27 سبتمبر 2018
التّمرين الإمبريالي الروسي في سورية
هل هدف التدخل العسكري الروسي في سورية إلى التدريب، كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أم أنه أتى كاستعراض عسكري لأحدث الأسلحة الروسية، من أجل تسويق بيعها، كما أشار بوتين كذلك؟ أم كذلك يهدف إلى فتح بابٍ واسع للشركات الروسية، لكي تحصل على مصالح اقتصادية، كما قال سفير روسيا في دمشق؟ أم أيضاً هدف هذا التدخل منع سقوط النظام، كما كرّر بوتين مراراً، أو محاربة الإرهاب في سورية، قبل أن ينتقل إلى روسيا، كما كرّر كذلك؟
ربما كان هدف منع سقوط النظام أساسياً بعد اختلال ميزان القوى ربيع سنة 2015، واعتراف بشار الأسد بأن جيشه تلاشى، وأن الوضع بات خطيراً. لكن، بالتأكيد لم يكن هدف التدخل محاربة الإرهاب الذي يتمثل في تنظيمي داعش والنصرة، حيث استحوذت الضربات ضدهما على أقل نسبةٍ من الضربات الجوية الروسية، ولم يظهر أن روسيا تريد تصفية الإرهاب فعلياً، بل ظهر التواطؤ بينها وبين داعش على الأقل، وأن لها "داعشها" الذي يسيطر على مناطق واسعةٍ من شرق سورية.
ما ظهر في الواقع أن ضعف النظام وحاجته إلى التدخل الروسي كان المدخل للحصول على قواعد عسكرية في مناطق متعدّدة من سورية، مثل قاعدة حميميم في اللاذقية (وهي قاعدة أساسية)، والقاعدة البحرية في طرطوس التي تأسست قبل عقود، لكنها كانت مغلقة، وعدد من القواعد الأخرى في مناطق حمص. ومن ثم بات وجود قوات برية وجوية وبحرية يلعب دوراً أساسياً في الصراع ضد الثورة، وفرضت تعديل ميزان القوى، بحيث ظهر توازن تريد أن يختلّ أكثر لغير مصلحة الثورة، ويفضي إلى سحقها. وقد كرّست هذا الوجود باتفاق مذلّ، هو أقرب إلى الاحتلال، وقعه بشار الأسد حينما أُخذ إلى روسيا، كما يبدو. وهذا يعني أن روسيا حصلت على مرتكز عسكري مهم في "الشرق الأوسط"، وهو مهم في سعيها إلى تطوير دورها العالمي، وتوسيع سيطرتها، وفرض نفسها قوة عالمية أساسية، وربما كالقوة العالمية الأساسية بعد تراجع الدور الأميركي، والانسحاب من "الشرق الأوسط"، هذا "الشرق الأوسط" الذي يشكل مفصلاً في تكريس الدور العالمي لأي قوة.
إذن، ستكون حماية النظام من السقوط المدخل لفرض السيطرة وتأسيس القواعد العسكرية، من أجل تكريس روسيا قوة إمبريالية عالمية، لديها طموح الهيمنة العالمية. وهذا شكل إمبريالي كلاسيكي، مرّت به كل الإمبرياليات. وإنْ كان أتى ذلك على شكل "دفاع شرعي عن نظام يتهاوى"، على الرغم من سقوط شرعية النظام منذ بدء الثورة، وسعي الشعب إلى إسقاطه، فعادة كانت هناك مبرّرات لتدخل الدول الإمبريالية، مثل "تحرير العرب من الاحتلال العثماني"، أو "امتلاك الأسلحة النووية"، كما فعلت الإمبريالية الأميركية في العراق. وبالتالي، ليس "السبب" هو ما يجب أن يلفت الانتباه، بل طموح الدولة المتدخلة، وحاجتها لمبرر من أجل التدخل والسيطرة، فالدول ليست "جمعيات خيرية" (كما صرّح بوش الابن مرة)، بل تنطلق من مصالح رأسمالياتها، ومن طموح هذه الرأسماليات.
هذا ما ظهر في "الاتفاقات الاقتصادية" التي حصلت بعد الدعم السياسي الذي قامت به روسيا
بعد بدء الثورة، لكي لا يتخذ مجلس الأمن قرارات بالتدخل كما حدث في ليبيا (على الرغم من أن الأمر لم يكن كذلك في سورية، وكانت أميركا غير معنية بالأمر أصلاً)، حيث تحصلت شركاتها على الاستثمار في النفط والغاز، وفي مشاريع اقتصادية كثيرة. وزادت بعد ذلك باستثمار حقول الغاز التي اكتشفت في البحر المتوسط مقابل الساحل السوري، ومشاريع أخرى في مجالاتٍ متعددة، وربما التقدم للاستحواذ على إعادة الإعمار. وهو ما يُظهر الطابع الإمبريالي لروسيا، ويوضح أن تدخّلها يهدف بالضبط، كما أوضح السفير في دمشق، حيث قال إن هذا الدعم سوف يخدم مصالح الشركات الروسية.
