وعشية ذكرى انتفاضة الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1988، التي أطاحت حكم الحزب الواحد وأدخلت البلاد في مسار التعددية السياسية، دعا حزب "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية"، العضو في تكتل أحزاب المعارضة، إلى مسيرة شعبية بولاية تيزي أوزو (100 كيلومتر، شرقي العاصمة الجزائرية) في الثالث من أكتوبر.
وتُنظّم المسيرة احتجاجاً على سياسات التقشف التي أعلنتها الحكومة الجزائرية، بفعل أزمة انهيار أسعار النفط، وهي المسيرة الأولى للحزب ضمن سلسلة تحركات احتجاجية، أقرّها مجلسه الوطني قبل أسبوعين. وكان لافتاً أن "التجمّع"، قد اتخذ عنواناً اقتصادياً للمسيرة، بعد إعلان الحكومة عن توقيف مشاريع التنمية العديدة في منطقة القبائل، التي تسكنها غالبية من الأمازيغ (البربر)، وعدم اكتمال بعض المنشآت والمشاريع التي كان يجري إنجازها في المنطقة. وهو ما يعتبره الحزب "إهداراً للمال العام"، بالإضافة إلى رفضه سياسة التقشف التي تفرضها السلطات.
غير أن عناوين ومطالبات سياسية أخرى دخلت على الخط، تتعلق بغياب الأمن في منطقة القبائل، التي تمركزت فيها مجموعات مسلّحة ما زالت تنشط حتى اليوم، أكثر من أي منطقة أخرى. بالإضافة إلى تزايد حالات الاختطاف وطلب الفدية في المنطقة. وفي هذا الصدد، أكد "التجمّع"، أنه "حان الوقت لدقّ ناقوس الخطر حول تدهور الوضع الأمني، وتصاعد وتيرة العنف والإرهاب في المنطقة، في ظل الصمت الرهيب من قبل الجهات الأمنية المعنية".
اقرأ أيضاً: تحذيرات من "انفجار اجتماعي" في الجزائر
لكن أكثر المطالبات السياسية التي تعود إلى الواجهة، هي التي تتصل بطلب "اعتماد اللغة الأمازيغية كلغة رسمية"، إذ سيُطالب الحزب خلال هذه المسيرة، السلطات الجزائرية بـ "إدراج اللغة الأمازيغية فوراً في الدستور الجديد"، بعدما نجحت الحركات الأمازيغية في إجبار السلطة على إدراج اللغة الأمازيغية كلغة وطنية، في التعديل الدستوري الذي تمّ عام 2005.
اللافت في قرار الحزب المعارض، الذي قاطع الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2012، والانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان 2014، العودة إلى الاحتجاج في الشارع. وتتزامن المسيرة مع تشديد تكتل "التغيير" على اعتماد المواقف الراديكالية بما يتعلق بمنطقة القبائل. ويضمّ التكتل إضافة إلى "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية"، أحزاباً إسلامية وتقدمية ورؤساء حكومات سابقين وشخصيات مستقلة. كما أنشأ تنسيقية "من أجل الحرية والانتقال الديمقراطي"، لضمان العمل المعارض الموحّد.
وفي هذا الصدد، يرسم رئيس "التجمّع" محسن بلعباس، صورة سوداوية لوضع البلاد، عشية ذكرى الخامس من أكتوبر، تدفع إلى الخروج الى الشارع. ويعتبر في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "التطورات الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة بدأت تنذر بمستقبل غامض للبلاد، بسبب سياسات الاعتماد المفرط على المحروقات، رغم دقّ ناقوس الخطر وتحذيرات الخبراء، الذي لم يجد آذاناً صاغية من طرف سلطة، اختصت واكتفت بالتهريب والنهب وإهدار المليارات، بدلاً من الاستثمار لضمان المستقبل". ويشير إلى أن "محاولة تمرير مسودة الدستور، لم تُعالج المشاكل الأساسية المعلقة، كما أن تلوّث الفضاء الإعلامي من قبل أجهزة مافياوية، لم يفسح المجال للوصول إلى المعلومات".
ويعتقد بلعباس أن "إنقاذ الجزائر لن يأتي على يد شخص أو حزب سياسي وحده، ولذلك أوجدت التنسيقية من أجل الحرية والانتقال الديمقراطي، لتشمل إطاراً تجمّعت فيه قوى المعارضة، التي نجحت في تجاوز شعور الكراهية والحقد، الذي كثيراً ما غذّته السلطة خلال عقود متتالية".
ويقوم "التجمّع" بالمسيرة وحده، إذ لم تعلن باقي أحزاب المعارضة الشريكة في التكتل مشاركتها في المسيرة، أو في المسيرات التي قرر الحزب تنظيمها الشهر المقبل. وقد يكون ذلك مجرد تكتيك سياسي، اتخذته قوى المعارضة لقياس مدى استعداد الشارع للتحرك، خصوصاً أن منطقة القبائل كانت تمثل المؤشر الأبرز لحراك الشارع خلال العقود الماضية.
كما خاض الحزب بنفسه تجربة الشارع في فبراير/شباط 2011، تزامناً مع ثورات الربيع العربي. ونظّم ما عُرف حينها بـ "مسيرات السبت" في العاصمة الجزائرية ومدن أخرى. وهي المسيرات التي واجهتها السلطة بالقمع واستخدام "البلطجية".
اقرأ أيضاً: الجزائر... فردوس الدولة المدنية المؤجل