فلسطين قضية سياسية بامتياز وهي قضية أرض محتلة وشعب مهجر، والواقع الحاصل في قطاع غزة لم يعد يخفى على أحد، والسبب الرئيس في كل ما حدث هو الاحتلال الذي يبتز الفلسطينيين الآن من أجل تغليب الإنساني على حساب السياسي.
تسهيل حياة الناس مطلب وضرورة وأمر ملح، لكنّ واحدًا من أهداف الاحتلال تاريخيًا هو إظهار القضية بمظهر أنها قضية إنسانية بحتة منذ النكبة ومنذ اللحظة التي تأسست فيها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" قدمت فلسطين على أنها قضية إنسانية، وأن أهلها بحاجة لملبس ومأكل ومشرب وإشباع حاجاتهم الأساسية والإنسانية، واليوم العالم كله يلوح ومستعد لتقديم الإنساني على السياسي، يمكنهم توفير حاجة الفلسطيني الإنسانية دون الانتقال لحل سياسي عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
لا يمكن الفصل بين السياسي والإنساني، لأن الأصل في المعادلة أن يخدم السياسي الإنساني؛ فإنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين والمقدسات والثوابت والحقوق كلها تهدف في النهاية إلى إحقاق الحق للإنسان الفلسطيني ولا يمكن مساومة ذلك كله على تسهيلات وتوفير بعض الاحتياجات.
تخفيف الحصار مطلوب ورفعه عن غزة ضرورة، لكنه حدث بفعل سياسي وفرض من أجل أن تعترف حماس وتوافق على شروط أو مطالب الرباعية الدولية وتقر وتعترف بإسرائيل وبالتالي الهدف والغاية كانا سياسيين والأداة كانت ضغوطات أفضت إلى حالة إنسانية غير مسبوقة في قطاع غزة، و الأصل إذاً سياسي وبالتالي لا يمكن فصل السياسي عن الإنساني يمكن تقديم أحدهما على الآخر أو تغليبه على الآخر لكن الفصل بينهما لا يمكن على الإطلاق، وما يحدث هو اصطياد من البعض بأن حماس تغلب الإنساني على السياسي وأنها ذاهبة للتفريط، وهذا لا يزال محددا حاكما للعلاقات الفلسطينية الداخلية خاصة الآن في ظل استمرار حالة الانقسام.
إن تسهيل وإحداث انفراجة في وضع الناس جزء من المقاومة، لأن المقاومة هي المفاعلة وهي فعل شامل يضمن قوت الناس ومقومات حياتهم، وإن وضع العربة أمام الحصان أو استباق الأحداث والقول إن تغليب الإنساني على السياسي سيفضي إلى انتهاء القضية الفلسطينية غير حقيقي وغير موضوعي واستباق للأحداث، لا يمكن الاستمرار في الاشتباك مع العدو وظهير المقاومة مكشوف، رافد المقاومة الأساس هو الناس والشعب وتمتين الجبهة الداخلية وحمايتها أولوية دون الانزلاق للقول والاستباق بأن في الأمر تنازلات سياسية، لا سيما وأن هذه الرواية ترد على لسان من قدموا التنازلات سلفا وذهبوا إلى اتفاق أوسلو والذي انتهى لما انتهى إليه الواقع الفلسطيني الحالي.
أما تحذير البعض من أن التهدئة وثمنها ونتائجها وتغليب الإنساني ستفضي إلى الفصل بين غزة والضفة، فهذا توصيف غير حقيقي وغير موضوعي لأن الذي فصل غزة عن الضفة هو رئاسة السلطة الفلسطينية التي عاقبت غزة وفرضت إجراءات عقابية وأحالت موظفيها إلى التقاعد ثم خفضت الرواتب لأكثر من 50 بالمائة، الأمر الذي زاد وضع القطاع وواقعه سوءاً وتردياً، والآن تبكي السلطة على غزة وتحذر من فصلها عن الضفة، من الذي فصل غزة وعاقبها ومن الذي حرم موظفيها وخريجيها وعمالها وأسراها من استحقاقاتهم ومن وظائفهم.
