيمة كثير من تلك التقنيات، إما لأنها شديدة التدمير، مثل القنابل النووية والصواريخ العابرة للقارات، وإما لأنه يتبيّن أنها تتضمن مخاطر وتكاليف كثيرة غير متوقعة، مثل الطاقة النووية، فقد استفادت الإنسانية، أو ثلثها الغني على الأقل، من الرادار والكمبيوتر والمضادات الحيوية، وبرهنت التقنية، في زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية، مثل الترانزستور والإنترنت والتلفزيون والكمبيوتر الشخصي والمحاصيل المعدلة جينياً، أنها عميقة الفائدة.
وفي المقابل، وعلى غرار التقنيات الأخرى التي أدخلت منذ الثورة الصناعية، تستهلك تلك التقنيات كثيراً من الطاقة والمواد الخام والأرض، وتلوث البيئة وتدمرها وتستنزفها، وتلحق الضرر بالعالم الطبيعي، ولم تعد التكنولوجيا وسيلة للبقاء في وجه طبيعة مادية، بل صارت رحلة سعيدة على حساب الطبيعة، إلى متى تستطيع هذه الرحلة السعيدة أن تدوم؟ يتساءل هيدريك، ويقول إنه سؤال لن يجيب عنه سوى الجيل المقبل.
وفي جميع الأحوال، وكما أنشأ الألمان تقدمهم حول سؤال الدروس والعبر من الحرب العالمية الثانية، فإننا، في أزمتنا العربية، وكل ما ينشأ عنها من تحديات تهدد وجودنا ومصائرنا، في حاجة إلى سؤال دائم، يطرحه العرب على أنفسهم فرادى وجماعات ودولاً، كيف نوقف هذا الهدر والنزف والتدمير؟ كيف نغادر الصراعات التاريخية، ونواجه التحديات المعاصرة والمستقبلية؟