بالتالي، السيطرة الاقتصادية هي أساس التدخل الروسي في سورية، ولكي تتحقق وتُحمى، كان يجب أن تقام قواعد عسكرية، لأجلٍ "غير محدَّد"، كما نصت الاتفاقية الروسية السورية. وهنا، تصبح سورية سوقاً للسلع والرأسمال الروسي، حيث تنشط الشركات للحصول على مشاريع اقتصادية، واضح أنها بدأت في ذلك، حتى قبل انتهاء الصراع. وهي، في ظل سيطرتها العسكرية، تستطيع التحكم في "الصادرات والواردات"، وبالتالي، إلزام الدولة السورية بتحديد استيرادها من روسيا، وبإعطاء الأولوية للرأسمال الروسي. وهي السمة "المثالية" لكل إمبريالية.
نعود إلى "التمرين"، فملاحظة بوتين أن التدخل في سورية "أرخص" من تمرين تدريبي كانت تشي بعنجهية إمبريالية، يكمن خلفها "ضعف بنيوي"، لأنه لا يمكن أن يكون التدخل العسكري مطابقاً لعملية تدريب روتينية. بالضبط، لأنه مفتوح النهايات، فليس قرار بوتين هو الذي سينهي التدخل العسكري، وربما يكون التشدّد في الحسم العسكري، لإظهار قوة روسيا وتفوّق سلاحها، مدخلاً لتورط أفغاني يحاول بوتين الهروب منه، أو يحاول أن يوحي للشعب الروسي أنه لن يحصل. وهذا هو هدف الإعلان عن الانسحاب، على الرغم من أن القوات الروسية لا زالت كما كانت، وربما جرى تبديل بعض الوحدات، فقد اتضح، أخيراً، وجود عدة قواعد عسكرية، ووجود بري غير الطائرات.
لكن، من الواضح الأهمية التي يوليها الروس لإظهار تفوق السلاح الروسي. وهنا، نلمس الميل الإمبريالي إلى تصدير السلاح، وهو الصناعة الأكثر تطوراً في روسيا، بعد أن انهارت وتراجعت مجمل الصناعات الأخرى، حيث يجب إثبات كفاءتها "في الميدان". وهنا، على رأس الشعب السوري، العمل من أجل أن يتدفق الطلب العالمي لشرائها. لهذا، أعلن بوتين فرحاً أن مبيعات السلاح الروسي وصلت إلى 15 مليار دولار، وباتت روسيا البلد الثاني في بيع السلاح، بعد أميركا التي باعت بـ 36 مليار دولار العام الفائت.
بالتالي، تريد روسيا أن تثبت تفوقها العسكري من جهة، وأن يدفع ذلك إلى تشغيل مصانع الأسلحة لديها، بزيادة مبيعاتها من جهة ثانية. ولروسيا منظورها الإستراتيجي في تدخلها في سورية، حيث تعتبر أن السيطرة على سورية، وإظهار جبروتها هنا، المدخل لتسيدها العالمي، بعد أن تراجع وضع أميركا. إنها إمبريالية ناهضة في زمن الأزمة المستعصية على كل الإمبرياليات، وللنمط الرأسمالي ككل.
ربما كان هدف منع سقوط النظام أساسياً بعد اختلال ميزان القوى ربيع سنة 2015، واعتراف بشار الأسد بأن جيشه تلاشى، وأن الوضع بات خطيراً. لكن، بالتأكيد لم يكن هدف التدخل محاربة الإرهاب الذي يتمثل في تنظيمي داعش والنصرة، حيث استحوذت الضربات ضدهما على أقل نسبةٍ من الضربات الجوية الروسية، ولم يظهر أن روسيا تريد تصفية الإرهاب فعلياً، بل ظهر التواطؤ بينها وبين داعش على الأقل، وأن لها "داعشها" الذي يسيطر على مناطق واسعةٍ من شرق سورية.
ما ظهر في الواقع أن ضعف النظام وحاجته إلى التدخل الروسي كان المدخل للحصول على قواعد عسكرية في مناطق متعدّدة من سورية، مثل قاعدة حميميم في اللاذقية (وهي قاعدة أساسية)، والقاعدة البحرية في طرطوس التي تأسست قبل عقود، لكنها كانت مغلقة، وعدد من القواعد الأخرى في مناطق حمص. ومن ثم بات وجود قوات برية وجوية وبحرية يلعب دوراً أساسياً في الصراع ضد الثورة، وفرضت تعديل ميزان القوى، بحيث ظهر توازن تريد أن يختلّ أكثر لغير مصلحة الثورة، ويفضي إلى سحقها. وقد كرّست هذا الوجود باتفاق مذلّ، هو أقرب إلى الاحتلال، وقعه بشار الأسد حينما أُخذ إلى روسيا، كما يبدو. وهذا يعني أن روسيا حصلت على مرتكز عسكري مهم في "الشرق الأوسط"، وهو مهم في سعيها إلى تطوير دورها العالمي، وتوسيع سيطرتها، وفرض نفسها قوة عالمية أساسية، وربما كالقوة العالمية الأساسية بعد تراجع الدور الأميركي، والانسحاب من "الشرق الأوسط"، هذا "الشرق الأوسط" الذي يشكل مفصلاً في تكريس الدور العالمي لأي قوة.