الخروج للتهدئة لا يعني التنازل ولا يعني إلقاء السلاح ولا يعني إنهاء المقاومة ولا يعني الإقرار لإسرائيل والاعتراف بها، والتذرع بالإنساني والتحذير من الاستغراق فيه ادعاء في غير محله فالناس في غزة خاضوا ثلاث حروب لا لأجل حاجة إنسانية وصمد الناس واحتضنوا المقاومة وانحازوا لها من قبل في انتخابات العام 2006 لا لأسباب أو لحاجة إنسانية، ومسيرات العودة لم تكن بدوافع إنسانية أو من أجل ملبس ومأكل ومشرب إطلاقا، والتهدئة الآن وفي هذا التوقيت وعقب المعادلات التي فرضتها المقاومة لا تأتي من موضع ضعف أو موقف ضعف بل بالندية وجولة التصعيد الأخيرة خير دليل، وقد قالت المقاومة كلمتها وأوصلت رسالتها لإسرائيل بأن الاقتراب من التهدئة لا يعني عدم الرد على التصعيد.
التحذير من أن التهدئة قد تقوض إقامة الدولة الفلسطينية على حدود العام 67 هو أيضا بهتان، حيث لم يفضِ اتفاق أوسلو إلى إعلان الدولة الفلسطينية، وتوقيع حماس وفصائل المقاومة لتهدئة لن يقوض الدولة الفلسطينية.
تغليب الإنساني على السياسي لم يكن فرية افترتها المقاومة بغزة من أجل تمرير اتفاق تهدئة لم يحدث بعد، لكن واقع الحالة الإنسانية لقطاع غزة جاء في بيان منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية جيمي ماكفولدريك الذي طالب بضرورة تحسين أوضاع قطاع غزة قبل وقوع الكارثة، فهل نتهم الرجل بأنه غلب الإنساني على السياسي وبالتالي فرط في القضية وثوابتها؟
لا شيء يمنع غزة من المقاومة. لا شيء يثنيها إطلاقا والأصل في فكرها وفي ممارستها هو المقاومة. والحصار لم يمنع غزة من المقاومة، فهل يمنعها اتفاق تهدئة طويل الأمد كان أم قصيرا.
الانزلاق قد يحدث لاحقا بمعنى أن ننتقل من التهدئة إلى التسوية ومن التسوية إلى التصفية، لست من دعاة الاقتراب من الاحتلال والإقرار له والاعتراف به على الإطلاق، لكني لست من دعاة المكابرة؛ والاستدارة لحاجة الناس كأولوية شريطة ألا تكون على حساب المقاومة وإخراجها من الحسابات، فالحذر واجب والتجربة الفلسطينية شاهدة على حدوث انزلاق بدت المعادلة من الأرض مقابل السلام إلى السلام مقابل السلام ثم تهاوت، والقلق أن تتطور التهدئة لتصبح تسوية ويصبح الوضع السلام مقابل الأوضاع الإنسانية.
حتى لا يكون الأمر عبارة عن مكابرة وخطاب جعجعة نقول إن الأزمة الإنسانية قد تنتهي مقابل أن تتوقف وتتراجع البالونات والطائرات. قد يتوقف الناس عن الذهاب لمسيرات العودة، قد يكون هذا خيارنا الوحيد؛ لكن الفلسطيني سيعود مثلما عاد مع انتفاضة العام 1987 بالحجر والمقلاع ثم المولوتوف والسكين. توقف الفلسطيني كاستراحة مقاتل ثم عاد أكثر عناداً وقوة في العام 2000 وبالقنابل والبارود والعمليات الاستشهادية، ثم توقف لبعض الوقت حتى عاد بالكورنيت وصواريخ محلية بمديات مختلفة، قصف الفلسطيني تل أبيب وحظر الحركة في مطار بن غوريون، تأقلم للحد الذي امتلك فيه وحدات صاروخية ووحدات ظل، واجتاز بدمه ثلاث حروب وترقب إنجاز صفقة تبادل للأسرى.
لا خوف على المقاومة، ولا خوف على غزة، ولا يمكن أنّ تبيع غزة نفسها بثمن بخس، فهي أول من وقف في وجه صفقة القرن المزعومة، وأول من رد الصاع لإسرائيل في حروبها رغم قلة الإمكانيات وغياب الظهير العربي والإسلامي الحقيقي والقوي، ورغم كل شيء ستبقى غزة قوية حتى لو ذهبت إلى تهدئة كاستراحة محارب.
