09 نوفمبر 2024
الثورة وكوبا: يخت وراؤول
انتهى زمن الثورات. سنضع قبعة تشي غيفارا جانباً. سيضطر اللاعب الأرجنتيني، دييغو مارادونا، إلى إزالة وشم الرئيس الكوبي السابق، فيدل كاسترو، من قدمه، أو أقلّه وضع وشم يحمل صورة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على القدم الأخرى. تنخفض أسعار السيكار وقصب السكر أو ترتفع. لم تعد الشيوعية على فم الولايات المتحدة، بل باتت جزءاً من ثورويات الستينيات الحالمة، مجرد ذكرى. فكوبا الآن "ديمقراطية". لن تهتف مقاهي شارع الحمرا البيروتي لثورة هافانا المُظفّرة، أو للعمل من أجل إسقاط الإمبريالية الليبرالية الأميركية. لا شيء من هذا سيحصل. كل ما في البال أن 55 عاماً من العداء المستحكم انتهى بضربة قلم.
انتهت العقوبات على الجزيرة الكوبية. عاد الأسرى والجواسيس المسجونون كلّ إلى بلده. لم يعد فيدل مجرّد قاتل ومهجّر شعبه، ربطته أفلام هوليوود بكل ما هو سيئ. ربما لن تُظهر أي نسخة متجددة لفيلم "سكارفايس" أي دور سلبي لكوبا ـ فيدل كاسترو، بعد اليوم. غيفارا. لاهوت التحرير. الخيار الأممي الثالث، بعيداً عن حلم أميركي حرّ، وستار سوفييتي بارد. كلّه انتهى. كان على الرئيس الكوبي المخلوع في ثورة فلاحي جبال سييرا مايسترا، فولخنسيو باتيستا، ألا يهرب. كان على الشركات الأميركية ألا تؤمّم. عشرات الآلاف أُعدموا من أجل الثورة الكوبية وباسمها. كان عليهم أن يعيشوا ليروا كوبا الجديدة. قضية الصواريخ الكوبية، في 1959، كادت تُشعل حرباً عالمية ثالثة، ولم تكن قد جفّت دماء الحرب العالمية الثانية، لولا قليل من الفطنة وكثير من الحظ. كله بات مجرد حكايات، وغداً سيصبح مجرد أساطير غابرة.
عملية خليج الخنازير صارت "خطأً تاريخياً". مات قائدها الرئيس الأميركي، جون كينيدي. الغواصات التي جابت الشواطئ الكوبية باتت مجرّد مناورات عسكرية. يُمكن للولايات المتحدة أن تنقل جيوشها إلى كل مكان، وإلى أبعد أماكن العالم: كوريا الجنوبية وفيتنام واليابان وأفغانستان والعراق. يمكنها حتى أن تطال يوغوسلافيا السابقة، وليبيا ـ معمّر القذافي. يمكنها غزو القمر والمريخ. لكنها لم تتمكن من القضاء على كاسترو الذي يبتعد عنها بضعة كيلومترات. يمكنها اجتياح بنما وغرانادا، لكن كوبا القريبة منها ليست سوى دولة بعيدة.
مئات محاولات الاغتيال التي كرّست فيدل بطلاً ستُخلّد على أنها "سوء تفاهم" طال أمده. صور غيفارا المرفوعة في كل مكان، والمرافقة لكل التظاهرات، ستُطوى في غياهب التاريخ. كوبا تُذكّر روسيا، بقيادة فلاديمير بوتين، أن الواقعية أقوى من كل شيء. تلك "الواقعية" أدّت إلى رحيل غيفارا، وإلى تفضيل فيدل أخاه راؤول على الشاب الأرجنتيني. تلك "الواقعية"، حتّمت على فيدل تسليم الإمرة العسكرية لراؤول الذي قاد كوبا بدهاء استخباراتي كثير. كان عالماً أن لحظة اللقاء مع الأميركيين ستأتي. وكان لا بدّ من التحضير جيداً للقاء. لا بأس في تكريس دور البطولة للبابا فرنسيس، الأرجنتيني. للفاتيكان سابقة في منع الحرب بين تشيلي والأرجنتين، في السبعينيات، فليُمنح دوراً شبيهاً إلى حدّ ما الآن. واقعية راؤول أتاحت المجال لمصالحة شاملة، مع عاصمة الكثلكة، ووضع لاهوت التحرير في أدراج النسيان. ولن تكون جثة المطران السلفادوري "اليساري"، أوسكار روميرو، المُغتال مطلع الثمانينيات، سوى أيقونة من أيقونات اليسار الكهنوتي، الذي "سيندثر" في ثقب أسود لامتناهٍ.