إذن، ستكون حماية النظام من السقوط المدخل لفرض السيطرة وتأسيس القواعد العسكرية، من أجل تكريس روسيا قوة إمبريالية عالمية، لديها طموح الهيمنة العالمية. وهذا شكل إمبريالي كلاسيكي، مرّت به كل الإمبرياليات. وإنْ كان أتى ذلك على شكل "دفاع شرعي عن نظام يتهاوى"، على الرغم من سقوط شرعية النظام منذ بدء الثورة، وسعي الشعب إلى إسقاطه، فعادة كانت هناك مبرّرات لتدخل الدول الإمبريالية، مثل "تحرير العرب من الاحتلال العثماني"، أو "امتلاك الأسلحة النووية"، كما فعلت الإمبريالية الأميركية في العراق. وبالتالي، ليس "السبب" هو ما يجب أن يلفت الانتباه، بل طموح الدولة المتدخلة، وحاجتها لمبرر من أجل التدخل والسيطرة، فالدول ليست "جمعيات خيرية" (كما صرّح بوش الابن مرة)، بل تنطلق من مصالح رأسمالياتها، ومن طموح هذه الرأسماليات.
هذا ما ظهر في "الاتفاقات الاقتصادية" التي حصلت بعد الدعم السياسي الذي قامت به روسيا
بالتالي، السيطرة الاقتصادية هي أساس التدخل الروسي في سورية، ولكي تتحقق وتُحمى، كان يجب أن تقام قواعد عسكرية، لأجلٍ "غير محدَّد"، كما نصت الاتفاقية الروسية السورية. وهنا، تصبح سورية سوقاً للسلع والرأسمال الروسي، حيث تنشط الشركات للحصول على مشاريع اقتصادية، واضح أنها بدأت في ذلك، حتى قبل انتهاء الصراع. وهي، في ظل سيطرتها العسكرية، تستطيع التحكم في "الصادرات والواردات"، وبالتالي، إلزام الدولة السورية بتحديد استيرادها من روسيا، وبإعطاء الأولوية للرأسمال الروسي. وهي السمة "المثالية" لكل إمبريالية.
نعود إلى "التمرين"، فملاحظة بوتين أن التدخل في سورية "أرخص" من تمرين تدريبي كانت تشي بعنجهية إمبريالية، يكمن خلفها "ضعف بنيوي"، لأنه لا يمكن أن يكون التدخل العسكري مطابقاً لعملية تدريب روتينية. بالضبط، لأنه مفتوح النهايات، فليس قرار بوتين هو الذي سينهي التدخل العسكري، وربما يكون التشدّد في الحسم العسكري، لإظهار قوة روسيا وتفوّق سلاحها، مدخلاً لتورط أفغاني يحاول بوتين الهروب منه، أو يحاول أن يوحي للشعب الروسي أنه لن يحصل. وهذا هو هدف الإعلان عن الانسحاب، على الرغم من أن القوات الروسية لا زالت كما كانت، وربما جرى تبديل بعض الوحدات، فقد اتضح، أخيراً، وجود عدة قواعد عسكرية، ووجود بري غير الطائرات.
لكن، من الواضح الأهمية التي يوليها الروس لإظهار تفوق السلاح الروسي. وهنا، نلمس الميل الإمبريالي إلى تصدير السلاح، وهو الصناعة الأكثر تطوراً في روسيا، بعد أن انهارت وتراجعت مجمل الصناعات الأخرى، حيث يجب إثبات كفاءتها "في الميدان". وهنا، على رأس الشعب السوري، العمل من أجل أن يتدفق الطلب العالمي لشرائها. لهذا، أعلن بوتين فرحاً أن مبيعات السلاح الروسي وصلت إلى 15 مليار دولار، وباتت روسيا البلد الثاني في بيع السلاح، بعد أميركا التي باعت بـ 36 مليار دولار العام الفائت.
بالتالي، تريد روسيا أن تثبت تفوقها العسكري من جهة، وأن يدفع ذلك إلى تشغيل مصانع الأسلحة لديها، بزيادة مبيعاتها من جهة ثانية. ولروسيا منظورها الإستراتيجي في تدخلها في سورية، حيث تعتبر أن السيطرة على سورية، وإظهار جبروتها هنا، المدخل لتسيدها العالمي، بعد أن تراجع وضع أميركا. إنها إمبريالية ناهضة في زمن الأزمة المستعصية على كل الإمبرياليات، وللنمط الرأسمالي ككل.