تسهيل حياة الناس مطلب وضرورة وأمر ملح، لكنّ واحدًا من أهداف الاحتلال تاريخيًا هو إظهار القضية بمظهر أنها قضية إنسانية بحتة منذ النكبة ومنذ اللحظة التي تأسست فيها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" قدمت فلسطين على أنها قضية إنسانية، وأن أهلها بحاجة لملبس ومأكل ومشرب وإشباع حاجاتهم الأساسية والإنسانية، واليوم العالم كله يلوح ومستعد لتقديم الإنساني على السياسي، يمكنهم توفير حاجة الفلسطيني الإنسانية دون الانتقال لحل سياسي عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
لا يمكن الفصل بين السياسي والإنساني، لأن الأصل في المعادلة أن يخدم السياسي الإنساني؛ فإنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين والمقدسات والثوابت والحقوق كلها تهدف في النهاية إلى إحقاق الحق للإنسان الفلسطيني ولا يمكن مساومة ذلك كله على تسهيلات وتوفير بعض الاحتياجات.
تخفيف الحصار مطلوب ورفعه عن غزة ضرورة، لكنه حدث بفعل سياسي وفرض من أجل أن تعترف حماس وتوافق على شروط أو مطالب الرباعية الدولية وتقر وتعترف بإسرائيل وبالتالي الهدف والغاية كانا سياسيين والأداة كانت ضغوطات أفضت إلى حالة إنسانية غير مسبوقة في قطاع غزة، و الأصل إذاً سياسي وبالتالي لا يمكن فصل السياسي عن الإنساني يمكن تقديم أحدهما على الآخر أو تغليبه على الآخر لكن الفصل بينهما لا يمكن على الإطلاق، وما يحدث هو اصطياد من البعض بأن حماس تغلب الإنساني على السياسي وأنها ذاهبة للتفريط، وهذا لا يزال محددا حاكما للعلاقات الفلسطينية الداخلية خاصة الآن في ظل استمرار حالة الانقسام.
إن تسهيل وإحداث انفراجة في وضع الناس جزء من المقاومة، لأن المقاومة هي المفاعلة وهي فعل شامل يضمن قوت الناس ومقومات حياتهم، وإن وضع العربة أمام الحصان أو استباق الأحداث والقول إن تغليب الإنساني على السياسي سيفضي إلى انتهاء القضية الفلسطينية غير حقيقي وغير موضوعي واستباق للأحداث، لا يمكن الاستمرار في الاشتباك مع العدو وظهير المقاومة مكشوف، رافد المقاومة الأساس هو الناس والشعب وتمتين الجبهة الداخلية وحمايتها أولوية دون الانزلاق للقول والاستباق بأن في الأمر تنازلات سياسية، لا سيما وأن هذه الرواية ترد على لسان من قدموا التنازلات سلفا وذهبوا إلى اتفاق أوسلو والذي انتهى لما انتهى إليه الواقع الفلسطيني الحالي.
أما تحذير البعض من أن التهدئة وثمنها ونتائجها وتغليب الإنساني ستفضي إلى الفصل بين غزة والضفة، فهذا توصيف غير حقيقي وغير موضوعي لأن الذي فصل غزة عن الضفة هو رئاسة السلطة الفلسطينية التي عاقبت غزة وفرضت إجراءات عقابية وأحالت موظفيها إلى التقاعد ثم خفضت الرواتب لأكثر من 50 بالمائة، الأمر الذي زاد وضع القطاع وواقعه سوءاً وتردياً، والآن تبكي السلطة على غزة وتحذر من فصلها عن الضفة، من الذي فصل غزة وعاقبها ومن الذي حرم موظفيها وخريجيها وعمالها وأسراها من استحقاقاتهم ومن وظائفهم.