كل ما سيبقى مجرّد يخت، اسمه "غرانما"، جنح ليلة من ليالي ديسمبر/ كانون الأول الباردة في 1956، على متنه 82 مقاتلاً، بيدهم رايات حمراء وبنادق وأحلام قادرة أن تهزّ الكون. يقودهم محامٍ وطبيب. شبان كانوا يهدفون إلى تغيير العالم، قبل أن يغيّرهم العالم. اليوم، انتهى كل شيء. وصوت ناتالي كاردوني يصدح مغنياً لغيفارا "قائدنا إلى الأبد". الواقعية أقوى من الرومانسية. اليوم انتصر راؤول كاسترو. لا فيدل ولا غيفارا.
انتهت العقوبات على الجزيرة الكوبية. عاد الأسرى والجواسيس المسجونون كلّ إلى بلده. لم يعد فيدل مجرّد قاتل ومهجّر شعبه، ربطته أفلام هوليوود بكل ما هو سيئ. ربما لن تُظهر أي نسخة متجددة لفيلم "سكارفايس" أي دور سلبي لكوبا ـ فيدل كاسترو، بعد اليوم. غيفارا. لاهوت التحرير. الخيار الأممي الثالث، بعيداً عن حلم أميركي حرّ، وستار سوفييتي بارد. كلّه انتهى. كان على الرئيس الكوبي المخلوع في ثورة فلاحي جبال سييرا مايسترا، فولخنسيو باتيستا، ألا يهرب. كان على الشركات الأميركية ألا تؤمّم. عشرات الآلاف أُعدموا من أجل الثورة الكوبية وباسمها. كان عليهم أن يعيشوا ليروا كوبا الجديدة. قضية الصواريخ الكوبية، في 1959، كادت تُشعل حرباً عالمية ثالثة، ولم تكن قد جفّت دماء الحرب العالمية الثانية، لولا قليل من الفطنة وكثير من الحظ. كله بات مجرد حكايات، وغداً سيصبح مجرد أساطير غابرة.
عملية خليج الخنازير صارت "خطأً تاريخياً". مات قائدها الرئيس الأميركي، جون كينيدي. الغواصات التي جابت الشواطئ الكوبية باتت مجرّد مناورات عسكرية. يُمكن للولايات المتحدة أن تنقل جيوشها إلى كل مكان، وإلى أبعد أماكن العالم: كوريا الجنوبية وفيتنام واليابان وأفغانستان والعراق. يمكنها حتى أن تطال يوغوسلافيا السابقة، وليبيا ـ معمّر القذافي. يمكنها غزو القمر والمريخ. لكنها لم تتمكن من القضاء على كاسترو الذي يبتعد عنها بضعة كيلومترات. يمكنها اجتياح بنما وغرانادا، لكن كوبا القريبة منها ليست سوى دولة بعيدة.
مئات محاولات الاغتيال التي كرّست فيدل بطلاً ستُخلّد على أنها "سوء تفاهم" طال أمده. صور غيفارا المرفوعة في كل مكان، والمرافقة لكل التظاهرات، ستُطوى في غياهب التاريخ. كوبا تُذكّر روسيا، بقيادة فلاديمير بوتين، أن الواقعية أقوى من كل شيء. تلك "الواقعية" أدّت إلى رحيل غيفارا، وإلى تفضيل فيدل أخاه راؤول على الشاب الأرجنتيني. تلك "الواقعية"، حتّمت على فيدل تسليم الإمرة العسكرية لراؤول الذي قاد كوبا بدهاء استخباراتي كثير. كان عالماً أن لحظة اللقاء مع الأميركيين ستأتي. وكان لا بدّ من التحضير جيداً للقاء. لا بأس في تكريس دور البطولة للبابا فرنسيس، الأرجنتيني. للفاتيكان سابقة في منع الحرب بين تشيلي والأرجنتين، في السبعينيات، فليُمنح دوراً شبيهاً إلى حدّ ما الآن. واقعية راؤول أتاحت المجال لمصالحة شاملة، مع عاصمة الكثلكة، ووضع لاهوت التحرير في أدراج النسيان. ولن تكون جثة المطران السلفادوري "اليساري"، أوسكار روميرو، المُغتال مطلع الثمانينيات، سوى أيقونة من أيقونات اليسار الكهنوتي، الذي "سيندثر" في ثقب أسود لامتناهٍ.
كل ما سيبقى مجرّد يخت، اسمه "غرانما"، جنح ليلة من ليالي ديسمبر/ كانون الأول الباردة في 1956، على متنه 82 مقاتلاً، بيدهم رايات حمراء وبنادق وأحلام قادرة أن تهزّ الكون. يقودهم محامٍ وطبيب. شبان كانوا يهدفون إلى تغيير العالم، قبل أن يغيّرهم العالم. اليوم، انتهى كل شيء. وصوت ناتالي كاردوني يصدح مغنياً لغيفارا "قائدنا إلى الأبد". الواقعية أقوى من الرومانسية. اليوم انتصر راؤول كاسترو. لا فيدل ولا غيفارا.