تعددت خلال السنوات العشر الأخيرة، أساليب وتقنيات الغش في امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) في الأردن، لتشكل سنويًا مادة دسمة للرأي العام الأردني وصنّاع القرار، وينشغل المسؤولون في ابتكار طرق تكافح هذه الظاهرة، بالتزامن مع تطور التقنيات المستخدمة، بدءًا من قصاصات الورق الصغيرة، مرورًا بتسريب الأسئلة وبيعها في الأماكن العامة قبل الامتحان، وصولًا إلى تقنيات السماعات اللاسلكية التي تزرع داخل الأذن.
وثمّة العديد من المتغيرات والعوامل التي تؤسس لفكرة الحصول على أعلى الدرجات بأسرع وأسهل الطرق، يشير إلى ذلك الدكتور عاطف الشواشرة، أخصائي الدراسات النفسية التربوية، فحالة التوتر والقلق التي تضرب الطلبة والدوائر الاجتماعية المحيطة بهم سنويًا، ويبرز في مقدمتها تطلعات الأهل وتوقعاتهم العالية.
يضيف الشواشرة في حديثه إلى "جيل العربي الجديد": "حالة الضغط التي يشكلها الأهالي على الطلبة، تدفعهم للشك في قدرتهم على تحقيق ما هو متوقع منهم، إضافة إلى ما يحمله الاختبار بحد ذاته من أهمية؛ نتيجةً لتفرّده برسم ملامح مستقبل الطلبة".
يتفق مع هذا الطرح الخبير التربوي، علي الحشكي، فيقول: "عدم تعامل الأسرة مع قدرات الأبناء بشكل صحيح، إضافة إلى وجود وسواس البحث عن أفضل النتائج بغض النظر عن القدرات المتاحة، يدفع الطلبة لابتكار أساليب ملتوية مثل الغش، بهدف الوصول لتطلعات الآخرين".
هذه العوامل، وإن كانت منتشرة إلى حد كبير، إلا أنها ليست منفردة، فأسيل طالبة في الثانوية العامة للدورة الحالية (2016)، تقول إنها اختارت دراسة الفرع الأدبي نتيجةً لتقييمها لقدراتها بالتشارك مع أسرتها، ومعرفتها بأن هذا الخيار سيكون الأنسب مقارنة مع ما تمتلكه من قدرات.
إلّا أن هذا لم يكن كافيًا لتتجنّب الضغوط النفسية المربكة التي تعيشها في فترة الاختبارات. تقول: "أصعب ما يواجهني ويزيد توتّري هو ضغوط الأهل، وقناعاتهم بأن الزيادة في الإلحاح والرقابة المستمرة على دراستي ستكون في صالحي، هذا دفعني لقضاء معظم الوقت في غرفتي، أتظاهر بالدراسة بينما أقوم بقتل الوقت".
ويمكن رصد مدى تأثير هذه المرحلة نفسيًا في الطلاب؛ من خلال مراقبة ردود أفعال الخريجين، فنجد الكثير من حالات التعبير عن الفرحة تتخذ أشكالًا مبالغًا فيها، مثل إطلاق الأعيرة النارية، وإحداث الضوضاء بإطلاق أبواق السيارات والمخاطرة بالخروج من نوافذ السيارات؛ رغم تواضع المعدلات المُحتفى بها في الكثير من الأحيان. وهذا يحيلنا إلى درجة الضغط والكبت التي تعرض لها الطلبة خلال عام دراسي من قبل المؤسسة التعليمية والمجتمع على حد سواء.
ولحالة القلق العام التي يعيشها الطلبة والأسرة في مرحلة التوجيهي، دورها في إحداث ردود أفعال قاسية تتمثل غالبًا بإعلان حالة الطوارئ في المنزل أثناء الاختبارات، والتي تنعكس سلبًا على حالة الطالب نفسيًا، وتفرض توتر وتشنج على العلاقة الأسرية. يقول الشواشرة:
"هذا التوتر الأسري المصاحب للاختبار، يتسبب بحالة التداخل الرجعي في أبنية الذاكرة، والتي تسبب فقدان الطالب لذاكرته المعرفية أو تداخل المعلومات بالنسبة له أثناء التقدم للامتحان؛ ما يدفعه أحيانًا إلى البحث حوله عن طالب أو مراقب يساعده بشكل أو بآخر".
تشير أسيل أيضًا إلى دور المدرسة في تسهيل تقبّل الطالب لفكرة الغش، إذ يفترض أن تُخضع المدرسة طلبتها لامتحان تجريبي قبل امتحانات الوزارة، إلا أن المدرسين والطلبة لايكترثون لهذه الاختبارات، التي عادة ما تعمّها الفوضى والغش بشكل علني، كما تصف أسيل.
ويلفت الدكتور علي الحشكي إلى قيام بعض المدرسين بادعاء الحصول على أسئلة وزارية، يقومون من خلالها باستقطاب أكبر عدد من الطلبة للتسجيل في دورات مكثفة وبالتالي الحصول على عوائد مالية كبيرة، وهذا يعزز فكرة إمكانية تسريب أسئلة الوزارة، كما حدث عام 2004، عندما اضطرت الوزارة إلى الاعتراف بحدوث ذلك بصورة واسعة وإعادة الامتحانات.
ومع تفشي ظاهرة الغش وتحولها إلى مظهر اجتماعي، يلفت الشواشرة إلى أهمية البحث في كافة الأسباب المتعلقة، وأساليب الحد منها، وأهمها تأهيل الأسرة على التعامل السليم مع قدرات أبنائهم، ومبادئ الاكتفاء بالقدرات الذاتية والاستخدام الأمثل للقدرات المتاحة في داخلهم.
يقول: "الغش موضوع مرتبط بتعلم احترام الذات وتقدير جهود وحقوق الآخرين، وهي جزء من منطومة أخلاقية أشمل من مرحلة التوجيهي بل تتعلق بنظرتهم للمجتمع والقيم الإنسانية ككل".
وهذا لا يعفي الدولة من دورها في تأهيل الطالب وتعليمه استراتيجيات التعلم وأساليب الدراسة والحفظ طويلة المدى. إضافةً إلى إيجاد خطط لتطوير النظام التعليمي وعدم ربط مستقبل الطالب بنقطة عبور واحدة، والتركيز على القدرات المتعلقة بالتحليل والإمكانيات الذهنية العليا والتفكير الابداعي؛ بحيث لا يكون الاختبار رهن عملية التذكر، وهذا ما سينعكس إيجابًا على مستوى الطلبة العلمي أيضًا ولا يقتصر على الحد من عمليات الغش.
(الأردن)