الخروج للتهدئة لا يعني التنازل ولا يعني إلقاء السلاح ولا يعني إنهاء المقاومة ولا يعني الإقرار لإسرائيل والاعتراف بها، والتذرع بالإنساني والتحذير من الاستغراق فيه ادعاء في غير محله فالناس في غزة خاضوا ثلاث حروب لا لأجل حاجة إنسانية وصمد الناس واحتضنوا المقاومة وانحازوا لها من قبل في انتخابات العام 2006 لا لأسباب أو لحاجة إنسانية، ومسيرات العودة لم تكن بدوافع إنسانية أو من أجل ملبس ومأكل ومشرب إطلاقا، والتهدئة الآن وفي هذا التوقيت وعقب المعادلات التي فرضتها المقاومة لا تأتي من موضع ضعف أو موقف ضعف بل بالندية وجولة التصعيد الأخيرة خير دليل، وقد قالت المقاومة كلمتها وأوصلت رسالتها لإسرائيل بأن الاقتراب من التهدئة لا يعني عدم الرد على التصعيد.
التحذير من أن التهدئة قد تقوض إقامة الدولة الفلسطينية على حدود العام 67 هو أيضا بهتان، حيث لم يفضِ اتفاق أوسلو إلى إعلان الدولة الفلسطينية، وتوقيع حماس وفصائل المقاومة لتهدئة لن يقوض الدولة الفلسطينية.
تغليب الإنساني على السياسي لم يكن فرية افترتها المقاومة بغزة من أجل تمرير اتفاق تهدئة لم يحدث بعد، لكن واقع الحالة الإنسانية لقطاع غزة جاء في بيان منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية جيمي ماكفولدريك الذي طالب بضرورة تحسين أوضاع قطاع غزة قبل وقوع الكارثة، فهل نتهم الرجل بأنه غلب الإنساني على السياسي وبالتالي فرط في القضية وثوابتها؟
لا شيء يمنع غزة من المقاومة. لا شيء يثنيها إطلاقا والأصل في فكرها وفي ممارستها هو المقاومة. والحصار لم يمنع غزة من المقاومة، فهل يمنعها اتفاق تهدئة طويل الأمد كان أم قصيرا.
الانزلاق قد يحدث لاحقا بمعنى أن ننتقل من التهدئة إلى التسوية ومن التسوية إلى التصفية، لست من دعاة الاقتراب من الاحتلال والإقرار له والاعتراف به على الإطلاق، لكني لست من دعاة المكابرة؛ والاستدارة لحاجة الناس كأولوية شريطة ألا تكون على حساب المقاومة وإخراجها من الحسابات، فالحذر واجب والتجربة الفلسطينية شاهدة على حدوث انزلاق بدت المعادلة من الأرض مقابل السلام إلى السلام مقابل السلام ثم تهاوت، والقلق أن تتطور التهدئة لتصبح تسوية ويصبح الوضع السلام مقابل الأوضاع الإنسانية.
حتى لا يكون الأمر عبارة عن مكابرة وخطاب جعجعة نقول إن الأزمة الإنسانية قد تنتهي مقابل أن تتوقف وتتراجع البالونات والطائرات. قد يتوقف الناس عن الذهاب لمسيرات العودة، قد يكون هذا خيارنا الوحيد؛ لكن الفلسطيني سيعود مثلما عاد مع انتفاضة العام 1987 بالحجر والمقلاع ثم المولوتوف والسكين. توقف الفلسطيني كاستراحة مقاتل ثم عاد أكثر عناداً وقوة في العام 2000 وبالقنابل والبارود والعمليات الاستشهادية، ثم توقف لبعض الوقت حتى عاد بالكورنيت وصواريخ محلية بمديات مختلفة، قصف الفلسطيني تل أبيب وحظر الحركة في مطار بن غوريون، تأقلم للحد الذي امتلك فيه وحدات صاروخية ووحدات ظل، واجتاز بدمه ثلاث حروب وترقب إنجاز صفقة تبادل للأسرى.
لا خوف على المقاومة، ولا خوف على غزة، ولا يمكن أنّ تبيع غزة نفسها بثمن بخس، فهي أول من وقف في وجه صفقة القرن المزعومة، وأول من رد الصاع لإسرائيل في حروبها رغم قلة الإمكانيات وغياب الظهير العربي والإسلامي الحقيقي والقوي، ورغم كل شيء ستبقى غزة قوية حتى لو ذهبت إلى تهدئة كاستراحة محارب.