يُواجه أكثر من مائة ألف شخص يعيشون في المناطق النفطية في ليبيا خطر الموت والإصابة بالأمراض بسبب التلوّث الناتج عن حقول النفط وانبعاث الغازات مع استخراج الذهب الأسود. ويؤكّد خليفة المجبري معاناة السكان الذين يعيشون في المناطق النفطية. وعلى الرغم من أنّ بعض الحقول النفطية كالشرارة والفيل تقع بعيداً عن المناطق السكنية، إلا أن حقول الواحات وحوض النفط وسط أنوب ما زالت تنتج ملايين براميل النفط وسط تلك المناطق الآهلة بالسكان، لا سيما في جالو وأجخرة وزلة ومرادة وغيرها. ويشير المجبري، وهو مواطن من منطقة جالو (جنوب بنغازي)، إلى أن منطقة جالو التي كانت تشتهر بإنتاج محاصيل زراعية كالتمور والطماطم، جفّت تماماً بسبب التلوث الذي تعيشه المنطقة منذ عقود، لافتاً الى انتشار أمراض عدة بين السكان.
وتؤكّد عضو الجمعية الليبية لحماية البيئة نجاة عبد المولى أنّ جمعيتها رصدت إصابات بأمراض السرطان وحالات إجهاض لدى العديد من النساء، إضافة إلى أحياء لم تعد صالحة للسكن في منطقة أجخرة بسبب تعرضها للدخان الناتج عن حقول النفط القريبة، ما يؤدي في حيان كثيرة إلى الاختناق. وتُشير عبد المولى إلى أنها قابلت عدداً من مسؤولي المؤسسة الوطنية للنفط في مقرّها الرئيسي في طرابلس وسلمتهم تقارير حول الواقع ومعاناة السكان. لكنها تؤكد أن لجان المؤسسة الثلاث التي زارت مناطق الواحات في جالو وأجخرة وأعدت تقارير لم تؤد إلى اتخاذ أية قرارات.
من جهته، يقول المسؤول في إدارة التنمية والتدريب في شركة الواحة النفطيّة المشغلة لحقول الواحات، المبروك غويلة، إن عقود الشركات الأجنبية العاملة في هذه الحقول تضم بنوداً تمنح على أساسها تلك الشركات دعماً لتنمية المناطق بهدف حمايتها من التلوث. ويلفت إلى إن "المؤسسة التي تحصل على أموال تلك البنود لا تعطي منها شيئاً لبلديات مناطق الواحات".
وفي وقت يؤكد غويلة لـ "العربي الجديد" أن إنتاج مناطق الواحات النفطي يشكل نحو 60 في المائة من الإنتاج الكلي للنفط الليبي، يشير إلى أن الأزمات التي تعيشها البلاد اضطرت غالبية الشركات الأجنبية العاملة إلى المغادرة، ما فاقم الأزمة البيئية.
ويؤكّد غويلة أن المؤسسة بذلت جهوداً في إرساء تطبيقات للسلامة البيئية في مناطق النفط، لكنّ المشكلة أكبر من إمكاناتها ولا حل إلا بعودة الشركات الكبرى، والتي تعهدت وفق عقودها بتقليل الخطر البيئي، مشيراً إلى أن "إثبات الإصابة بأمراض ناتجة عن التلوث لم يتأكد حتى الآن. فالأمراض ذاتها تنتشر في مناطق غير نفطية".
لكن عبد المولى تؤكد أن أبحاثها كشفت تأثير التلوث على المحاصيل الزراعية بل طاول تأثيره الطبيعة الصحراوية أيضاً، إضافة إلى صحة السكان. وتوضح عبد المولى أنّ أبحاثها وتقاريرها تستند إلى نتائج تحليل عيّنات المزروعات والتحاليل الطبية لبعض الحالات التي أصيبت بأمراض من مختبرات خارج البلاد، بعضها في ألمانيا وتونس، وتؤكد جميعها أنها ناتجة عن التلوث النفطي. ومن بين التداعيات الصحية، الحساسية الجلدية وسرطان الجلد الناتجان عن تزايد غاز كبريتيد الهيدروجين المنبعث بشكل كثيف من حقول النفط من دون وجود مصافٍ، لافتة إلى أن حالات الإجهاض لدى النساء رصدت بشكل متزايد علاقة ذلك بالتلوث النفطي.
من جهته، يقول المجبري إن "سكان مناطق حوض النفط مثل مرادة لم يعودوا يتحدثون عن آثار تلك الشركات التي أهلكت الطرقات بسبب سيارات النقل الثقيلة وشح المياه الجوفية المستخدمة في استخراج النفط"، مؤكّداً أن المطالب باتت تنحصر حالياً في حماية الإنسان وصحته. يضيف أن "مناطق تازربو والسرير البعيدة جنوباً، والتي كانت تشتهر بمحاصيل الحبوب، باتت اليوم فارغة من سكانها بسبب هجرة غالبية العائلات إلى مناطق مجاورة كمنطقة الكفرة"، عازياً الأسباب إلى التردي الأمني وسيطرة العصابات الأفريقية المتمردة وغياب ضمانات السلامة الصحية على المواطن بسبب زيادة الغازات المنبعثة من الحقول النفطية. ويعلّق المجبري على قرار استئناف إنتاج النفط في الحقول مؤخراً، مطالباً بضرورة تشكيل لجنة محايدة تشارك فيها الدول التي تملك عقوداً للتنقيب والإنتاج النفطي في البلاد، لتقييم الأضرار المتعلقة بصحة الإنسان قبل تطبيق القرار.